اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثرة في الحب (5) – ألتغاضب الأنيق// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 د. سمير محمد أيوب

 

لقراءة مواضيع اخرى للكاتب, اضغط هنا

ثرثرة في الحب (5) – ألتغاضب الأنيق

عشوائيات فكرية للتأمل

د. سمير محمد أيوب

 

ونحن نغادر بوابة المطعم، قبل أن نصعد في السيارات، إنشغل صديقي بالرد على هاتفه. ما أن إنتهت مكالمته، بان عليه فرح طفولي بَيِّنٌ, إثرها، تمنى علينا وعيناه تومض بريقا قوَّالاً، أن نرافقه في سيارته، ألسيدة وولداها وأنا. لنذهب سوية إلى بيته. فهناك كما قال، تنتظرنا مفاجأة جميلة. في الطريق أخبرتني السيدة أنها كانت لأكثر من عام، تلميذتي في الجامعة. وصلنا بعد نصف ساعة دارة مضيفنا. كان المدخل ألأنيق مُشرَعاً لنا. يؤطِّرُ زرافةً بارعةَ الجمال، بكامل أنوثتها وأناقتها، طازجةً في ليلة زفافها، في انتظارنا هاشة باشة مرحبة، بصوت عذب رخيم: أهلا بضيوفنا، زوجي وأنا. سرعان ما تعارفنا وتضاحكنا وتآلفنا. ومع أول فنجال قهوة، وقبل أن نفيق من الدهشة أو نسأل، داهم عَيْنا مضيفتنا جدية جميله، وإكتست صفحات وجهها بإبتسامة عذبة وهي تستأذن قائلة:

 

لا أعرف وصف شعوري. لا أحسن الدفاع عن نفسي. فشلت أنوثتي في أن تهدي زواجنا، أبوة وأمومة طالما تمنيتها وزوجي. وعملنا بصبر على تحقيقها. وفي لُجج الفشل والحزن، نسيتُ أن الله يدبر كل شئ. يئستُ وإزداد قلقي أكثر مما ينبغي. أيقظ الفشل الأنثى الأخرى في داخلي. وسرعان ما إغتالت وساوس تلك الشريرة شيئا من زواجنا. وإعتقلت حبنا واخفته في غياهب الشك والظنون. فتخلّيْت وهَجَرْتُ ومن ثم هاجرت.

 

هَجْري وهِجْرَتي، كانا تعبيرين غير دقيقين ولا صحيحين، عن تلك اللحظه ألتي ظننت فيها، أنني أقف على آخر خطوة للحميمية مع زوجي، وأول خطوة في طريق موت المشترك بيننا. وأن المحصلة في نهاية الأمر بيننا، لن تساوي إلا صفرا.

 

علَّمَني طفليَ الفقيد، معنى الرحيل الأحول. وأن حزن الرحيل كالحنين، ضيف لا يحترم المواعيد. ولطالما هزني حنين حزين إلى حبيبي وزوجي وبيتي. فقررت أن أصنع لنفسي واقعا جميلا، لا يستسقي جماله من وهم. فأنا ممن يدركون أن من يؤمن بنفسه لن يُهزَم، وأن حب الذات ليس أنانية بل أهمية. وعندما ترتضي بما منحك الله، يصبح تحقق حلم أو تأخر آخر أو حتى غيابه من حياتك، لا يضر.

 

من جمال الحياة أنَّ الله، بين الحين والآخر، يبعث في طريقك ما يوقظك أو من يوقظك. وأنت الذي تظن أنك بثقافة المعرفة، مستيقظٌ دائما. تابعتُ عن قربٍ ثرثراتكم ، منذ أولى عتباتها. وبِتُّ أترقبها بإهتمام بالغ. فأدركت أن جُلَّ حزني نابع من عوالم بعيدة عن الواقع. فندمت على أني هَجرتُ. آلمت زوجي وهو لا يستحق إلا كلَّ خير. كم تمنيتُ من يُصلح ما بيننا. غيابه من حياتنا ليس كبقاءه فيها . هناك فرق شاسع.

 

لأنهض من جديد، عليَّ أن أتوقف عن البكاء وندب حظي لما حدث، عليَّ أن أتخطى أوهام حلم لم يتحقق وقد لا يتحقق. عوَّدتُ نفسي على خسارة أمل تَنكَّر لزوجي ولي. أرْهَقْتُ الحياةَ صبراً، ولم لأعتَدِ الوحدة. صادقتُ نفسي فلم أنجح. شعرتُ بالضيق. فأدركت أن وقت الدعاء قد حان. فلجأتُ إلى رفيق من لا رفيقَ له. ناجيته: يا سريعَ الرِّضا، إسقِ قلبيَ فَرَحاً، ولا تُؤجِّل أفراحي. خُذْ بِيَدي وآتِنا من فضلك، فنحن إلى فضلك راغبون.

 

ربي، إني موقنة، بأنك قد جعلت لكل شئ سببا. لِذا فلن أتوقف عن حلمي، وإن إبتعد كل يوم إلى المستحيل. أصِرُّ على التفاؤل. قد تتأخر عطاياك، ويضيق صدري، وينسحب شئ من سعادتي. لكن، رحمتك آتية لا محالة. حتما ستأتي بألف طريقة وألف لون.

 

قبل ساعتين، أمرني هاتفٌ أن أتصل بزوجي. فأتَّصَلْتُ، وعلمت ترتيبكم. فرجوته أن تكوني ضيوفنا الليلة هنا. أكرر ترحيبي بكم وأعلن فرحي معكم.

 

أمسك صديقي بيديِّ زوجته. نظرَ في عينيها مطوَّلا، وهو يقول لها: وأنا ألاحق غيطانَ حنيني لك، كان كبريائي يُرهقني وجعا صامتا، فأبْعِدُ عينيَّ وأصابعي عن رقم جوالك. فأشعر أنني بحاجة إلى دفء يَدِك، فتسارع يدي لِتُمْسِكَ بيدك. وتحتضنها على الفور.

 

فقاطَعْتُهُ وسألتَه فَرِحا بما أرى وبما أسمع: ألا تَخَفْ من الإرتباط بإمرأة قوية كهذه السيدة الجميلة الآنيقة؟.

 

أجاب بمثلِ فَرَحي: مَنْ حَمَلَ غضبُها وحزنُها أخلاق ورضا حُبِّها. لا أخشى الخضوعَ لكلِّ ما يربطنا. ولا أخجل من الركوع والخشوع، لنبيل مشاعرنا. في معارج الحياة، هي جيشي الرئيس على اليابسة.

 

وأنا أمسك بيد تلميذتي لنغادر، قلت لهما قبل أن نصل عتبة البيت، ودون أن ندير وجوهنا عن أعينهما: على بركة الله، ستعودان أفضل مما كنتما، وسنلاحق بقلوبنا أخباركما.

 

الاردن – 25/7/2018

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.