اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثرة في الحب -22: ليتَك كُنتِ لهُ الخَديجَة// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثرة في الحب -22: ليتَك كُنتِ لهُ الخَديجَة

الدكتور سمير محمد أيوب

 

عصرَ نهارٍ قبل أيام، إغْتَصَبَتْ خِلْوتي في مكتبي بعمان، إبنة صديق حِجازيٍّ. فَضَّة صَبيَّةٌ بالغة الجمال، تقارب الأربعين من عمرها. جاءت وحدها من أفخم ضواحي عمان. تقود سيارتها الرولز السوداء. كنت قد إلتقيتها سابقا، مرارا في مناسباتٍ إجتماعية متنوعة.

 

ما أن سَلَّمَتْ وإسْترخَتْ في مَقعدها قُبالَتي، وقبل أن أسألها عن قَهوتِها، هطلت دموعُها بصوتٍ متقطع. فخَرَجْتُ إلى الصالةِ المجاورةِ مُحْرَجاً، لتأخُذَ ضيفتي راحتَها في البُكاء. عُدْتُ بعد شئٍ من الهدوءِ. وسألْتُها قَلِقاً، ما بك يا سيدتي، موجوعة إلى هذا الحد؟

 

أشْعَلَتْ لُفافَتها، وإمْتَصَّت شيئاً من قهوتِها. وقالت بصوتٍ مشوبٍ ببقايا بُكاء: في الماضي، كنتُ قد إشتهيتُ الزواج، من محامٍ وسيمٍ خلوق. فخَطَّطْتُ لذلك، كثيراً ومُطولاً. وما أن تجاوَزْتُ مرحلةَ الأنبهارِ والعسل، حتى إنقشع الكثيرُ من الغُباش. فلا هواء الزوجِ كهواءِ الابْ، ولا الارضُ تشبه مَرابِعَنا، ولا حتى السماءْ. فتمنيتُ أن أُغمِضَ عينايَ ولا أفتحهما، إلا وأنا أمشي الهوينا، راجعةً إلى مناكِبِ قصرِ أبي ومناقِبِه. حيث رغَدُ العيشِ هناك على ما يُرام. فليس من السهل لمن كانت مثليَ، حسباَ ونسباً وجمالاً ودلالاً ومالاً، أن تُغامِر مُطَوَّلاً بعيدا ًعما إعتادت.

 

سعيتُ للتجييشِ ضدَّ ما أنا فيه. فحاول أبي جاهداً وبِمَعانٍ كثيرةٍ، أن يُهَوِّنَ عَلَيَّ مُضايقاتِ البدايات. فكان حُسنُ الظن سلاحي في صبريَ ذاك. وبقيتُ مُتماسِكة ً، ورصيدُ قوَّتي رجراجا. إلى أن رحل أبي، عائدا إلى ربه سبحانه.

 

فسارعت أمي للتدخل مباشرةً، في كلِّ تفاصيل حياتي. وبَدأّتْ بِنَخْرِ تماسُكي. وألبَسَتْني عباءةَ الشكوى وأنينَها. ومع فُجائِيَّةَ مرضِ زوجي المُقْعِدْ، أحالَتْ أُمي مصاعِبي الى كوابيسَ الشيطانْ. فاهتزت قُوَّتي. ومع شظف العيش إثرَ خسارةِ زوجي لِمَصدرِ دخله، أحالت أمي تلك الكوابيس إلى دراما رُعْب. وفَقدتُ مع كثرةِ الوَسوَسةِ والنَّقِّ، كلَّ جُرعات الصبر والقوة التي غرسها في حنايايَ والدي يرحمه الله. فانهرتُ تماماً. وأصبحتُ كثيرةَ البكاء. ونَزَفَتْ كلُّ أوجاعي. وسَقَطْتُ تحتها بالتقسيط ِالمُتَسارِعْ. ومع إتكائي كثيراً على جُدرانِ خوفي ووساوسِ أمي، تَرجَمَ جسدي كلَّ هذا، آلاماً مُتَفَرِّقَة ًمُتطاوِلة.

 

وتوترت علاقتي بزوجي القعيد. فلم يَعُد وجهه الوسيمُ بَهِياً، ولا عِطْرُ عَرَقِهِ شَهِيّاً. وأخذتُ بفظاظة ٍأُبَعْثِرُ حسناتِهِ من ذاكرتي ومِن واقعي. وباتَ حديثي إليهِ صُراخاً، سرعان ما ينقلب إلى مُصارعةِ ثيران. أجادِلَه بِتطاولٍ فظٍ لتسفيهِ ما يقول. حتى أمامَ زواره أو ضيوفه من الأهل والأصحاب.

 

ومع الأيامِ إنكفأ زوجي عني بصمتٍ حزينْ. وإنْشَدَّ الى سيدةٍ بسيطةٍ من أقاربه، تعتني يوميا بتمريضه. فلم أكتم شيئا من غيرتي منها. فعايَرْتُه مقارنا نفسي بها. وقررْتُ ان أخذِلَهُ في كل شئ. في مأكله وفي مشربه وملبسه، وفي إكرام ضيوفه. مَنَّنْتُهُ بفضلِ حَسَبي ونَسَبي عليه وعليها. وبما أصرفه من مالي في البيت. وتباهيتُ بما حباني الله به من جمال وفِتنةٍ، لا يقل عن جَمالِ أم المؤمنين عائشة، ولا عن شبابها وعلمها.  

 

كُنتُ أستمع لها مُطْرِقَ الرأس. وما أنْ صَمَتَتْ هُنيهةً، حتى سارَعَتْ وسألتني بفظاظةٍ لا تُحسَدُ عليها: قل لي بربكَ ماذا أفعل؟

 

فقلتُ دون أن أنظرَ إليها: كثيرٌ مِما قُلتِ يا سيدتي، هُراءٌ في هُراءٍ. فالعلاقة الحميمة بين شريكين، ليست هي المدخل الوحيد الى قلب كل رجل. وكثير مِما فعلتِ واجبٌ. ولكن حَرْثُكِ بالتَّمنين، كان حَرْثَ جِمالٍ. بَدَّدْتِهِ وأضَعْتِهِ للأسف، وذهبَ غُثاءً كزبدِ البحر. فلا فضل لِمُمْنِن مهما بَذَلْ. فالاصل هنا للنتائج لا للعتبات.

 

وما دُمْتِ قد تجرَّأتِ على ذكرِ شئٍ عن جمالِ أم المؤمنين عائشة، دعيني أُذَكِّرُكِ بشئٍ عن جمال وعظمة ام المؤمنين خديجةَ بنت خويلد. التي كانت قبل أن تتزوج محمد بن عبد الله (ص)، مِنْ كُمَّلِ النساء، ذات مناقبَ جمةٍ، لبيبةٍ وجليلةٍ، ذات شرفٍ ومالٍ، تستأجرُ الرجالَ في مالها. عندما وثِقت مما سمِعَت عن محمد، من خِصالٍ وصِفاتٍ حميدة، أبلغته أنها راغبةٌ فيه. ثمَّ عَرَضَتْ عليه نفْسَها. فأحبَّها وتزوَّجها، وهي تكبُرُه بعديدِ السنين. وأنجبتْ له سبعا من الوَلَدْ.

 

كان رسول الله (ص) ، لموقعها في قلبه، كثيرَ الذِّكرِ لها بعد موتها، لا يَسأمْ من الثَّناءِ عليها والإستغفار لها. فَحَمَلَتْ الغَيرةُ عائشة، لتقول مخاطبة المصطفى: وهل كانت إلا عجوزاً قد أبْدَلَكَ اللهُ خيراً مِنها. فغضبَ الحبيبُ غضباً شديداً، وفال: لا واللهِ، ما أبدَلني اللهُ خيراً مِنها. لقد آمَنَتْ بي حين كَفَرَ الناس. وصدَّقتني حين كذَّبَني الناس. وواستْني بِمالِها حين حَرَمَني الناس وآوتْني إذ رفَضَني الناس. ورُزِقْتُ منها الوَلدَ وحُرِمْتُمُوه منِّي..

 

فضة يا إبنتي، قبلَ أن تكوني عائشة، ليتكِ يا إمرأة، كُنتِ لزوجك الخديجه. إحْمِدي الله على تمامِ سَلامَتِكْ. إنطلقي فوراً مِنْ هُنا اليهِ مُباشَرَةً، وإستغفريهِ مُعتَذِرَةً، لَعَلَّهُ يصفح ويَرْضى. الأردن - 28/2/2015

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.