كـتـاب ألموقع

ثرثرةٌ في الحب (3) – المُنْجِياتُ// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

لقراءة مواضيع اخرى للكاتب, اضغط هنا

ثرثرةٌ في الحب (3) – المُنْجِياتُ

عشوائياتٌ فكريةٌ لِلتأمل

د. سمير محمد أيوب

 

بعد صلاة المغرب، ونحن عائدون إلى موقعنا في صحن الجامع،  قال ضيفي الدكتور وهو يتنهد حزنا: خسارة، لست بخير. لَيْليَ أمَضُّ من نهاري. يَحتله صقيعٌ صامتٌ كطنينِ الدبابير. يا شيخي، خَلفَ صمتيَ المُتوالدِ بالتَّشظّي، روحٌ كرِهَتِ الحديث.

 

بعد أن إتَّخَذنا مواقِعَنا جلوساً، أجبته وكأني أتابعُ ما كُنّا قد توقفنا عنده من ثرثرة، قبل صلاة المغرب: أكادُ أخَمِّنُ يا سيدي. فكثيرٌ مما في القلب من خيبات وخسارات، في العادة لا يُقال. لذا خلقَ الله للغارِمينَ الكثيرَ من المُعينات، كالتنهيدة والدموعِ، ألتناوم الطويل، ألإبتسامة الباردة، رجفة اليدين، قضم الأظافر والصمت. ولكن، من الأفضل لك أن تعلم، أنَّ أشد أنواعِ الخسارة، هي أن يكون الحب جنةً، عرضها السماوات والأرض، ولا مكان لك فيها. مُكتفِياً بالتسكع على أرصفة الكَيْفَما كان من المشاعر، والشَّلْفَقَةِ فيها وبِها. ذاكَ التَّسَكُّعُ وتلك الشَّلفقةُ، لا يجعلان منك، منفردين أو مجتمعين، شريكا في حب كامل الدسم.

 

سألني وهو يسند خدَّهُ بِكفِّه المنبسط : إذن كيف أسْعَدُ بِحُبي؟

عاجلته قائلا : حين تُسعدُ من يُحِبُّك .

فعاودَ السؤال بلا صبرٍ مُتلهِّفاً: كيف؟! وأكمل بصوت يشوبه رجاء، ليتك تُعَلِّمُني كيف أسْعَدُ وكيف أُسْعِدُ.

 

قلتُ بِتمَهُّلٍ وأنا أخاطب عقله، عبر عينية المشرعتين: لتليقَ بأيِّ عيشٍ مشترك، إفصل الساكنَ منَ الحبِّ، عن المُبدِعِ المُنْتِجِ لحياةٍ طازجة. فمُتَعُ الأحلامِ ليست نفسها في السياقين. وسط تزاحم العلاقات، لا تَزُجَّ بالحب في سجون التوقُّع الساذَج. الأسقفُ المرتفعة ، تُضَيّقُ الخناق عليه. ولا تُحاصِرْهُ بالتجفيفِ الغبي، أو تَخنقْه بالريِّ المُفْرِط. إنصفهُ بالتعرف على مضامينه وإحتياجاته ومُتَرَتِّباته. وإعلم أن النضج في إشباعها وفي إروائها مسؤولية تبادلية. لا تتسع لأيِّ إمتياز فردي حصري لأحد.

 

وتذكر، أن في الحب الحقيقي أكثر من الجسد. يرصد ألسويُّ من الحب، كلَّ التضاريس الداخلية والخارجية. ويمر بالجسدي منها مرورَ الإتِّزان. ويُمْعن في كشفِ خبايا النفس، ولا يكتفي بمشاعر الفطرة وغرائزها.

 

لتكونَ قادرا على العيش حياة متكاملة، عليك أن تكون نفسك والآخر. إحفر في أعماقك، وفي أحلام الشريك ومخاوفه وظنونه. ساعتها تستمد حياتُكما مضامينَها من قولٍ بَيِّنٍ ، وشرعيتها اليومية من الفعل الطازج. حين تُبحرا في لججها، ستكتشفان أنَّ نُبْلَ مُتَعِها يَفوقُ، كلَّ قولٍ وكلَّ فِعلٍ. ستدخلان في إكتشافاتٍ، تُحرّكُ مشاعرَكُما، ومعادلاتِ عقولكما، وجنون جسد كلٍّ منكما. وستصلون إلى أماكنَ وممراتٍ وطقوسٍ، ما كنتما تجرُؤان على الحلم بها. وهذا هو ما يرقى بحبٍّ عن حب. ويميِّزُ عاشقاً عن عاشق.

 

قال وظلُّ إبتسامة تُغالِبُ قلقَ عينيه: كيف أشدُّ عَصَبَ الحبِّ إن تراخى؟

 

قلتُ: يجوسُ في الحبِّ حقولُ ألغام. وتتربص به فِخاخُ الأغبياء. لتبقى حيَّاً  فيه، مُنتصبَ القامة تمشي مَلَكاً، تحسَّسَ مَوْطِأ قدمك، وإضبط مواقيتَ خُطاك. فالمسافةُ بين الموتِ في الحبِّ والحياةِ  فيه،  تكادُ أن تكون في بعض الأحيانِ، صِفْراً أو أقَلُّ.

 

لِيستقيمَ حبُّك كما يَجِبْ، لا كما تَرْغَبْ، عليكَ بحزمةِ أسبابٍ يسند بعضها بعضا. فكلَّما تكاثرَ المُشتركُ مِنها، وتقاطعت في حياضه السرائرُ والدروب، يترسخ الحبُّ ولا يبقى عابرَ سبيل. ويتأنَّقُ كل نامٍ فيه . أو يبنى عليه بِتأنٍّ. ويَتَحصَّنُ ضد الكثير من عاديات الزمن.

 

إجعل لحبِّكَ خبيئةً وسريرةً من الإهتمامات، لا يعلمها إلا أنتما . فكما أنَّ ذنوبَ الجهلِ والإهمال مُهلكاتٌ للحب، فأنَّ حسناتُ العلمِ ومهاراتُ الإهتمامِ مُنجياتٌ فيه. ألإهتمام رسائلُ مُتبادلةٌ، يقتلها عدمُ الرد. فإذا أُعْطِيتَ حاجتُك مُتقنَةً، إفرح. وإن لم تُعْطَ إياها كما تشتهي، إفرح أكثر . لأنَّ الأولى عنوانُ وصول، والثانيةُ كشفٌ عاجلٌ، للممراجعةِ والتصويبِ الأعجل.

 

وأكملت مُمازحا، جُعنا يا رجل، قبل أن نكمل ثرثرتنا عن الإهتمام بكل عناوينه، هيا بنا نبحث لنا عن عشاء، يليق بهذا الجوع الأخاذ.

 

الأردن – 18/7/2018