اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

من اجمل ما قرأت - قصص من الواقع (بتصرف)// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

من اجمل ما قرأت - قصص من الواقع (بتصرف)

حج مبرور - اغرب من الخيال

د. سمير محمد ايوب

الاردن

 

جلس الحاج تيسير في صالة الإنتظار، بمطار جدة الدولي، بعد أداء مناسك الحج، وبجانبه حاج آخر. ينتظران ترتيبات الصعود الى الطائرة الأردنية.

 

قال الحاج تيسير لمجاوره في الصالة: أعمل مقاول إنشاءات في بلدي. وقد أنعم الله علي بالحج، عشر مرات حتى الآن.

 

أومأ ابو حرب برأسه مباركا: حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا ان شاء الله. أما أنا فأكنى بأبي حرب، من قرية صغيرة وسط فلسطين، أعمل معالجا طبيعيا في بلدك.

إبتسم تيسير سائلا أبا حرب: وأنت هل حججت قبل ذلك؟

أجاب ابا حرب بعد تردد: والله يا أخي لحجتي هذه، قصة طويلة، لا أريد أن أوجع بها رأسك.

ضحك الحاج تيسير، وقال: أخبرني إياها. فنحن لانفعل شيئا سوى الإنتظار.

 

إبتسم أبا حرب وقال: نعم, الإنتظار هو ما بدأت به قصتي. إنتظرتُ سنينا طويلة، حتى انعم الله علي هذا العام، بالحج  الى بيته المعمور. بعد ثلاثين عاما من العمل مُعالِجا فيزيائيا، في مستشفى خاص، إستطعت أن أجمع كلفة الحج. وفي اليوم الذي ذهبتُ فيه لإستلام مستحقاتي من المستشفى، إلتقيتُ هناك إحدى الأمهات، كنت أعالج ولدها المشلول، وقد إكتسا وجهها بالهم والغم. بادرتني قائلة: أستودعك الله يا أبا حرب. فهذه آخر زيارة لنا لهذا المستشفى. إستغربتُ كلامها، وحسبت أنها غير راضية، عن علاجي لولدها. وأنها تفكر في نقله الى مكان آخر.

 

قالت تطمئنني: لا يا أبا حرب.، أُشهِدُ الله، على أنك كنت لولدي بحنان الأب. وقد ساعده علاجك كثيرا. وتابعت سيرها حزينة.

 

إستغرب تيسير مُقاطعا: غريبة, طالما كانت راضية عن أدائك، وإبنها كان يتحسن، فَلِمَ تَرَكَتْ العلاج؟

 

أجابه أبا حرب: هذا ما شغل بالي. فسارعت إلى الإدارة وتحريت الأمر. فتبين لي، أن والد الصبي قد وظيفته، ولم يعد قادرا على دفع نفقات علاج ولدهما.

 

حزن تيسير وقال: لاحول ولا قوة إلا بالله, مسكينة هذه المرأة، مسكين ذاك الفتى. وتابع سائلا أبا جرب: وكيف تصرفت؟

 

أجاب ابا حرب: ذهبت إلى مدير المستشفى. ورجوته أن يسمح بمواصلة علاج الصبي، على نفقة المستشفى. ولكنه رفض رفضا قاطعا. وهو يقول: هذه مؤسسة تجارية ربحية، كالمدارس الخاصة تماما، وليست جمعية خيرية.

 

خرجت من عند المدير حزينا مكسورَ الخاطر. وفجأة وضعتُ يدي على جيبي الذي فيه نقود الحج. فتسمرتُ في مكاني لحظة. ثم رفعت رأسي إلى السماء وخاطبت ربي قائلا: اللهم أنت تعلم مكنون نفسي. وأن لاشيء أحب إلى قلبي من حج بيتك، وزيارة نبيك. سعيت لذلك طوال عمري. ولكني آثرت هذه المسكينة وابنهاعلى نفسي، فلاتحرمني فضلك.

 

فذهبت فورا إلى محاسب المستشفى. ودفعت كل ما معي أجرة لعلاج الصبي للأشهر الستة القادمة. وتوسلت إليه، أن يخبر للمراة، بأن لدى المستشفى ميزانية خاصة لمثل هذه الحالات. تأثر المحاسب وأدمعت عيناه وهو يردد: بارك الله فيك، وفي مالك وفي أمثالك.

 

وهنا قاطع الحاج تيسير أبا حرب متسائلا: إذا كنت قد تبرعت بمالك كله، كيف حججت إذن؟

 

اجاب الحاج ابا حرب قائلا: رجعت يومها إلى بيتي حزينا على ضياع فرصة عمري في الحج. ولكن الفرح كان يغمر يغمرني من ساسي لراسي، لأني فرَّجْتُ كربة محتاج. نمتُ ليلتها ودمعي يغسل وجهي. فرأيت في المنام أنني أطوف حول الكعبة، والناس يسلمون علي. ويباركون لي قائلين: حجا مبرورا يا ابا حرب, لقد حججت في السماء قبل أن تحج على الأرض. واستيقظت من النوم، وأنا أشعر بسعادة غير طبيعية. فحمدت الله ورضيت بأمره.

 

وما إن نهضت من نومي، حتى رن الهاتف، وإذا بمدير المستشفى يقول لي: أسعفني يا أبا حرب. صاحب المستشفى يريد الذهاب إلى الحج هذا العام، وهو لا يذهب دون معالجه الخاص. ومعالجه لسبب ما لا يستطيع السفر. رافقت مالك المستشفى في حجه كما ترى. سجدت لله حامدا شاكرا. فقد رزقني حجَّ بيته دون أدفع شيئا. بل أصر الرجل على إعطائي مكافأة مجزية، حين حدثته عن حكاية المرأة وولدها. فأمر من فوره، بأن يعالج الصبي في المستشفى على نفقته الخاصة. وأن يؤسس في المستشفى صندوقا خاصا لمعالجة الفقراء، وفوق ذلك فقد عين زوجها بوظيفة في إحدى شركاته. وإعيد إلي مالي الذي دفعته. أرأيت يا حاج تيسير، فضلا أعظم من فضل ربك وربي؟!

 

نهض الحاج تيسير، وقبل الحاج ابو حرب على جبينه قائلا:

 

والله لم أشعر في حياتي بالخجل، مثلما أشعر به الآن. فقد كنت أحج وأعتمر المرة تلو الأخرى. وأحسب نفسي قد أنجزت شيئا عظيما، وأن مكانتي عند الله ترتفع، بعد كل حجة وكل عمرة. ولكني ادرك الآن، أن حجك بألف حجة من أمثالي؛ فقد ذهبت أنا إلى بيت الله، أما أنت فقد دعاك الله إلى بيته. وصعدا سلم الطائرة وهما يرددان معا: اللهم تقبل منا صالح الاعمال.

 

( شكرا للاخت يسرى الجراح ).

 

الاردن- 13/8/2017

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.