كـتـاب ألموقع

في البدءِ كُنْتُمْ// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

في البدءِ كُنْتُمْ

الدكتور سمير محمد ايوب

الاردن

 

الحياةُ سيروراتٌ مُتدفقة . ما دُمتَ طازَجاً في معارجها ، سَتُواجَه بكثرةٍ من الأشياء التي لا تُمْسَحُ ولا تُنْسى . تُغَيِّرُ نظراتك وتوجهاتك فيها . أبرزها مُراوغاتُ القلب .

 

النابضُ مِنَ القلوب ، وإن كان نبعاً نبيلا للأمل واللهفة ، في طرفة عين ، وعلى حين غرة ، قد يُعاجِلُك بِتَلَذُّذٍ سادي ، بمناكفاتٍ لا حصرَ لها . أقساها صمتٌ كصمتِ القبور . ليتحول بلا سابق إنذار ، إلى صانع أراملٍ ومُنتجٍ لليتامى .

 

إعتدنا مع القلوب ، معرفة أول علاقاتنا بها ، دون أن ندرك الكثير من نهاياتها . هي بحورٌ ممتدة أمامنا . ثريةٌ بالغموض والمفاجآت . نُقاربُ شطآنَها بأقدامٍ ثابتة . وعلى مد البصر ، أعماقٌ غامضةٌ تُخفي الكثيرَ من الدُّرَرِ ، ومِنْ صناديق سوداء .

 

القلبُ نَصيبٌ مُلْتَبِسٌ ، يأخذنا في كل إتجاه . ولكن الإحتفاظَ به سليما معافى ، قرار سيادي لنا بإمتياز . وأنا ، ممن لهم قلبٌ لا يُحسِنُ الإخفاءَ أوِ الكتمان . أدعي أنني مُبكرا عَشقته ، ونثرتُ كِنانَتَهُ بينَ يَدَيَّ . وعَجَمْتُ عيدانها . فوجدتُ أنَّ لِلمزاجيةِ أثقالٌ مُعَلَّقَةٌ في شرايينه . تقرع كأجراسِ عروسِ المدائن ، قدس الأقداس .

 

للإحتفاظ به وِفْقَ مَنظومةِ النِديَّةِ ، حاولتُ بالتراضي تَدْجينَه ، والتحكم في مواسم تفلتاته ، ألتي تخترقني بين الفينة والأخرى . أبى إلا أن يختصر رفقته معي ، بالبقاء عضلةً مُناكِفَة ، لا تصلح إلا للضخ المُتَّصِلِ ، وشبكةَ رَيٍّ وسائلا أحمر . حاول كالفرس العنود ، ان يُغرِقَني بمكابداتٍ متجددةٍ  . علَّني أقبلُ التعودَ على حراكاته ، كلما دقَّ كوزي بِجَرَّتِه . تيقنتُ أنه لم يعد يطيق معي صبرا . وقد يقررُ هجري هجرا جميلا ، أو حتى غيرَ جميل .

 

كَكُلِّ يوسفي ومِرْيَمِيَة ٍ، قررتُ منذ سنين خَلَتْ ، أن أهمسَ له : هِيتَ لكَ يا شيخَ الشباب . فإني أعوذُ بالرحمنِ مِنكَ إنْ كُنتَ تَقيا . ولأنكَ نصيبي من القلوب سأروضك .  لِتَتبعَ مِلَّةَ إرادتي ، كعبَّادِ الشمس صاغِرا . لا تزرعِ الشوكَ في مضاميري ، فانا حافيا أسري فيها .

 

ولكن هذا المراوغ الشموص ،  سرعان ما إمتطى هو الآخر، صهوة ألفِ سببٍ وسبب ، ولبسَ ألف قناعٍ ، وتَمَرَّدَ . كنتُ أعلمُ أن المعركةَ معه ، مُنْهِكَةٌ غيرَ مُتعادِلة . ومع هذا ، كان لا بدَّ مِن تفعيلِ سطوة قراري ، لإستعادة هيبة وقاري معه . فقررت دون وجَلٍ أو تخاذلٍ ، كلما كانت هناك ضرورة وقَّلَّتِ البدائل ، الوقوفَ في وجهه ، وعدم تفادي الإرتطام به . أضأتُ شموعَهُ بسخاءٍ من الجِهَتين ، ورفضتُ عروجَ رأسي إلى وسائده .

 

لأكسب المعركة معه ولو بالنقاط ، إستعنت بحسن ظني بالله . وإستدرجته قبل أن يُفارِقَني ، إلى طاولة الجراحة ، في رحابِ مركز القلب ، في المدينة الطبية في عمان . وأمضيتُ ألأسبوع الفائت ( 15- 22نيسان 2018) برفقته هناك . بجراحتين دقيقتين برعَ فيها النطاسي العربي الأردني المستشار الدكتور محمد الهولي وفريقه الرائع  ، وعناية حثيثة ملائكية ، ترتيب أوجاعه وفوضاه ، قبل أن تتحول تفلتاته ، إلى نسخة مُحدَثَةٍ من ربيعٍ عربي مدسوس ومارق .

 

بفضل دعواتكم الطيبة  أيها الأحبة ، أكرمني الشافي المعافي سبحانه ، بشفاء عاجل . فاستكان المراوغ وأطاع ، بارَّاً بي ، دونَ أُفٍّ أو شبهةَ عُقوق .

 

أضأتُمْ في ظلام أوجاعي ، شموعا للنصر على تلكؤ هذا المراوغ الجميل  . ونَحَتُّمْ مشاعرَ إستثنائيةِ النُّبْلِ في أعماقي . مَنَحني دِفؤُها أمانا . أسهم كثيرا في نسج عزمٍ ودعمٍ لا يُقْهَرْ ، ولا يُمْحى إن شاء الله .

 

لي الفخرُ بِحُب كلٍّ مِنكم . لي الشرفُ بصحبةِ كلِّ قامةٍ فيكم  . فأنا أعجزُ من أن أقولَ ما يوفيكم حقكم ، من العرفانِ والشكرِ والإحترام . ليحفظكم الله ، كما تحبون ، ومع كل من تحبون .

 

الأردن – 23/4/2018