اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

حَواف وقِيعانِ الفَناجيل- الجزء الأول// د. سمير ايوب

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

حَواف وقِيعانِ الفَناجيل- الجزء الأول

د. سمير ايوب

الاردن

 

في المرأة وفلسفة القهوة

مع زقزقة أول عصفورٍ مُبَكِّرٍ، إتَّصَلَتْ، وقالت مُباغِتَةً كَسَلي في الفراش : ماذا لو كُنْتَ بعد قليلٍ بِرِفقتي تَحْتسي قهوتك ، وأنا أمامك أشرب الشاي الأخضر بالنعناع؟!

قلت على عجل : أي صَباحٍ خُرافِيٍّ سيكون ساعتها !

قالت فَرِحَةً : إذن سارِع إلى هناك بلباسِ الهَرْولة ، فرفاقنا من العصافير تنتظر مبكرا هناك.

 

كانت تعلم ، أنني مختبئ في حضن الصمت. مُحْتَمٍ بفناجين قهوتي، هربا من الهواجس. فمنذ أيام لم نتهاتف. بفطرتها تدرك حاجتي للثرثرة، عن بعض ما يقلقني. وكانت تعلم ، انني لا أُبقي مع فناجيلي إلا قلبي . لأني اعتدت وانا احدق في قهوتي ، ان أُبقِيَ جِهاتي كلها ، بلا أسوارٍ وبلا مَصَدّات.

 

من البعيد البعيد، أجمل من الياسمين جاءت، مرتبكة على غير عادتها . عطرها الجوري يعلن على إستحياءٍ وصولها . بَسْمَلَتْ عيونُنا بعناقٍ مَسكوتٍ غيرَ مَنطوق. مَدَدْتُ أصابعي وأنا أنهض قافزاً، لِمعانَقَةِ كَفَّيْها وأصابعها العشر الباسقة، المشذبة المهذبة ، كأصلبع عازفة بيانو محترفة . كانت أجمل من الياسمين، وأرق من الورد، بكل تنويعاته. من أجمل ما رأيت من نساء. براءةٌ في ملامِحِ الوجه. بَحَّةٌ مُحببةٌ في الصوت . قلبها حنون. جميلةُ الروح بلا تكلف . رائعةٌ بعفويتها.

 

كنت هاربا من هواجسي، مُحتمياً بفنجالي حين وصَلَتْ. عبر بوابات حوافه، كنت أُهَرِّبُ شيئا من بوحي، خلال تشكيلاتِ سطح القهوة الغائم، وأديرُ حوارا مع قيعانه . فهذا ما اعتادته فناجيلي. جُلُّها كان صبوراً معي . وبعضها كان أحمقا.

 

جَلَسَتْ، وقبل أن اعاوِدَ الهبوطَ على سطح الصخرة التي كنت اجالسها قبل ان تصل، بادَرَتْ من فَوْرِها ، نَثْرَ الكثيرِ من فُتاتِ الخبزِ الطري، أمام ما تجمع قبالتها، من قبائل وعشائرالعصافير، التي سارعت مرحبة بمقدمها، كما اعتادت كلما جمعتنا تلك الصخرة، صُبْحاً او مساء. وسارعت تقول، وهي تتابع نثر فتات الخبز : كنت أرقبك لدقائق قبل ان اصل إليك. تُمْسك بفنجالك بكل ما أوتيت من حواسٍ وأصابع وشفاه وخيال. تلتهم وليمة قهوتك كطفل جائع . ما بك يا صديقي؟

 

قلت مُتباطِئاَ عن عمد، محدقا في عينيها المشاكستين: يضحكني فنجان قهوتي حين يصحو ثملا في الصباح. يتقافز كالحنين على حواف الحب. مُترقبا كعاشقة، إطلالة شفتاي ليرتشف قُبلتي، في عناق حميم، يغشاه بخار القهوة ، وكثير من غوايات عبقها، الذي يتسلل الى خياشيمي، موجا يعانق موجا. فأغرق في تراتيل حكاويه ، وأنا اقرأ كف فنجالي بشفتين حييتين. وأعَلِّقُ شيئا من اسراري، اسيرة خلف قضبان تلك القراءة.

 

قالت باتسامة متخابثة، وهي تبادلني تحديقا في تحديق: أقيعان فناجيلك مَقابرٌ لِجُثثٍ هَمَدَتْ؟ أَم غوطاتُ إيماءاتٍ ، بحاجة لبستنجي ماهر يشذبها ويهذبها ؟ أم وطنٌ يَصِحُّ فيه إلأجتهادُ تأويلاً وقِياسا؟!

قلت وانا اظن أنني أدرك شيئا من مراميها : نعم يا سيدتي هي كل ما تفضلت به معا . على السطح أُطَرِّزُ مَعالم بوحٍ مُرْتَبك. وبعد أن يغتسل بعبق القهوة، يجري إلى مُسْتَقَرٍّ له في القيعان. لعل قلق البوح ، يتقطع هناك ، ويتمزق بالوقت الصامت، إربا إربا.

 

إعتدَلَتْ في جلستها على الصخرة المواجهة لنوارس البحر ، حيث كنا قد أعددنا على نار هادئة شاياً لَها، وإزْدَدتُ قهوة. أعادت ترتيب تضاريسها . ثم أمعنَتِ التحديقَ في نوارسٍ، تُشاغِبُ بعض الموج وتُسابقه . جَذَبَتْ نَفَساً عميقا، لأخفاءِ قلقٍ مُتناثِرٍ حول حواف كوب الشاي ، الذي تحتضنه كَفَّاها، بِقسوةٍ تكاد تحطم اضلعه، بين اصابعها المطبقة عليه بقوة. وتساءَلَتْ بضجيجٍ رَخمٍ مُتعجبة: أتثق كثيرا بقدرة فناجيلك ، على كتمان أسرارك ، وحفظ أمنها وأمانها ؟ أتأمن القيعان على هواجسك ، وما تُقَطِّرُ فيها من تفاصيلِ أزمانِك؟

 

قبل ان تَمُرَّ تفاصيلُ إجابتي بين شفتي المزمومتين كصفارةِ كشاف ، وضَعَتْ كاسةَ الشاي جانباً ، وجَمَعَتْ أصابعَها بين أصابِعِها ، وقررت ان يتوقف حِوارُنا شيئاً من الوقت ، كُرمى لشئٍ من الهَرْوَلَة ، على رملٍ ناعمٍ بلا حصى ، يُسابق بنظافته خُطانا.

للحديث بقية ....

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.