كـتـاب ألموقع

في حوارٍ معها (الجزء العشرين)// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

في حوارٍ معها (الجزء العشرين)

د. سمير محمد ايوب

الأردن

 

إنتهاءُ الصلاحية – الجزء المُتَمِّمْ

بعد حفل التكريم الجامعي، لعميدة كلية الآداب في جامعة بيروت العربية، أصرَّت صديقتي الطرابلسية، ألأستاذة في تلك الكلية، على أن نُكمِلَ حِوارَنا، حول صلاحية طرفي أي علاقة عاطفية، مساءً في دارتها، في برج البراجنه– الضاحية الجنوبية لبيروت. حرِصْتُ على أن أصِلَ المكانَ في الوقت المحدد تماما. عَبَرْتُ بِرفقةِ مُضيِّفتي، بوابة السور الخارجي لدارتها متمهلا، علَّني أُشبِعُ وأُمتِّعُ جُلَّ حواسي، بعبق ما أرى من ورودٍ ورياحين وشجرٍ مُنَسق بأناقة بَيَنَةٍ. ما أن دلفنا عتبة البيت، حتى جحَظَتْ عينايَ وأنا أشهقُ فَرِحاً، بمن كانوا في إنتظاري، في الصالة الفسيحة الأنيقة للبيت. باقة مُنتقاةٌ بعنايةٍ مميزة، من صديقات وأصدقاء الزمن الجميل في لبنان. فيهم البقاعي والشوفي والجنوبي والبيروتي والزحلاوي والإهدني. دمعت عيوننا جميعا، ونحن نحتضن بعضنا بشوق، شاكرين لصاحبة البيت هذه الأمسية الحميمة المفاجئة. سَرَقنا الشوقُ مُطوَّلاً، عن مائدةِ العشاء، التي حفلت بِطيباتِ لبنان وما أكثرها . في الغوطةِ الصغرى للدارة ، تناولنا الكثير من الفواكه والحلويات اللبنانية، مدلوقة البحصلي البيروتي، وحلاوة الحلاب الطرابلسية، وجزرية البابا الصيداوية، مع الكثير الكثير من قهوة معتوق، إبن قرية الغازية، المسترخية بدلال، على الساحل الممتد بين صيدا وصور. حدَّثَتْ صديقتي، الحضورعن موضوع حوارنا، الذي كان قد إبتدأ صباح اليوم، في صالة جمال عبد الناصر في الجامعة. بعد ان أوجَزَتْ لهم الجزء الأول منه، ألح الحضور على إستكمال الحوار مستأذنين المشاركة فيه.

 

فقالت صديقتي المضيفة، دعني يا شيخنا ابدأ بسؤال يفرض نفسه: أوليس الحب علاقةٌ إنسانية سامية، ميثاقا مقدسا نبيلا؟ فَلِمَ يكون لها تاريخ صلاحية إذن؟ لِمَ يَتحجج البعض بالظروف, وبمشاغل الحياة؟ إن كانت العلاقاتُ الإنسانيةُ صادقةً، ستكون بالضرورة قوية صامدة في وجه تيارات الحياة. وتقاوم كل شوائب رياح التغيير.

 

قلت مضيفا لما تفضلت به: الحب تجربةٌ إنسانية مشتركة. لا يستغني عنها أحد. يمر بها الانسان، فتمس شخصيته بكثير من التغيير. في التشاركيات العاطفية، لا يشترط التطابق  بين أطرافها، وإن اشترط الكثير من التوافقات بينهم، وإبداع لا ينضب، من التغاضي في الممارسات.

 

وهنا أضاف صديق دبلوماسي متقاعد قائلا: من الممكن أن يكون ما يجمع أحدنا بالآخر، هو الحب. ومن الممكن أن تكون العلاقات التي تربطنا بالشريك، وتدفعنا اليه, هي مجرد عملياتٍ بيولوجيةٍ لا أكثر. تلفت الإنتباه. تخاطب العاطفة.  وتداعب الإستقرار النفسي. تطول زمنيا أو تقصر، وفقا لطبيعة واحتياجات كل طرف فيها.

 

ناشطة اجتماعية وسياسية قالت تكمل ما تفضل به الدبلوماسي: ترتكر كل علاقة حب سويَّة، على الكثير من الإحترام، الثقة، والعطاء دون تمنين أو إنتظار مقابل. إن تلفَّتَم حولَكم، تجدون أن الواقع مثقل بكثير من العلاقات، المؤسسة على مصلحة شخصية. تنتهي بإنتهائها. وإن استمرت بعد ذلك ، تكون فاترة بلا روح.

 

رأيت الجمع ينظر إليَّ، فقلت: ما يجري أمام ألأبواب من تقلباتٍ في العلاقة، ما هو إلا أحد العناوين الفرعية، لما يجري في الخفاء وراءها. مسكوتٌ عنه بالأساس. وللمسكوتِ عنه هُنا، يُفَطٌ وأطرٌ وإدعاءاتٌ كثيرة، تتجاوز نتائجُه وتؤثر متعلقاتُه على طبيعة العلاقة، وعلى الغموض المحيط بمستقبلها. فهو الممهد لإعادة ترتيب العلاقة، طبقاً لإستبداد الميزة الأساس الجاذبة فيها.

 

تابعت مضيفا، إن شراكة سيدة ورجل، مهما كان مسماها ومستواها، بصفة أو مِيزة واحدة، جسدية كانت هذه الصفة، أو عقلية، عاطفية، ثقافية، مالية، سياسية، نضالية، أو فكرية، والبناء على مقتضاها، والإتكاء عليها في كل المعايشات اليومية بينهما، من شأنه أن يُولـِّدَ باللاوعي، آليات تشد كل شئ بينهما، إلى تلك الصفة أو البُعْدِ أو المزية الواحدة. وبسطحية فظة يختزل كل منهما، الشخصية المقابلة بِها. لتصبح تلك الصفة في النهاية، هي العلاقة الناظمة، والهوية التي تربط بينهما. وإعتبار أن ما يهدد تلك الصفة، يهدد كل بِنى العلاقة الحميمة بينهما، ووجودها بالأساس.

 

قالت مضيفتنا: أتفق مع ما تتفضل به. في الإختزال الظالم، يستولد التسلط دهاليزَه، والإستبداد مظالمَه. فيَعمُّ الكثيرُ من الضيق، قبل تلاشي العلاقة او إيداعها العناية الحثيثة. معظم الشركاء الذين لم يُعطوا مُبَكِّرا، الأمر ما يستحقه من فهم وإستيعاب، لتجليات وتبعات الإختزال، أو إستشراف ما يمكن أن يحصل، إذا ما افتقر الشريك لتلك المزية. يلوذون بالقول المُمَوِّهِ، أن مَرَدُّ الأزمة، هو إفتقار الشريك لصلاحيته. ومع أن ما يقترفه المستبد، لا يتم إلا بإيحاء خارجي، نابع من قبول المظلوم، بمعاونة الظالم على جريمة الإختزال. بغض النظرعن إرادته أومصلحتة أو ديمومتها.

 

إشتبك سؤال لصديقين معا وهما يقولان : ما الحل إذن؟

قلت متضاحكا، وأنا أُداعب بشفتي وأنفي فنجال قهوتي: الحب هو المعنى الأجمل في حياتنا، والأصعب طبعا في الوقت نفسه. يؤرقنا مجرد التفكير، في إمكانية نقصانه أو تلاشيه. يستمر وتطول مدة صلاحيته، حين يحميه طرفاه. بالعودة به إلى أيام التوهج الأُوَلْ، وابتكار كل الطرق الممكنة لتنشيطه وإنعاشه.

 

كررتْ التساؤل المضيفة وكثرةٌ من الحضور معا: كيف؟

قلت بتمهل: الحب سيرورة متجددة. تجديدها والرضى الأيجابي بها، مسؤولية مشتركة، يحرص طرفاها على كسر روتينها. هناك مهارات وملكات تعمل على استدامتها، بالسقاية والرعاية والرفادة. وأخرى تُضيِّقُ عليه الخناق حتى يذوي ويتلاشى. خاصة حين يتسرب الى مسامات العلاقة، الكثير من العِنْدِ العابث، والكبرياء الطفولي، والأنانية الممزوجة بجشعٍ في الأخذ، وتعنُّتٍ في العطاء، والإفتقار لقدرات الصبر الجميل، والتفهم والغفران.

 

قال صديقنا النائب : وماذا عن الإختزال؟

قلت وانا اوزع نظراتي بعدل بين الحضور: قد تكون أحاديةُ السمة، مدخلا  لتوسيع وتنويع قاعدة السمات الأُخَر، وزيادةِ وقْعِ أهميتها في ترسيخ العلاقة، وإعادة ترسيم حدود أبعادها. إن تنويع أبعاد أي علاقة بين طرفين، هي بداية الطريق إلى النور. ووعينا المتجدد بإيجابية لواقع حالنا، ومعرفتنا بالخطايا التي نرتكبها والأخطاء التي نكررها، وأنانيتنا التي تمنعنا من التضحية، قد تكون بداية الطريق نحو التغيير إلى الأفضل.

 

دون ان ننسى ان لكل مرحلة عمرية أو إجتماعية أو ثقافية، طبيعة معينة من الحب أو الإنجذاب للآخر. وأن لكل حب إحساس معين واحتياجات أكثر تعيينا. ألحب ليس محطة وصول. و لكنه دافعية عجيبة، في الحياة التي تستحق أن تُعاش. لن ترافقنا إلا بالإستدامة الذكية. ولا تتحقق تلك الإستدامة، إلا بالجهود المشتركة المستمرة، المغذية له بالطاقة الخضراء، لتنفض عنه غبار الإعتياد المُمِلِّ والمُخِل، وتنتشله من الإيقاع الرتيب. يكادُ الحب يا سيدتي، أن يبصر وأن يتبصر، عندما لا نغرقه بكثير من العقلانية الساذجه واللزجه. فلا يمكن الإستمرار بدون كل أنواع الحب، فهو كالفيتامينات تماما. مُبَلْسِم لكل شئ. يا ربة الوجه الصبوح، لا تبخلوا في الحب، إستسقوه بكرم، الجود فيه أقرب إلى تقوى القلوب. ألا توافقوني على أن: عيشةٌ لا حُبَّ فيها، جدولٌ لا ماء فيه.

 

الأردن 12/10/2017