كـتـاب ألموقع

الحب في زمن الطنطـل للقاص ضاري الغضبان// حميد الحريزي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حميد الحريزي

 

عرض صفحة الكاتب

الحب في زمن الطنطـل

مجموعة قصص قصيرة للقاص ضاري الغضبان

حميد الحريزي

 

 ((الانسان محكوما عليه أن يكون قصاصاً))*خوسيه اورتيجا

 

الضحك في زمن البــــــــــــــــكاء :-

بقلم الأديب :حميد الحريزي

 

قول في القصة القصيرة الساخرة :-

اذا كانت القصة القصيرة ((عبارة عن فكرة مؤداها ان الحدث وما يدور بين الشخصيات موجهة جميعها الى اثر انفعالي في القاريء)) ص51.

وان القصة القصيرة تتميز بالرشاقة وخفة الروح والتكثيف والاختزال مما يتوجب على من يريد ان يمتلك ناصيتها ان يكون واسع الخيال ، ثري ألمفردة مؤمن بمقولة ما قل ودل  مما جعلها عصية على الترويض إلا لمن امتلك الخبرة والموهبة والفطنة  والثراء الفكري والثقافي ليتمكن منها... اما ان تكون قصة قصيرة ساخرة فيتطلب من القاص ، الجرأة واختطاف المفارقة وإمكانية القبض على المتناقضات والمتنافرات في مختلف مناحي الحياة  الثقافية والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، يجيد  امساك القوس وضبط توتره ليكون  سهم السخرية قادرا على اصابة هدفه بدقة  ليتشظى المحيط ضحكا وانشراحا ،مخرسا اية صوت دفاع او حركة هروب من قبل المستهدف  موضوع السخرية، حينما يأخذه على حين غرة مستدلا  على اكثر  المناطق رخاوة وهشاشة في سياج دفاعاته.

 

القصة القصيرة الساخرة  يكون القاص فيها مسلحا بسلاح خفيف الحمل، جميل الشكل، بليغ الدلالة، حلو المذاق بالنسبة للمتلقي، ولكنه بمرارة الحنظل  للمستهدف، حينما يكون هدفا محددا مقصودا، كأن يكون حاكم مستبد، أو قاض جاهل، أو ثري بخيل، او عاشق رعديد، او قائد متخاذل او صديق جحود، او زوج خائن، او جاهل متعالم ....الخ

فالسخرية سلاح ماض الاثر قاطع الحد، يوفر لحامله درع الحماية المنسوج من خيوط الفكاهة الملونة وخفة الروح.

قد تكون القصة الساخرة على لسان الانسان او الحيوان، او قصة تركب مركب الغرائبية بحسب الظروف وموقع القاص ووصف الهدف وحيز الحرية للتعبير...

تزدهر القصة القصيرة الساخرة في او قات التحولات الكبرى الدراماتيكية، كالثورات الكبرى ، او الانتكاسات الخاسرة ، حالات الثراء السريع  او الفقر  المفاجئ ...

مثلا انتعشت القصة الروسية القصيرة الساخرة بعد الثورة البلشفية عام 1917 ، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي والتجربةالاشتراكية في 1991.

بعد هزيمة حزيران 1967 وفشل وهزيمة الانظمة العربية، بعد ما اسمي بالربيع العربي...

ها هي تحاول  ان يكون لها حضور مميز في عراق ما بعد انهيار الديكتاتورية في 2003. ومن يستقصي نتاج القص العراقي يجد العديد من الامثلة  والنماذج الذي  تؤيد ما ذهبنا اليه، فالواقع المزري ، الواقع السريالي العراقي يضم بين طياته  كم ضخم من الثيمات لقصص ساخرة مميزة لتمكن العراقي من تقبل مرارة الحنظل المغمس بعسل السخرية.

من هذه النماذج المجموعة القصصية  للقاص الميساني الجميل   ضاري الغضبان ((الحب في زمن الطنطل )).

هذه المجموعة التي تستفز الواقع ابتداء من العنوان فتجعله ينقلب على قفاه ضحكا لهذه المفارقة الكبرى على شاكلة مفارقة ((الحب في زمن الكوليرا)) حيث يطمح الجميل والمشروع ليوفر له وجودا في اللاممكن واللامعقول...

ان تتوقع الصحة في زمن المرض الوبائي المهلك كالكوليرا، او يولد  الحب الصادق الجميل في زمن الوهم والخوف حيث ((الطنطل)) رمز الخرافة  واللامعقول المخيف مستوطن الصحارى والخرائب، رفيق القلق والتحولات والتبدلات  اللامعقولة...

ان محصل ويحصل في عراقنا اليوم على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي متخم بآلاف الثيمات الساخرة السردية والروائية والقصص القصيرة والقصائد الشعرية الساخرة، تستفز الاديب الفطن لالتقاطها ليصفع بها وجه الواقع المزري المتردي الفاسد، فمن ديكتاتورية فجة الى ديمقراطية عفنه، ومن اقتصاد اشتراكي فاشل الى سوق فوضى الخصخصة المهلكة، من علمانية فاضحة الى محافظة متزمتة، من ((خنافس)) وزلف طويل الى قرع  مقرف، من بارات لا تحصى الى جوامع تتناكح فيها القطط، من الزعيم الواحد الاوحد الى زعامات اقزام لا  تعد...

على مستوى الرواية كانت رواية ((الساخر العظيم)) و ((الظلال الطويلة)) للروائي  امجد توفيق حيث تكون القوادة  بالامس الديكتاتوري مسؤولة وشخصية هامة في  الحاضر الديمقراطي. ورواية ((كش وطن))  للروائي  الشاب  شهيد  الحلفي. ولا شك ان هناك روايات اخرى  تسخر من الواقع  وتتضحك بمرارة  على الواقع القائم... تضحك  بقوة صرخة الرفض والازدراء  لما هو كائن...

وعلى مستوى القصة القصيرة هناك العديد من قصص القصاصين الشباب  تسلك نفس الاسلوب الساخر كالقاص النجفي محمد الكريم والقاص عبدالله الميالي، وبعض قصص ونصوص شعرية للمتحدث  مثل ((المثقف الاسفنجي))  وقصة ((المسخ)) و (عرف الديك) ونصوص شعرية كثيرة  للعديد من الشعراء ولازالت حاضرة في ذاكرتنا قصيدة ((طرطرا)) للشاعر الجواهري الكبير، ونصوص ((احمد مطر)) والعديد من  اغاني المنولوجست ((عزيز علي))...

 

((شر البلية  ما يضحك )):-

بعد هذه المقدمة الموجزة حول القصة القصيرة الساخرة نحاول ان ندخل عالم ((طنطل)) ضاري الغضبان، حاملين واختزنا لنتجنب اذاه، ونتجاهل تقلباته وتحولاته  وفتواه في مرمى السياسة

-يصوب الضاري سهما ضاريا ناريا لساسة هذا الزمان في العراق بعد ان  انسن علامة التعجب، التي افتقدت وجود مدمني المخدرات على ارصفة المدينة ليلا  ونهارا، وبعد جولة في العديد من الاماكن المحتملة لوجودهم فلم تعثر لهم على أثر.

(( كان السياسي الصاعد يجمع مدمني المدينة في حضيرة كبيرة ويوزع لهم لفافات  الأفيون مجانا ، بينما مساعدته الانيقة  تلقنهم طريقة التصويت للسياسي الصاعد في الانتخابات القادمة  الوشيكة )) مص15.

على الرغم من كونه قبيح الخلق كريم العين أي وحيد النظرة ضيق الافق  محدود القدرة.

القصة تكشف حالة الزيف والنفاق الذي هيمن على الباحث الاجتماعي، وامام الجامع، والسياسي حديث النعمة... وسط  اجتماعي غارق في مستنقع التلون والقردنة  والثعلبة  تبعا  لانانية حقيرة  ومداهنة اههل السلطة والمال.

-    الشاهد متهم والمتهم محامي يعد الشاهد بالبراءة، زمن مقلوب، حيث الغدر والحقد  والعنف والسعي  للمال والسلطة.

-    في عالم الجهل والنفاق والتخلف، يكون جوهر الشيء خلاف مظهره، الاسم لا يطابق المسمى، ناهيك عن ابتذال أللغة جر المرفوع ورفع المنصوب  وهكذا  مفارقات كبيرة وأخطاء لا تحتمل على مختلف المستويات، يحاول المثقف ان يطبق تجربة بلد متطور ((روسيا)) على بلد متخلف مثل العراق ولكنه  يحصد الفشل والاستهزاء والخذلان فمن هو مسئول عن عملية الاصلاح بحاجة الى اصلاح وإعادة هيكلة

-    ((اقترحنا  ان يتسلم  منا دفتر الملحوظات عسى ان يستفيد منها، تردد قليلا ثم اومأ بنعم وتسلم الدفتر الصغير المليء بالتصويبات... ونحن نبتعد التفت  وياليتني لم التفت فقد بان من الشباك السيد مدير اللجنة وهو يمزق اوراق دفترنا ويضعه بين اصابع رجله الحافية )) مص33.

-    الفقر المدقع  ووحش الدين الذي يلاحق  الانسان  الفقير العراقي، فكل  شيء هو بالدين، ملعقة الزيت، ورأس البصل، كرة القدم، ملابس ألمدرسة تصليح السيارة، دار السكن... كله دين بالآجل لم يتمكن من دفعه  حتى الموت، ليترك سيارته عثرة في الشارع فيلقيها سكنه الشارع ف ي ابعادها الى اطراف المدينة، الام الارملة قبلت في دار المسنين والطفل استوطن سكراب السيارة يشاركه السكن  كلبة وجراؤها اصبحت مدينة للصبي باجرة السكن!!! مفارقة حارقة خارقة يتلقاها الواقع المر من كف الضاري الساخر.

-    هيمنة الجهل والخرافة والغباء بلا حدود الذي يهيمن على جمع من الناس حيث يصابون الخوف والذهول مفتشين عن القمر المفقود، القمر المختطف من قوة سحرية، او هو انتقام رباني بسبب فساد الناس وترك امور دينهم، تبح الحناجر ويعلو صوت المنائر، وتضرب الصواني والقدور والصفائح عسى تطلق الحوت القمر  وان  يرق الله  لحالهم ويعيد لهم قمرهم فقد ((تاه القطيع)) (( القطيع لم ينتبه لوجود الغيوم التي حجبت القمر!!)) ص44. الذي استدل عليه الشاعر  في قصيدة النثر التي  فهمها المعلم المتقاعد لأول مرة  في حياته!!!

-    سارق قناني الغاز في الليل بائع متجول لها على اصحابها على صوت موسيقى دينية  في النهار!!!

-    حب يشيخ ويبقى يعيش الروتين والرتابة، وآخر يتجدد، ((العمر للستين يسير والروح باقية على العشرين ...انا ازيدها وهي تتفاعل معي وتضحك ضحكة افتقدتها منذ حلت السنوات العجاف، اما زوجتي تماضر وسيماء الخمسينية في المقعد الخلفي، فقد كن يثرثرن عن الطبخ والطرشي والطائفية والطنطل...)) ص61. هزء مر من شيخوخة الروح  والتخاذل امام الزمن.

-    حالة اللامبالاة بحياة الانسان، لم يلفت نظره ويثير اهتمامه خطأ ابنه الذي كاد يودي بحياة الرجل فلا ندم ولا اعتذار ولكن سؤال اين يمكنه ان يجد مثل  سكائره الفاخرة الذي تبعثرت منه بعد حادث الدهس، وهو لا يعلم انها  تعود لرجل ميت!!!!.

-    كيد النساء وكشف  مراهقة وصبيانية  الرجال  عبر  طاط ، طوط، طيط

((كل ما تذكره باني احرقت الرواية المملة في غرفة النوم وأنا أزمر مثل هورن سيارة حمل عملاقة وسط قطيع من الاغنام السمينة في شارع معبد من عقود)) ص75.السخرية من تصابي الرجال ومحاولتهم استغفال زوجاتهم فيقعون في الشرك.

-    يطوقون سيارة العجوز الفقير الخائب، ويفلتون سيارة مهرب المخدرات الثري ، خيبة السراق.

-    مهزلة وزير الرياضة والشباب، الوعد بالذهبية في السباقات الرياضية، يحرزها مبعوثه في احضان السمراوات والشقراوات ثأرا للإسلام وأهله من المستعمرين، طرد الفريق لتعاطي المنشطات، وعودة الطبيب البيطري الالماني  ملء الجيوب بالدولارات .((الوزير يتبوأ منصب رئيس الوزراء لشؤون الإبداع والمشرف على وزارت الثقافة والرياضة والسياحة والتكنولوجيا والبحث العلمي، اما حمادي ((مبعوثه)) فهو الان في احدى الدول ألغربية ليس للفتوحات ضد المستعمرات ولكن للعلاج من الايدز وعلى نفقة الدولة )) ص101.

-    وكما افتتح الضاري مجموعته  بقصته  الساخرة الرائعة ((علامة التعجب)) ، يختتمها برائعته ((ديمقراطية الغابة)) وفوز ((زمول)) بعرش الغابة، بالتواطوء مع   ((لبوة)) الاسد العجوز الذي مات في ظروف  غامضة...

((العالم هو الشخص من خارج الغابة الذي له الحق بدخولها متى يشاء، وكيف ما يشاء بمرسوم ملكي موقع من الملك المتوج الذي ظهر بكل وسائل الاعلام وهو يؤكد قدرته العلمية على تقريب الجينات الوراثية بين الحمير الذكور واللبوات ، من أجل ولادة ولي عهد يرضي الطرفين...)) ص108.

نعم هذا هو الواقع المر الذي يعيشه عراق اليوم ضمن ديمقراطية الغابة الامريكية، فيكون زمول الملك المتوج  وكما قال احدهم  في قصيدته ((امارة العجول))**

((تعالوا هلموا

 سراعاً

لأخبركم بالنبأ

الخطير

لقد تُوّجَ الثورُ أميراً

وصار الحمارُ

 وزير

 ما عاد هناك سرٌ ولا

سرير

ما عدنا بحاجةٍ للسائسِ

لا حاجة لنا بالصارخِ  و الهامسِ

فكل صاحبِ ذيلٍ

أمير

وكل نهاقٍ

وزير

العزة للثيرانِ

والرفعةَ

للحمير)).

لقد صاغ  القاص الغضبان قصصه المدهشة الساخرة المستنكرة، باسلوب سردي  جميل  وحبكة  متقنة  ،مكنته من  اضحاك المحزون ،((شر البلية  مايضحك ))، واحزن  السفيه  الجاهل  والفاسد  المتسيد ، والغبي المتذاكي.

 

* القصة القصيرة – النظرية والتطبيق –تاليفانريشي اندرسون امبرت –ترجمة علي ابراهيم منوفي – مراجعة صلاح فضل ط1 200 المجلس الاعلى للثقافة .

** نص شعري بهذا العنوان للاديب حميد الحريزي  ضمن مجموعته الشعرية ((مشاهدات مجنون في عصر العولمة )) المعد للطبع .