اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

من حوارٍ معها (الجزء السادس والعشرين)// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

من حوارٍ معها (الجزء السادس والعشرين)

الدكتور سمير محمد ايوب

 

لِمَ أحببتها ؟

نعلمُ أنها لم تَسْتَبْقِ لأحد سِواها شيئا. إنْ كانت واحدة مِمَّنْ نَظُنْ، أو كانت هي مَنْ نَظُنْ، قُلْ لَنا ما حَبَّبَكَ بِها يا شيخنا؟ وفي مَنْ حَوْلك الأجملُ والأصغرُ والأكثرُ ثقافةً وحَسَباً ونَسَبا؟ وبكل ما أوتِيَتْ من كُهْنٍ وتضاريسٍ ومواهب ،كررت سُؤْلَها مُلِحَّة ، ولكن بحذر مبالغ فيه: لِمَ لِمَ يا شيخنا؟

 

كنت أنتظر سؤالها. فأجيبها بلا تردد، وأنا أعضعضُ أحرفي: تالله ما كنت بباحثٍ عن حسب أو نسب أو كيس مال أو دفقَ جمالٍ أو أغلِفَةِ كُتبٍ مصفوفة.

 

فتشتُ عنها كثيرا. نبَّشتُ وبَحْبَشْتُ كل المطارح. سرت فوق جمر التَّوْقِ وحيدا. كان الشباب بكل مدنه وقراه، يُعانِدُني ويَمضي، بعيدا في كل مساربه. كنتُ راضٍ وصُبحيَ يرحل. مُبتَسمٌ وعصافيري بلا انشراح، ومساءاتي تَنِزُّ الذبولَ، صمتاً وصقيعا.

 

حين طَلَعَتْ، كنتُ مُحْتَلاًّ بشئٍ من الموت وشئٍ من الرحيل. مختنقا بعصافيرٍ وبصقورٍ لم تَعُدْ تقوى على التحليق. مُكتظا بسفنٍ لا تقوى على الإبحار.

 

وإلتقيتها دافئةً بلا إختيار. نَسَجَتْها الأقدارُ بصبرٍ، من تلاقيح غيمِ العمرِ، ورعدِ سُلطةِ الكُنْ. جاءَتْ فأصلحتْ ورمَّمَتْ، إمرأةٌ كلُّ ما فيها جميل. تُقيم فيها كلُّ النساء. وجهٌ فخمٌ أنيقٌ مثلَ فلقِ الصبح. غير مزدحمٍ بالمُحَسِّناتِ والدهانات والإكسسوارات. تكتفي بالقليلِ من الكُحل، وأحمر الشفاه الهادئ. سَرَتْ في القلب وعَرَجَتْ. أذابَتْ في الروح أُنْسَ الحياةِ ونَشوَتِها. أحبَّها القلبُ. فَلَمْ يُبْصِرْ الكثيرَ مِن تضاريسها الخارجية. أخفيتها في نفسي، خوفآ عليها من الإختطاف أو ألإغتيال. وهي بطبعها مُقِلَّة. فتجاوزت كثيرا محنة الثرثرة عنا..

 

أقمنا متجاورين، في كل المدارج والمعارج والمضارب. وأعدنا ترتيب أولوياتنا. تحدثنا مطولا بقول على قول. ولم ينته لنا قول. رسمنا ولَوَّنا لوحاتِ حياتنا بريشتين. لم أكسر ريشتها، ولم تصادِر ريشتي. عَزَفْتُ بأصابعَ ثابتةٍ، تمايلت مع معارج موسيقايَ، وتَثَنَّتْ ورقَصَتْ، بكل ما أوتيَتْ من نشوة. تهامسنا بمنظوماتِ شفاهنا. معا صرخنا، بلسانٍ وقلبٍ وشفتين. لم يُجَفِّفَها تَصحُّرٌ أو قَحْطٌ أو قَحيطٌ مُفْتَعلٍ، ولم يَخْنُقني إرواءٌ مُفْرِطٌ. مُبْكِراً تَدَجَّنَ القلقُ ثم تَبَدَّدَ. وإستبد اليقينُ بلا ظنونٍ تَخذِلْ، وبِلا ظنونٍ تَظْلِمْ. ومع تَمَدُّدِ السكينة، إتسعت أرحامُنا لِنُطفةِ حلمٍ بِكْر. فإنْتبَذْنا مَكاناً قَصِيّا. تَوَحَّمْنا معا هناك. وقاسينا آلامَ المخاضِ هناك. وهناك هزَزْنا معا ومطولا، جذعَ النخلِ والتينِ والزيتونِ والتوتِ والرمان. 

 

 

بقلبها الجامح إحتلت كل مشاهدي. وإلتمَسَتْ لِيَ الأعذارَ في كل فصولي. تَعشقُ القيامَ بكل تفاصيلِ أدوارها كشريكة. إرتوى قلمي في مضاربِ عينيها فإستكان. بالوصالِ أيقظته من غفوته. ليكتمل مع بوحها الصامت. فتوالدَ لها حرفا طازجا، تلو حرف والف حرف. فلا تأتي أطيافها أو ظلالها، إلا لتمنح حرفي بدايات الحياة من جديد .معها عاد نهر الوقت يتدفق. ويجري جريَ السحاب.

 

قالت متسائلة : لَوْ لَمْ تِكُنْ ؟

سارعت لأقطع عليها التذاكي، فقلت: لأنامَ بهدوءٍ بعيداَ عن ثرثرةِ وِسادتي ووساوسِ الصمتِ ، سأسألُ عنها لتكون.

 

الاردن -2/11/2017

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.