اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثرة في الحب (7) - هالات التقديس// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 لقراءة مواضيع اخرى للكاتب, اضغط هنا

ثرثرة في الحب (7) - هالات التقديس

عشوائيات فكرية للتأمل

د. سمير محمد أيوب

 

كان ضوء الشمس قد تبعثر مُنْسحِباً، أمام شفقٍ أحمرٍمشوبٍ ببياض، حين دعتنا مُضيفتنا، إلى تناول العشاء داخل البيت.

 

رافقتنا في جولةٍ مُتمهِّلَةٍ، عبر ممراتٍ بديعة التنسيق. يغمرها بوحُ الياسمين. وَطِئْنا عتباتَ البيت، والشفقُ يُخلي السبيلَ أمام تَسَلُّلٍ سلسٍ لِطلائع الغَسَق.

 

صالة الطعام بغدادية بإمتياز. تشي بالكثير من حضارة الرافدين. أناقتها جذبت أبصارنا. نافس عبق الأطباق فوق المائدة، أناقة الصالة. ما أبصرناه منسقا أمامنا، ذكَّرنا بأن ثراء عراقنا الحبيب وتميزه، لا يتوقف على تنوع ثقافاته التاريخية والإيمانية والإجتماعية ، بل ممتدا في كل الآفاق الحياتية، منها أناقة البيوت وفنون المطبخ.

 

إتسع كرم مُضيفتنا، للكثير مما إشتهر به العراق من أكلات تقليدية شهية المذاق. إختارت أصنافا تقاس بها مهارة المراة في مطبخها: الدولمة، الدليمة، الباجه (بالجيم المضخمة)، العروق والكبة الموصلية، تشريب اللحم وكص اللحم، تبسي الباذنجان .بالإضافة لباقة من المقبلات والسلاطات.

 

أُجْلِسْتُ على رأس الطاولة، وعن يمينها جلس الطبيبان، وعن يسارها الشاعران السودانيان. قبل أن تأخذ ربة البيت مقعدها قبالتي، لامس أسماعنا صوت الربابة والمقامات العراقية.

 

ضاعف لذة الطعام، ما رافقه من تقاسيم ناظم الغزالي: قل لي يا حلو منين الله جابك، خايف عليها، تلفان بيها. وتناهيد لميعة توفيق، ومواويل حاتم العراقي والقيصر، وأحلام وهبي.

 

حماية لنا من الَّلسعِ الناعم لنسائم أوَّل الليل، إنتقلت بنا مضيفتنا بعد العشاء مباشرة، إلى صالة داخلية تُطل على أنوار ممتدة من البحر الميت، الى مشارف القدس. أفاضت علينا هناك، بالكثير من بدر الحلويات العراقية، مَنُّ السماء والزلابية والتمور المحشية باللوز.

 

مع إطلالة إستكانات الشاي، إقتَرَحَتْ مُضيفتنا أن نُتابع ثرثرتنا. فسألت وهي تُناول الشاي لضيوفها: هل الحب يا شيخنا حقلُ ألغام، فيه مناطق محظورة، يُمنَع على أهله، ألإقتراب منها بالنقد؟ ثابتٌ كالقدر ، غير قابلٍ للتغيير أو للتعديل؟

 

قلتُ بعد أن امسكتُ بكلتي كفيَّ إستكانة الشاي: الظَّنُ يا سادة، بأن المحبين ملائكةٌ، إثمٌ أكبر من الكذب. المحبون بشرٌ. منهم السويُّ ومنهم الأقلّ سَوِيَّةً. لتهتدوا، لا ترفعوا بعضكم إلى مراتب المقدَّسِ، حيث لا شوائب أو نقائص أو إعوجاج بحاجة إلى تقويم.

 

حين يحب القلبُ قلبا آخر، تنمو في الصدر مدينة صغيرة. ألشريك مشكاتها. وتَضعفُ قدرةُ العين وملكات العقل، على إبصار العيوب. ويغدو القلب هو المبصر الوحيد . يرى ويحسن الظن ويثق.

 

كي لا تُلْغوا قدرتكم وحقكم في التفكير وفي الفهم، لا تحبسوا قلوبكم وعقولكم، في صناديق الحب. ولا تعتقلوا أنفسكم في مستويات لا يحق لكم فيها، إبداء ملاحظة مُصَحِّحَةٍ أو ناقدَةٍ أو مُعْتَرِضَةٍ. ولا تكبِّلوا أرواحكم بالتَّهَيُّبِ المُلغي للتدبر.

 

وإن شعرتُم بأنَّ التساؤُلَ محظور عليكم في كلِّ مجال، فاعلموا أنكم في دوائر الخطأ والجمود، لأنكم تكونون ساعتها، في طرق يختطها لكم غيركم، ماضون بخياراتهم هُمْ لا بخياراتكم.

 

سألَتِ الشاعرة السودانية مبتسمة: ما السبيل كي لا تصل الأمور، بين الشركاء المتعارضين، إلى الإستعصاء؟

 

قلت وأنا أُلْقي بصري على الجميع: إن تناقشتم، فلا مانع أن يخسر أحدكم نِقاشه ليكسب ضحكات. فلستم دائما على حق. ولستم دائما بحاجة لنصر. إنها حياة مشتركة. وليست حربا تلد حربا. إن إنكسر أحدكم في نقاش، فَلْيَعُد للمشترك. فالمشترك وطنه، والحصيف لا يشعل بوطنه نارا.

 

الحب الحق، كنز لا يُفَرَّطُ به عند أوَّلِ مُنعطف. ألعيش في ثناياه أجمل من حزن عابر، وأصدق من خيبة غير متوقعة، وأعظم من خذلان لا نستحقه. تذكَّروا أن التسامح، كالعشق  كالصبر وكالمغفرة، رضا بذاته. تستقيم زواياه ويتم تدويرها، بنبعٍ من مهارات الفن والمعرفة المستدامة والخبرة المتراكمة.

 

سألتِ الطبيبةُ وكفها الأيسريسند ذقنها: وإن إستعصت الأمور؟

 

قلت: شخصيا، أغبط كل من ألقت الدنيا في طريقه أشواكا، فعبر من فوقها بنضجٍ وهو يتمتم: لعل في نهاية هذا الطريق أبوابا، تُفضي إلى بساتين مزهرة أو مثمرة.

 

وهنا تدخل الطبيب الجراح مُتسائلا : وإن غُلِّقَتِ ألأبواب يا سيدي؟

 

قلت مبتسما: لِتُحسِنَ التعامل في كل مرة تلتقي فيها من تحب، إستقبالا أو توديعا أو رحيلا، كُن مع نفسك لا عليها. دلِّلْها بإبتسامة من قلبك، وعطرها بروحك. ففي ملكوت البسمات، ورود المشاعر المشتركة، لا تذبل وإن تألم أطرافها. كلُّ شيءٍ يمكن إخفاؤه، إلا ملامح الفرح من أنى جاء.

 

وهنا بشيءٍ من الحيرة، أضاف شاعرنا السوداني سؤالا: وإن مَسَّكَ الحب بِضُرٍّ يا شيخنا، وبقسوةٍ لا مُبالية  هشَّمَ قلبك؟

 

قلت بحزن وأنا أستزيد من الشاي بطعم اللومي: إن لم تستمتع، فيما تُحب ومع مَنْ تُحِب، فأنت تضيِّعُ وقتَك سُدى. توقَّف بمعروف. ودَعِ المشترك ذكرى، تنطفئ كرعد في أمسية مثقلة بغيم غير مُمْطِر. بمرور الأيام ستتعلم التجاوز. وسَتُتْقِنِ المرور بجانب ألَمِكَ، وأنت تَمضي ساخرا من جراحك المفتوحة، لأنها لم تَعُدْ تُؤلمُك.

 

كنا نقترب حثيثا من منتصف الليل، دون أن ندري. تضاحكنا ونحن نَهُمُّ بالعودة إلى عمان. تواعدنا على أن نلتقي عما قريب، في ليلة سودانية، لا تقل جمالا عن ليلتنا العراقية هذه.

 

الأردن – 4/8/2018

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.