كـتـاب ألموقع

عشوائيات فكرية للتأمل (الثانية عشرة)// د. سمير محمد أيوب

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

المجموعة: سمير محمد ايوب

تم إنشاءه بتاريخ السبت, 05 أيار 2018 19:44

كتب بواسطة: د. سمير محمد أيوب

الزيارات: 2826

الموقع الفرعي للكاتب

عشوائيات فكرية للتأمل (الثانية عشرة)

الدكتور سمير محمد أيوب

الاردن

المراةُ الظالمة !!!

إلتقيته ذات مساء، في الردهة الخارجية لمسرح قصر الثقافة في عمان. أمسكَ بساعدي الأيمن، وإنتبذنا مكانا قصيا، نحتسي فيه قهوتنا على مهل ، قبل بدء فعاليات الأمسية.

ما أن أشعل أولى لفافاته، ونفث الكثير من دخانها الآبيض، تفحص عينيَّ مبتسما وهو يقول: قرأتُ لك منذ أيامٍ مقالة، حول الشريك بين التغيير والإحتواء. أثار الكثير من شجني. من وحي ما كَتبتَ فيه، أسألك مهموما يا صديقي: ألا تَتَنَكَّرَ بعض النساء للعشير وتَجْحَدْ؟ ألا تَظْلِمُ المرأةُ؟

أعرف عُلُوَّ رتبته العسكرية. عمل مُطولا في التحقيقات الأمنية، قبلَ أن يُحال على التقاعد، ولم يلامس الستين من عمره. فعاجلته بلا مقدمات كعادة المحققين: ليس حتما يا سيدي، وليس دائما، ولا بالمطلق. ولكنها كإنسان ، تظلم طبعا، بل وتُمْعِنُ في الظُّلم أحيانا.

قال وهو يُكمِلُ نفثَ دخان لفافته، من منخرية ومن بين شفتيه: أهو الطبع فيها؟

قلتُ: لا ليس طبعا فيها ، بل تطبع بالضرورة. إن جَهُلَتْ، أو ظُلِمَتْ بِوجعٍ غير مشروع، أو ضُلِّلَت بما لا يليق بها، أو ظَنَّتْ بإثْمٍ، أو طافَ  بها ظلالُ شكِّ الوسواس الخناس. تَعَقُّ حينها وتَلْسَعْ أيضا.

قال مستغربا وهو يرفع قهوته إلى شفتيه: حتى وإن كانت عاشقةً رقيقةً؟

وظلال إبتسامة مُناكفة تحتل وجهي، قلت: نعم، وعلى الأخص إن كانت تظن أنها عاشقة.

إحتضن رأسه بين كفيه. وبنبرة مثقلة بمرارةٍ واضحةِ المعالم ، قال: كنتُ أظنها الخديجة، قانعةً راضيةً مُترفعة!!!

قلتُ لأخفف بعضا من روعه: في كل إمراةٍ يا صديقي، شيء من عائشة ، وشئ من الخديجه معا. وفي كل إمرأة ككل رجل، شيء من عشائر وفلول الأبالسة. ولكن، لا تنسَ أن في القلوبِ الرصينةِ منهن، حبٌّ فوقَ الحواس. كثيرا ما يختبئ في تلافيفه، بعضُ المعلنِ مِنْ مشاعرِ كل إمرأة مطمئنة. حين تألم، بصمت، تشهق عيناها قطرة قطرة. تُنازِعُ شفتاها طويلا بلا نَكَدٍ. ولكن، لا تموت نفس صاحبته، تبقى مُفعمة بحياة رمادية، نابضة بتفاؤل مسكوت عنه.

مع إخفاق المتعسفين، وفي ظل تدافع التعارضات  والإرتطامات وتغالبها، يبدو التخلّص من الظلم ، ضربا من الوهم. فتتغيا المشاعر الممزقة، إستباحة الممنوع. وتوجيه مسارات العلاقة، في سقوط طويل عبر دهاليز ظلم، متعدد المشاهد، متداخل الألوان ومتكاثر النغمات.

قبض على يدي اليسرى، وهو يناول اليمنى فنجال قهوتي التي لم تعد ساخنة، وقال متأففا: ولكني بدأت تاريخي معها ممتلئا بها، وما زلت على قيدها، وعلى تماس مع وهم إسمه الحب. كل شيء يذكرني الآن، بكل شيء كان بيننا. صدَّقْتُ أكذوبة أن وراء كل رجل عظيم إمرأة. وتابع مطأطئا رأسه: لو كنت أعرف أنه وَهْمٌ مُفْرِطٌ ، ما كنتُ بَدأت.

مُحاوِلا التخفيفَ  مِنْ وجعه، قاطعته قائلا: دعني أذَكِّرَك أن المرأةَ كونٌ، لا يَصِحُّ الإقتراب كثيرا من ملاعبه، ولا الإبتعاد مطولا عنها . إنها كَونٌ مُتكامل، له روحٌ متحركة ولغةٌ مُتَمردةٌ، بحاجة لمن يُفَكِّك ألغازَها . والحصيف من الرجال يعلم علم اليقين، وحق اليقين وعين اليقين ، أنها تستعصي على التهجأة في أغلب الأحيان. 

ولا تنسى ولو للحظة ، أنك مرآة قلب شريكتك. وإلا كيف ستفهم، أن وراء كل أنثى حزينة أو باكية أو سعيدة، رجل. ورجل وراء كل أنثى تلجأ للتجميل ، ورجل آخر ، وراء كل أنثى مهملة لنفسها.

الأردن – 4/5/2018

• < السابق
• التالي >