اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

في حِوارٍ معها.. (الجزء الرابع) ما زالَ حيَّا// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

 

في حِوارٍ معها.. (الجزء الرابع) ما زالَ حيَّا

د. سمير محمد ايوب

الاردن

 

ذاتَ صُبحٍ ربيعيٍّ حزين، عَسْعَسَ ليله أو كاد، وصهيلُ ديكٍ بلديٍّ مُتَفَلِّتٍ، أحسستُ بحاجةٍ ماسةٍ لعناقٍ يُدفِؤُني، و يُزاحِمُ حُزني لأبتسمَ بلا سبب.

 

وسط زحامِ تلك اللحظة، تَسَلَّلَتْ ملامِحُها وحاصرَتْني. فابتسمتُ تِلقائيا. وبعد صلاة الفجر، هَرَعْتُ كما إعتدتُ، إلى ذات الدلال أضمها. وألوذُ في ثنايا رضا روحها. على عتباتِ سريرها الفارغ من جسدها، إلتصقتُ بكل التفاصيلِ المُفعمةِ بها. أدْمَعَتْ عينايَ. فقررتُ أن أسري إلى مأواها بخطىً مُهروِلةٍ، فلا يَفهمُ لُغةَ حُزني إلا إثنتان، أمي وأمي يرحمهما الله.

 

قبل ان ينتصفَ النهارُ، مُرهقاً كنتُ عند مأواها في المدفن. فَرِحْتُ حين التقيت أرملة إبن عمي، قد سبقتني بوقتٍ أتاح لها أن تنظف محيطَ قبر زوجها، وقبر أمي الملاصق لقبر زوجها. وقد نثرت الكثير من الماء عليهما، وأروت ما حولهما من نبات. حييتها مُبتسماً، ثم إحتَضَنْتُ مُطَوَّلا قبر أمي وغفوت. أفقتُ على هزةٍ لكتفي مرافقة لعبق قهوة فواحة، تقدمها لي السيدة المتشحة بسواد أنيق. سألتُها ويميني ممتدة لتناول فنجال القهوة: ألا تضنيك يا سيدتي، هذه الزيارات المتكررة للمرحوم؟

 

قالت بصوت متهدج ونبرة حزن، وهي تمعن النظر في شاهد قبر زوجها: ما زال وطنا، إستثنائيته باذخة الأناقة .لا يخذل،لا يعذل ولا يبتعد. قريبٌ بالشعورِ وبالحضور.

 

هو أول وأهم من علمني الرقص تحت المطر. وعلى صوت الزوابع، علمني قراءة الكثير من قصائد الحياة. ما انتظر مرور عاصفة، ليأتي لي بالورد. يقترب دائما لحل شيفراتي، وإجتياز متاهات جراحي إن رَعَفَت .

 

قاطعتها باحترامٍ كُليٍّ: ولكنه رحل من سنينٍ سبعٍ!!!!

 

قبل ان أكمل، رفَعَتْ بصرَها قائلة: صحيحٌ، لم يَعُدْ كَمَّاً ماديا. ولكنَّ حضوره النوعي طاغٍ. مُحيطٌ  بِبعضِ كُلِّي وكُلّ كُلِّي. إن كنتُ لا أحسن الإمساكَ بِشذاه، أطيل التفكير فيه. أستسلم لمن يدركون ان كل الطرق لا تؤدي الا اليه لسباقِ ساقيَّ وقلبي. نصل لاهثين إلى من كان يوماً هناك. ورحل دوني متعجلا. أمتلئ فَرَحاً وأنا أقف عند بواباتِ مأواهُ المؤقت. هنا، قبل أكثر من ربعِ قرنٍ، إلتقيته أول مرة. وذاك، ما يبقي لهذا المكان يا شيخي، جمال ونكهة البدايات.

 

قلت كَمَنْ نفذَ صبرُه: أوَلَمْ تُحاولي نِسيانَه والبدء من جديد؟

تَنَهَّدَتْ وهي تقول ترتيلا: بعد رحيله، وسط زحام التيهِ الحزين، حاولتُ إعادة تشكيل تضاريس زماني والمكان. فَشلتُ بإمتياز. قبل سبع سنين، حمل الموت بعضه إلى هناك وإلى هنا. سبعٌ عِجافٌ، لم تنجح في شطبه من خرائط حياتي ودهاليز معارجها. نِسيانه عصيٌّ غير ممكن. تناسيه لم يخطر لي على بال. إن أقصيته قسرا، لن أعود كما كنتُ قبل مِعراجه وقبلَ رحيله. بل كلما أردت التوازن، أعود إلى هنا، أقف متوسلةً. أدق قبرَهُ بقبضاتِ وجعي، ليفيق من نومته. أستشيره في الكثير مما أنا فيه. نعيدُ ترتيلَ الكثير من ذكرياتنا. وأناجيه بكل ما في الروح من ونَّاتِ الجَوى.

 

ما كنتُ أنوي أن أُثْقِلَ عليها أكثر، لولا أني أبصرتُ دمْعاً يسري من عينيها المغمضتين، ويستقر حَيٍيَّا على حوافِّ ذقنها. شجعني دمعُها الطازج، لأسألَ مُتَرَدِّداً: بعد الإفاقة بم تُناجيه؟

 

بِبطءٍ شديدٍ تفتحُ عينيها، وبِهمسٍ آتٍ من البعيدِ تقول، دون ان تلتفت إليَّ: قُمْ واقفاً يا سَنَدي. لا تنتظر فرصةً مُواتية. يوجِعُني غيابك. عيناك ما زالت تهزِمُني يا رجل. تعالَ فَكُل ما في القلبِ بِيِنْدَهَكْ.

 

قُمْ واقفاًعلى ناصيةِ كَفَنِكَ وتفاصيل مَوْتِكْ. هناكَ ضَحَكاتٌ لم نُعاقَرها بعد.

 

يا حبيبي، قُمْ واقفاً. وإن كنتَ أقرب إليَّ من حبل الوريد، فكل الأماكن مشتاقة لك. في الحياة الدنيا أيضا، ما يستحق ان يقرأ بتمهل يا رجل.

 

قم وبسم ربك تعال إقرأ .

 

الاردن – 25/7/2017

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.