اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

في حوارٍ معها (الجزء الأربعين)// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

في حوارٍ معها (الجزء الأربعين)

د. سمير محمد أيوب

الاردن

 

أفِقْ خَفيفَ الظِّلِّ،

هناك، في دولاب ملابسي، إلتقيتُ ما حَسِبتُ أنني قد نَسيتَ أو أُنْسيـتْ. قلَّبْتُها مُتَوجِّسا كُمقارِفِ إثمٍ. أبتسمُ تارة فَرِحاً بِما أرى. وأتجهَّم أخرى حسرةً وأسىً. ألوانُ هذا القميص لم تَعُدْ تليقُ بِشيبِ مَفْرقي. ونَقْشُ ربطةُ العنق تلك، لم تَعُد تتوافق مع وقاري. وذاك العطر لا يصح مع هيبة وظيفتي، وموضة هذه النظارة، لا تتفق مع طلائع التجاعيد المتسللة بصلف حول عيني، ولا تلك اللاغاليغ المستوطنة حسدا رقبتي. هززت رأسي غيظا وهربا من شبح كابوس، بدا لي أنَّه يُحرك في وجهي لسانا شامتا. تلفَّتُّ يَمنةً ويَسرة، قبل أن أندفع إلى مِرآةٍ طوليَّة تُزيِّنُ مدخلَ صالة الجلوس. بَحْلَقتُ وأطَلْت. تأمَّلتُ فيما أرى فيها. فاغِرَ الفاهِ تَحَسَّسْتُ كَرْشاً يحاول الزحف إلى الأمام. تلقائيا شَفَطَّهُ إلى الداخل دفعة واحدة. علني أخفيه قبل أن تلحظه عيونُ المرايا. ولكن، سرعان ما انقطع نفسي من اليأس، فإندلق ثانية، كشاهد الإدانة على أوهام العمر وظنون الوقار.

 

حديث المرايا كان متعدد المقامات. لِخَرْمَشاته دَوِيٌّ، كنت في غنى عنه. أعدْتُ التدقيق في ملامحي، فلم أجد شيئا مما أُحِبُّ أن أرى. إقْتَضَبَ حاجباي. إضيقَّتْ عيناي. ولم يَعُدْ بِيَ رغبةٌ لمتابعة ما إقترفت بحقي السنون. إنقبض صدري وضاقْ. وتسارع نبض قلبي في داخله. تَحسستُ ذقني وشاربيَّ. إرتَبَكَتْ ثقتي. فهربت مهرولا إلى العنود المتوقفة أمام البيت. ما أن صَهَلَتْ سيارتي، أرخيتُ لها اللِّجامَ، هائِماً لا أدري إلى أين. أدرتُ مؤشِّرَ المِذياع فيها، علَّني أسمع ما يغطي صوت ما استبد بي من  قلق. واذ بفيروزتنا تغويني بالهرب معها، بعيدا عن درب الأعمار. قلتُ بنزقٍ مُعاتباً: أيا فيروز مهلا، كيف ننسى إنَّا صِرْنا كِبار. يا سيدتي ما عاد يَنفعُ الإختباء.

 

أمسكت بقوة بمقود العنود الألمانية، متجها إليها لتُنقِذني مما أنا فيه.  بحثتُ عنها، وكان المساء قد إبتدأ بَسْمَلَتَة. إمرأةٌ قلبُها أبيض كأوَّلِ الحب وتباشير الثلج. تُحْسِنُ مُصادقةَ سنينَ الزمن. فلا يجرؤ شيء من بياض العمر الصعود عاليا إلى قمم هامتها. إلتقيتها تتمشى بسكينة حافية القدمين، على قارعة بحر، تستفزه بما خفَّ وشَفَّ من قماشٍ مطرَّزٍ بالياسمين والجوري. أشفقتُ على المُراهق من موجٍ يشاغبها متعجلا نزق الشباب. إلتَفَتَتْ إليَّ مُبتسمة وهي تقول: حدَّثني قلبي، أنك لا محالة آت إلى هنا الليله. فسبقتُك أيها الشقي. لنحتفيَ بذكرى مولِدك، مع الموج والنوارس والنجم. ولكن، لا يليق بالبحر، ولا بالمناسبة، ما أنت فيه من وقار أهل المصارف. هيا تخفف. وأنِخْ جسدك على هذا الرمل الناعم. وتعال من على الرمل، نناجي البحر والسماء، ونبعثر في ما بينهما من معارج، السرَّ وما يَخفى. هيَّا نودِعُ بوحنا في الكثير من الأصداف، لعل موجا آت من البعيد، يلتقطها ويرحل بها، الى الأعماق.

 

ضبطَتْني مُتَلَبِّسا، أُمعِنُ النظرَ في تفاصيلِ شبابِها. فقد أكسبها الزمن بهجة ونشاطا ولياقة، وجمالا في التضاريس وفي المضامين.

 

قالت وهي تمسك بيدي: دعك من قياسات الخصر. ولا تُعِرْ بالاً لوساوسِ الموازين. وخُنَّاسِ التجاعيد. إبتعد عن موالِدِ المرايا، فلا يسكنها يا صديقي إلا أبالسةٌ مُقَعَّرَةٌ أو مُحَدَّبَة، لن ترحمَك مهما حاوَلْتَ، بل ستُنَغِّصْ عليك عيشك.

 

بدأ صمتي يُنصتُ أكثرَ لخربشاتها، وهي تحاول تطهيري من إدانات عقلي، ومن سَوْءاتِ خزائني ومراياي. عصفت بالكثير مما قد آل إليه حالي. وتمادَت فى إخراج الدلائل والإثباتات. حتى تجلت دهشةٌ طاغيةٌ في عيني، وإعتلى ملامحي فرحٌ مُراهقٌ لذيذ.

 

حتى هذه اللحظة، لم يكن يبدو على تضاريس شفتي،  سوى ملامح رعشة حيِيَّةٍ. لا تستجيبُ صراحة ولا ترفض مداورة. لتُريحَني مما أنا فيه من إرباك ساذج، أعطتني مفتاحا لصندوق مقتنياتها الثمينة. بكل ما أوتيت من سحر قالت: طوبى يا شيخي، لمن يغادر الإطار أو يكسره. ويحلِّقُ نورساً فَرِحاً بالحرية، مرفرفا بجناحيه نحو الفضاءات الأرحب. وتأكد يا صديقي أنك كما قال ذاك الرسام الإسباني، عند هروبك  من الإطار، ستندم على كل لحظة عشتها داخله.

 

إلتقت عَيْانيَ بعينيها، إمراةٌ تشع شبابا طازجا. بعثرتْ نسائمُ البحرِ تسريحتَها، فبدت غجريةً بحرية، ثغرها يراقص إبتسامة في طريقها إلى التكور. فقررتُ الإستسلام. نَهَضْتُ مُنتَشِيا، وأصابعي تُلامِس أصابعها المشاغبة. أنْهَضْتُها، طاردتها على حوافِّ البحر، وهي تًرَتِّل مُتضاحكة: لا تُوحِشِ النفسَ بخوفِ الظنون. أفق خفيفَ الظل هذا السحر، قبل ان تملأ كأسَ العمرِ كفُّ القدر.

 

قلت وأنا ألهث وراءها: نعم، نعم أولى بهذا القلبِ أن يَخْفِقا، وفي ضِرامِ الحُبِّ أنْ يُحرَقا.

فقالت : فعيشنا طيفُ خيالٍ .

فقلت ملبيا : هيا ننل منه حظنا ، قبل فوتِ الشباب .

 

الاردن – 12/9/2019

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.