كـتـاب ألموقع

بستان الياســمين للروائي ناطق خلـوصي// حميد الحريزي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حميد الحريزي

 

عرض صفحة الكاتب

بستان الياســمين للروائي ناطق خلـوصي

(برجوازية متعفنة وطبقة وسطى مشوهة)

حميد الحريزي

 

يختتم الروائي ناطق خلوصي روايته ((بستان الياسمين))، بان الشخصية المحورية الرئيسية في الرواية ((الشاعر مسعود )) يقرأ مانشيتا عريضا في الصحف العراقية ((ان حوت المال العام سميح الوادي يصاب بالشلل قبل حضوره جلسات التحقيق معه بتهم الاستحواذ غير المشروع على المال العام)) ص213.

يطالب بمحاكمة نفسه على انحرافاته وانزلاق ((استلقى على سريره ووجد ان عليه هو الاخر ان يبدأ بمحاكمة نفسه الآن)).

السؤال :-

من هو ((سميح الوادي))؟؟ ومن هو ((مسعود))؟؟

((سميح الوادي)) وزوجته وابنته الكبرى العاقر السيدة سالي وابنته الصغرى  ينتمون الى الطبقة السياسية الحاكمة والمتنفذة في الحكومة القائمة في العراق بعد انهيار النظام الديكتاتوري في 2003 على يد اسياده ومصنعيه الامريكان سادة الرأسمال العالمي بعد ان استنفذوا كل طاقاته في خدمتهم وخدمة مصالحهم في المنطقة، وشعروا انه بدأ يتفرعن ويحاول ان يكسر عصى الطاعة ويعمل لصالحه الخاص.

اما ((الشاعر مسعود)) فهو من فئة المثقفين من الطبقة الوسطى.

ومن خلال معرفة الطبيعة الطبقية للمجتمع العراقي يتمكن الدارس ان يشخص طبيعة الطبقة السياسية الحاكمة في مجتمع ريعي استهلاكي باعتبارها طبقة  خليط من اقطاعية مهزوزة وبرجوازية طفيلية تابعة يمكننا ان نطلق عليها بالطبقة ((الاقطوازية))، ولدت وصنعت في رحم المستعمر الرأسمالي منذ ولادة ((الدولة)) العراقية الاولى على يد الانكليز حاملة معها عجزها البنيوي منذ ذلك الوقت ولحين التاريخ وهي تعيش ازمة هيمنة طبقية حادة تجسدت في العديد من الانقلابات العسكرية والصراعات الدموية بين رموزها للامساك بصولجان السلطة والجلوس على كرسي الحكم، ونتيجة لطبيعتها هذه فهي طبقة فاسدة غير وطنية تابعة  جاهلة ومتخلفة ومتحللة او منحلة اخلاقيا، رغم صراخها بالنزاهة والوطنية والقومية والعفة والشرف.

اما ((الشاعر مسعود)) فابن طبقة متوسطة مصنعة من قبل الطبقة الاقطوازية  لادارة مؤسسات دولتها، وليست حصيلة حراك طبقي واجتماعي كما في بلدان العالم الاول .لذلك فهي طبقة هشة متلونة ركيكة تحلم بالحداثة والتقدم ولكنها عاجزة جبانة مترددة غالبا ما تلجأ الى الصعلكة والهروب من الواقع وخلق مبررات  زائفة لخياناتها وترددها، خصوصا وان الطبقة النقيض طبقة رثة ضعيفة ومشتتة  الا وهي الطبقة العاملة في مجتمع ريعي استهلاكي تابع، غالبا ما تعيش ارهاصات فاشلة ومحبطة ولم تتمكن موضوعيا ان تكون طبقة لذاتها ومن امثلتها ((تايه)) الحارس الامين لضياع الاغنياء والمروج  للسماسرة  في سوق العقارات  وماشابها، وأفراد الشرطة والأمن الصغار كلاب صيد الاسياد والمتخلقين بأخلاقهم كما علمناهم في سيطرات التفتيش لايجيدون سوى اختلاق الاكاذيب والمكائد  والتحرش الجنسي يتنمرون على الضعيف ويتأرنبون ويتقردنون امام القوي في الوقت الذي يغضون النظر عن ارتكاب جريمة اختطاف وقتل تحدث اما مهم  كما شاهدتها  ((رفيف)) مما يدل الى فساد وعدم التزام  بعض القوى الامنية بواجباتها لحماية امن المواطن. ومن ضمن هذه الفئة الخاطبات وسمسارات النساء  ك((نسرين))، والقوادات وبائعات الهوى ك((ربيعة وابنتها ميس))، وسائق ((سميح الوادي)).

هذا هو توصيف ((سميح الوادي)) فاسدا، مدعيا فارغا، شبه امي  تمكن من خلال الثعلبة والقردنة يصل الى منصب وكيل وزير ضمن وزارة متعفنة يسودها الفساد والحرمنة والتبعية والجهل، بعد ان كان  مطرودا  لاتهامه بالاختلاس، فالتحق ب((المعارضة)) في امريكا..

و((مسعود)) الشاعر المثقف الذي لا يمتلك الحصانة والمناعة الذاتية الكافية والمبدئية الاخلاقية ليتجنب الانزلاق نحو الخيانة والرذيلة، فهو شخصية غير مستقرة تتأرجح بين مبادئ الفضيلة ومغريات الرذيلة النابعة من طبيعة طبقته الهشة وتبعيتها للاقطوازية الفاسدة المأزومة، على الرغم من ان بعض افراد هذه الطبقة ((المتوسطة)) يحاول الافلات من شرك التردي والانحدار صوب الرذيلة  ولكن غالبا ما يصاب بالفشل والخذلان لعدم وجود الحامل الفكري لطموحاته وافكاره وتطلعاته  نحو عالم افضل  في وسط كتلة بشرية  تسمى مجتمع  وحكومة فاسدة  تابعة لقوى كبرى..

فغالبا ما يكون زعماء الحركات والاحزاب الوطنية واليسارية التقدمية من هذه الطبقة وقد تعرضوا للقتل والتعذيب والتشريد وملاحقة  كلاب السلطة من الناس اللذين يناضلون من اجل حريتهم وكرامتهم ورفاههم..

الهوس الجنسي

 في مثل هكذا مجتمع مستهلك، يكون جل اهتمام هذا الانسان الفارغ فكريا والكسول الغير منتج والاناني ضيق الافق نحو غرائزه الحيوانية وفي مقدمتها الجنس وظاهرة ((الزنا بالمحارم)) والإفراط في الاكل واللباس واقتناء الاملاك والسيارات والركض وراء المودة بالنسبة للطبقة الحاكمة المستحوذة على الثروة  الوطنية..

في حين نرى المحرومين والفقراء اشبه بالقطعان  التابعة لرموز منافقة تدعي الزعامة باسم الدين او العشائرية او القومانية المزيفة، لايعون مصالحهم، يعيشون الفقر والجهل والحرمان ومسخ الذات.

والسمة الثانية لهذه الطبقة الحاكمة وتوابعها هو سيادة سلوك الخيانة وخصوصا في الوسط السياسي وحواشيهم من الحكام وتوابعهم فالرفيق يخون ويغدر برفيقه، والصديق يخون صديقه، والتابع يخون متبوعه، والزوج يخون زوجته والزوجة تخون زوجها، كون هذه الفئة استولت على سدة الحكم ومفاتيح الثروة  من خلال خيانة  وطنها وشعبها وعبر اساليب القردنة والثعلبة وخيانة للمبادئ العالمة والخاصة. ولسنا بحاجة لذكر العديد من الامثلة بالنسبة للأحزاب والزعامات السياسية في العراق كمصداقية لما ذكرنا، اذ يكفي استذكار الاحداث السياسية العراقية منذ تموز 1958 ولحين التاريخ.

لذلك تفشت في هذه الطبقة الخيانة الزوجية كما هو حال ((سالي)) ابنة سميح الوادي،  وزوجته،  وسائقه ، وسهير زوجة وائل  ووائل ومسعود ..الخ

ان هذه الرذيلة البرجوازية ان صح التعبير اصابت المثقف الشاعر ((الواعي)) فكانت له صولات جنسية رغم ستينيته مع زوجة سميح  ومع بائعى الهوى  زوجة الشهيد ((ربيعة)) وابنتها  الشابة ((ميس)). وهنا وقفة الم ولوعة ان  تنحدر زوجة شهيد مضحي بحياته من اجل مباديء سامية  ان تنحدر الى هذا المنحدر القذر.

الانكى من كل هذا ان هذا الشاعر المثقف لعب لعبة قذرة مع زوجة ابنه وائل   ((سهير)) العطشى للجنس دوما والمصابة بمرض((جنون الغلمة)) كما يسميه بعض المختصين، والتي تتطلب سلوكيتها تحليلا نفسيا خاصا يكشف عن سلوكياتها الشاذة  والمتهتكة دون لرعاية لمحرم او صغير سن او قريب، وقد حاول ان يهم بها وحاولت ان تهم به لولا بعض رواسب المبدئية وكره الزنا بالمحارم  في  مخزونه القيمي، وهو الذي سمح لنفسه مشاركة زوجة ابنه في مشاهدة فلم اباحي  ومشاهدة لقطات فاضحة في غرفته، فقد كان سلوك الشاعر مع ((سهير)) مثيرا للتساؤل ودالة على شذوذ في السلوك دال على خلل نفسي في شخصيته، حيث كان يمهد لزوجة ولده طريق الخيانة متمتعا بهذه اللعبة القذرة، وعندما تقترب   ((سهير)) من ارتكاب الخطيئة يشد الحبل ليحول دون ذلك وكأنه يقوم بعملية سباق ورهان يكسبه في النهاية محققا انتصارا لذاته المريضة عند ذلك يوقف اللعبة  مما يصيب الشابة بالانكسار وكما يقال في المثل الشعبي (( يشتهي ويستحي))، مما يشير الى مدى هشاشة قيمه ومناعته ضد الانحراف لذاته ولغيره ممن  يفترض ان يكونوا تحت رعايته..

لم تسلم من الانحراف والخيانة سوى ((رفيف)) ابنة ((مسعود)) زوجة ((نبيل)) المهندس الوسيم الذي انتهكت نبالته من قبل  ((سهير))  وقد ورطته في ممارسة جنسية  لم تكن له على بال.

كما تميز(( مسعود)) بالحلول الترقيعية للمشاكل الاجتماعية والاخلاقية كما هي نصيحته لعائلة (( سميح  الوادي)) باخذ ابنتهم الصغرى لترقيع بكارتها في احد دول الخارج بعد ان افتضها سائق والدها الخاص في شقة والدها وكأنه يقول- اعتمدوا على اسيادكم في الخارج  لترقيع وستر فضائحكم.

كما كانت له احلام وحلول البرجوازية الصغيرة من الطبقة الوسطى  للخلاص عبر هروبه الى اطراف المدينة وبناء دار ((بستان الياسمين)) على غرار البيت القديم  دليل تمسكه بالقديم رغم تطلعه نحو الجديد، ظنا منه ان بإمكانه في هذا الهروب التخلص من ما يجري في المجتمع من حالة تردي، وظاهرة العنف، دون التفتيش عن الحلول الجذرية الثورية لهذا الواقع الاجتماعي القائم والتخلص ومن النظام الفاسد المتسلط ...كما هو حال ولده ((وائل)) وهروبه الى لندن ، وهروب الغانية ((ريبعة)) الى دمشق فبيروت لممارسة الدعارة كقوادة تمدها الحروب بالمزيد من  الشابات ضحايا الحرمان والكبت والتضليل الاخلاقي وانحراف السلوك، حتى ان  ابنتها لم تسلم من  طمعها لكسب المال والثروة.

هذا نموذج للفئة المثقفة الذي يقف في الوسط  متلحفا بالحياد الزائف والحلول التوفيقية الترقيعية.

اما النموذج الثاني

 فهو النموذج الانتهازي المتملق الراكض وراء المال والشهرة لمممثلي الطبقة الحاكمة ممثلا بشخصية ((الدكتور اشرف)) المشرف على رسالة ((سالي)) ابنة ((سميح الوادي)) وهو الكاتب الفعلي لرسالتها لنيل الماجستير مقابل الحصول على المال وكسب رضى المتنفذ (( سميح الوادي)) وربما ممارسة الجنس مع  ((سالي)) المطلقة العاقر المشروع الاسهل لإقامة مثل هذه العلاقات كما تصفها   الخاطبة ((نسرين)).

اما النموذج الثالث \ فهم الاساتذة اعضاء لجنة مناقشة رسالة الماجستير ممثلي المبدئية وعدم قبول الرشاوي، والجرأة في رفض تهديدات السلطوي والد ((سالي)) وعدم التهادن او المساومة في الامور العلمية والأكاديمية لذلك رفضوا اطروحة ((سالي)) مما اصابها بالصدمة هي وزوجها ومشرفها دكتور اشرف الذي هرب من قاعة المناقشة.. وهذا موقف نادر جدا في ظل واقعنا الحاضر ولكنه دلالة  امل  ارادها الروائي  لبقايا قيم  ومبادئ.

كذلك هناك نموذجا للطبقة لمهمشة من حثالة البرولتاريا والفلاحين الفقراء   نموذجهم ((تايه)) الذي كان رهن اشارة هؤلاء الاثرياء، ومروجا متحمسا لسماسرة الاراضي والعقارات، والمتربص للحصول على فضلات الطبقة الثرية من اكل   وعطاءات لاطعام افواها جائعة، وقد كان الروائي دقيقا تماما بتسميته بالتائه فهذه الطبقة الكبيرة تعيش حالة من الخدر والتوهان تحت عصائب التجهيل والتضليل العرقي والديني الطائفي والعشائري للطبقة الحاكمة، باستثناء اقلية واعية تعاني التهميش والإقصاء والملاحقة والتشريد وحتى القتل حينما ترفع صوتها وتحاول تنظيم صفوفها من اجل حياة افضل، ولكن الروائي لم يصرح ولم يفصل في  دور ومكانة هذه الطبقة في المجتمع.

الجدير بالذكر في هذه الرواية ان الروائي اعطانا توصيفا دقيقا على لسان الرواي العليم ((مسعود)) وبضمير الغائب والمتكلم لشخصياتها حول الوضع السائد  وصور لنا الحال كما هو عليه طبعا بأسلوب ادبي وفني رفيع ولا غرابة بالنسبة لروائي واعي متمرس مثل الاستاذ ناطق خلوصي، ولكنه لم يؤشر ولو من بعيد  الى شخصيات ايجابية فاعلة من عامة الناس تشكل بصيص امل او الضوء في اخر النفق لمثل هذا الحال ما عدى موقف الاساتذة اعضاء لجنة مناقشة رسالة  ((سالي)) وفي نطاق المثقفين  فقط.

 ومتناسيا دور الطبقات الشعبية في الحراك الاجتماعي والاقتصادي او وجود  رموز نضالية تكافح لمقاومة هذا التردي المريع في المجتمع العراقي والإيغال في  الفساد  بالنسبة للطبقة الحاكمة.

كما ان تقديم ((سميح الوادي)) للمحاكمة لانه مرتشي لاشك انه من النوادر في ظل حكم المحاصصة والفساد السائد الا اذا كان قد انهار حزبه او خسرت كتلته مكانتها في السلطة الحاكمة، حيث لم نشهد ولو حالة واحدة على محاسبة سارق او مرتشي وسجن وهو من الطبقة السيا سية الحاكمة، شكرا للرواي لذكره هذه النادرة  ليبث في نفوسنا شيئا من أمل..

لا نظن اننا بحاجة للإشارة على جمالية السرد وجمال المفردة ودقة التعبير  وامتلاك ناصية اللغة بالنسبة للروائي ناطق الخلوصي، ولا الى اتقان حبكة الرواية  ودقة نسج  خيوطها بشكل جميل ومتقن يليق بروائي قدير وواعي ولماح لما حوله.

وكما يقول محمد برادة :-

((الروائي يستطيع ان يلتقط بالمعاينة والتامل والحدس، ظاهرات لها صفة الشمولية التي تجعل منها معرفة تضيء السلوك البشري)) الرواية العبية ورهان التجديد – محمد برادة ص70