اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

.. من حواري معها.. (الجزء السابع)// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

 

.. من حواري معها.. (الجزء السابع)

د. سمير محمد ايوب

الاردن

 

الحب تفاصيل، تورق في الحواس العشرين.

جَلَسْتُ بعد صلاة العصر، على شرفة منزلي. مُنتَظراً وصوله، لِنَمضي إليها. كنتُ حينَها مُمْتَلِئاً بأملٍ حزينٍ. منعَني من الإبحار والتحليق، مع ما في فنجال قهوتي من سحر.

 

وبعد إنتظارٍ وصل صاحبي، مُعتذراً عن التأخُّر في الزحام. طمأنته قائلا: ما عليك، لقد أشغلتُ وقتي بِحوارٍ صامتٍ مع مضامينِ فنجالي. قال وهو يقهقه: لن أسالك، وإن كنت أخمِّنْ.

 

قلت: ستعرفه لاحقا .هيا بنا قبل أن تَغْضَبَ مِنَّا أو تقلقَ علينا.

 

إطمأنَّ إلى أن حزام الأمان في مكانه. تحركنا بصمتٍ، لا يُنافسه إلا صوتُ نايٍ حزينٍ أطلَّ علينا من المذياع، برفقةِ نسائم رقيقةٍ وحفيف شجَرٍ، تُعابِثُه السيارة وهي في طريقها الى موعدنا، في مَغاربِ جبالِ ناعور، المُطِلَّةِ ببذخٍ على فلسطين المحتلة.

 

تَفَهَمَتْ أسبابَ تأخُّرِنا. جَلَسا قبالتي متجاورين. إخترتُ في جلستي، أن أيمِّمَ وجهي غرباً شطرَ فلسطين المحتلة، وأنوار بيوتِ الله فيها.

 

تأملت مطولا وجهيهما. متعبين بحيرةٍ مفترسة. عيونهما تلمعان كالقطط الشيرازية في ليل بهيم. أنفها دقيق. وشعره منكوش. مظهرهما وقد قاربا الخمسين، يشي بثقافةٍ متقدمة.

 

سألتني وهي تناولني فنجال قهوتي: أيمكنك لو أردتَ، أن تتحرر من ويلات وجعٍ يا سيدي، وجعٌ أصغيتَ له، رأيتَه وأحسستَ به؟

 

قاطعتُها مبتسماً: أتوقع بأنكما ستحكيانِ لي شيئاً آخر. أرجوكما، غادرا غضبكما وحزنكما الآن ولو مؤقتا. جئنا لنفسح المجال لشئٍ من الفرح. فما إعتدت أن أراكما إلا مبتسمين. بِكُلِّ ما أوتيتُما من وجعٍ هشٍّ مُتسلل، وحزنٍ عابرٍ، لا يحق لكما ان تذبلا ، أو أن تَزْهَدا . ففي الحب الحَقْ ، الكثيرُ مما يُتَّكَئُ عليه.

 

قالت: لم أفهم!

قلت: تجردا من نوازعكما،  وما في دواخلكما من حزن وألم وغضب. فقد تَشَبَّعْتُ بتفاصيله، وما تظنونه أسبابا له. حَدِّثوني دون تحيزعن الجميل في حبكما. تعالا نتعرف على ما لدى الآخر من حق، أو جزءٍ من هذا الحق. ساعتها ستتغير معايير الألم . فقد نجد له عذراً مُبَرِّراً يغير الكثير من التبعات.

 

بَسطَ يده متبسما لعينيها. إلتقفت كفَّهُ وهي تُتَمْتِمُ بما لم أسمع. نهض واقفا خلفها. إحتضن رأسَها بين يديه. لم أنتبه إلا وقد إستدارت إليه. قَبَّلَ مِنها الجبين وهو يقول : أستغفركِ مُعتذراً، وأنا على العهد باقٍ.

 

بَقيا ملتصقين. ينظران معا إليَّ بعيونٍ طفولية تدمع فرحاً.

 

قلت: نعم. من يُتقنِ الحبَّ، يُتقنُ الصبرعلى كل ما قد يقتحمه من منغصاتٍ تُعكر صَفْوَه. والأيامُ تمضي، من المهم أن نكون في ذاكرة أحد. يبتسمُ لطيفك الغائب كلما تذكرك.  الحب مساحة شخصية، رزقٌ طيِّبٌ من فئ الله. لنتقن العيش في رياضه، لا التلطي في ظلاله. عندما تشرق أنواره، تشبعوا بتفاصيله ومقتضياته. بعيدا عن كل ما قد يسبب لكم أذى أو ضررا. لا تقيدوه بِعثرةٍ من هنا أو هناك. إجعلوا مصير الحب في يقين القلب، لا في ظنون السمع أو البصر، أو في قبضة أبالسة الشك. وتابعتُ وهما منصتين بانتباه شديد: إخترقوا الشك واستنزفوه بابسط التفاصيل.

 

سألَتْ وهي تُداعب شعره: ما قولك في تعب الغياب يا شيخنا.

 

قلت وأنا أرتشف فنجالي الممتلئ بِفراغِه: خرائطُ الرحيلِ كحباتِ الرمل. تتسلل الى مسامات الحب. تحمل معها وجع الفقد. ومبالغاتُ الإحتياجِ، تُشعرُ بالخوف. تُنْقصُ الفرحَ. وتُكرسُ الخسارةَ والتعب والبكاء.

 

سابَقَها مُتسائلا: كيف يُستدامُ الحب يا شيخنا ويتجدد؟

 

قلت: الإستدامة ليست قدرا يَأذنُ لك. هو فيضٌ من التفاصيل، تورق في العينين وتُزْهرُ في الشفتين، وتُثْمِرُبين أصابع اليدين. لا تُقاوِم عطشك لشريكك. إهتم بتفاصيله. تابع الطَّرْقَ على نوافذه وبواباته وعتباته. رتل اسمه في دهاليزه. إسألها يا رجل، عن حمرة شفتيها، عن كحل جفنيها، عن غمازتها، عما تقرأ من إبداعات، أو تتابع من برامج، ولا بأس إن سألتها مشاغبا عن غزو الفضة لمفرقها.

 

إبْتَسَمَ لها مُشاغباً. نَسِيَ وجودي وهو يداعب تسريحتها مُلَمْلِما. ثم تماسَّتْ أصابعها مُتوَسِّلَةً. إستأذنا للتجول في المكان.

 

ما أن إبتعدا عن مرمى بصري، أوقفتُ أول سيارةٍ وصَلَتْني، وعُدتُ وحدي إلى عمان.

31/7/2017

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.