كـتـاب ألموقع

عشوائيات فكرية للتأمل– (الثامنة)// د. سمير محمد ايوب

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

المجموعة: سمير محمد ايوب

تم إنشاءه بتاريخ السبت, 03 شباط/فبراير 2018 19:16

كتب بواسطة: د. سمير محمد ايوب

الزيارات: 1980

الموقع الفرعي للكاتب

عشوائيات فكرية للتأمل– (الثامنة)

د. سمير محمد ايوب

الاردن

أين أجِدُ لي أمَّاً ؟

إني أبحث عن أمٍّ. لي حبيباتٌ كُثْرٌ، ولي أحبةٌ أكثر، في كل أصقاع الأرض، ومن كل الأعمار والأجناس والثقافات، ومن كل ألمنابت والأصول. يُدْخِلونَ الفرحَ إلى قلبي كل لحظة. أحِسُّ بهم. أتنشقهم. أعتز بهم. ومع هذا فأنا منذ رَحَلَتْ، خيرية موسى أيوب أمي، وفاطمة الحرب أيوب عمتي، أحِسُّ باليُتْم حَقّاً . هَرِمْتُ كثيرا بعد رحيلهن . أمتلئ وحدةً مُمِلَّةً بَعْدَهُن.

كلما ضَممتُ وِحدَتي الرمادية، وجالستُ ضَجرَها، من السماواتِ السبعِ، تُمْطِرُ أوجاعي اليانِعَة واليابسة والمُحَنَّطَةِ، بكل ألوان الحزن. ولكل وجع منها، عنوانه ويفطه وهواجسه. وكلما أثقلني ألكتمان، وتاه مني ألرجوع، كالطَّريدِ أقلِّبُ وجهي في السماء وفي الثرى، فلا أجد مُصغِيا قويا أمينا. فتُتأتِأ عباراتي وسط كثرةٍ من الضجيج. بعضُ مَنْ حوليَ وحَوالَيَّ، صُمٌّ أو بُكْمٌ أو عُمْيٌ لا يفقهون. بعضهم منافقٌ . وبعضهم طيب، في قلوبهم أشياءٌ لا تُتَرْجَمُ بحروفٍ ولا حتى بأصوات.

يطيرُ ما تبقى، من شظايا طفولتي، وشغبها ألمُتْعَب، في سماواتِ ألأمومة وحضنها الدفيئ الهادئ، بعيداعن كل العابرين، لتعانق هناك أقمارا ونجوما. وأعيش حلم كل شخص، تتوق روحُه لإمٍّ مَضَت، أو لأبٍ رحَل.

ففي بعض الأحيان، يجب أن نتوقف، ونعيد ترتيب ما بدواخلنا، ونمضي في طُرِقٍ أخَرٍ. فِي بلادي, يَكتبُ الكثيرونَ عِن حبِ الوالدين, ويقرأ الجَميع كثيرا عن حب الوالدين, لَكن حب البعض لوالديهم، كالجريمة او كالفضيحة، لا يرتكبوه إلا سِرّا.

إن يَكُنْ في سمائِكَ سُحُبٌ رماديةٌ لا تُمْطِر، مُثقلٌ قلبك بِحبٍّ ليس كمثله شئ، يكفي لنبض متزن وهادئ وعاقل، أنصحك لتزهر أوجاعك فَرَحا، قبل أن تضيع منك الكلمات البينات، رتب لسانك. ولترتوي من غدير الشوق مُقلتيك، احضن بين خطوط كفيك، تلك التجاعيد حول عيني والديك. وإقرأ هناك بإسم من خلق، كل كلمات العشق وأطيافه. غازلهما أيها المجنون، ففي خجلهما أو تعففهما، عذرٌ فلا تُعاند. هناك الجِنانُ، بين الوجدان وسط القلب، إلجأ اليها، وإسترخي، وإحلم بعالم نقي تقي طاهر، تمتلكه وحدك. أطِلِ النظر بإبتساماتٍ بطعم الخجل، لغزلِ مُحيَّاهُم . أشعِل والديتهم بين أضلعهم، وفوق ألسنتهم ،  وبين أصابعهم.

في ممرات الحياة، هناك عثراتٌ تُعطينا درسا، وعثراتٌ تأخذ منا فرحا. وبعض الفرح يعطينا أملا. الفرح ضيف عزيز. لا يمر كثيرا في بلادنا. إذا كانت مشاعرك دافئة إفرح، ولا تخشى برودة الأجواء. على الآقل كن طفلا لأجل والديك. فالوالدان لا يسعدهما ، إلا ألإحساس بأبناءهم ، أطفالا وإن شاخوا.

الأردن – 28/1/2018

• < السابق
• التالي >