كـتـاب ألموقع

التداوي بالعقل– النص 5: إصلاح العقل: العتبة الأولى- نحن والآخر// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

التداوي بالعقل– النص الخامس

إصلاح العقل: العتبة الأولى- نحن والآخر

د. سمير محمد أيوب

 

لا يَصنَعُ نهضةً أيُّ عقلٍ مُثْقَلٍ، بِخُرافاتٍ وأوهامٍ تَخلِطُ الحياةَ بِتَديُّنٍ مغشوشٍ، وهَوسٍ بتاريخٍ أكثرُ تلفيقا. الخرافاتُ التي تَستَحمِرُ كثرةً من عقولنا المُضَيَّعَة، تنعقُ في مَشارِقِ ومَغاربِ حياتِنا، مُثْقلَةً بِغشٍّ مُزَوِّرٍ يَتَعمَّدَهُ  طائفيون ومذهبيون. وفي هذا، لا أستثني أيّا مِنْ أشباه المؤمنين، بِحَجرٍ أو بَقرٍ أو بَشَرٍ. وإنِ إدَّعى بعضُهم  وصْلا كاذِباً، بِربٍّ توَّهموهُ لهم وحدَهُم.

 

أحْسبُ أنَّ أخطرَ الخُرافاتِ الكارِثيَّةِ، رسوخا في لاوَعْيِ كثيرٍ من أتباعِ إيمان، هي النظرةُ للآخَرِ عبرَ شبكةٍ من المُعتقدات المُتساندة. بعضُ مضامينها، أعوَراً بالفعل، وبعضها الأخر أحْوَلا.

 

يزيد مِن بشاعةِ تلك الخرافاتِ وألأساطير، أثْقالُ موروثٍ فِقْهِيٍّ نَشِطِ التدفُّقِ والترويج. يُمارِسُ سَطوتَهُ المُسَيَّسَةَ بقسوةٍ، في كلِّ تضاريس الحياة وتفاصيلها. وعصاباتٌ مِنْ دجَّالينَ مُعاصرينَ مُتَلّفِّعينَ بعباءةِ تمثيلٍ حصريٍّ كاذبٍ، لِرَبِّ كلِّ الناس، يستثمرون بجشعٍ في صكوكِ غفرانٍ ورحمةٍ، ومَكْرُماتٍ في جِنانِ النَّعيمْ.

 

كَثرةٌ مِنَ العاملينَ على إعتقالِ أتباعهم في مجتمعاتٍ مُغْلَقةٍ، تحتلُّ بعضَ مَنصاتِ التديُّن، يتقمَّصونَ عبرَها تَقْوى بعضَ العظماء مِنَ الدُّعاة. لإختزالِ العقلِ وبَثِّ إنفعالاتٍ سلبيةٍ عنِ ألأغيار، يوسوسون بأنَّ إنهيارِ المُعاصرينَ مِنَ الأغيار، سواء بالحروب أو بالكوارث، فيه خيرٌ مُطلقٌ على مستقبلهم. فعلى أنقاضِ الأخر وخرابِهِ تَعلوَ الذات. لذلك يحثون أتباعهم على تحقيق ذلك الإنهيار، والدعاء لله في تعجيله.

 

وإن إعْتَرَضْتَ، بالسُّبابِ يُمْطِرونَكَ، ويُغرقونَكَ بالتكفير، ويَسْتَعدونَ عليكَ كلَّ جاهلٍ أو موتورٍ، ليَقْصفَكَ بِحجرٍ أو عصاً أو خِنجرٍ أو لِسانٍ سليط، ينتهي بإرهابٍ جسدي دَمَويٍّ، أوإغتيالٍ فكري مُؤذٍ.

 

وبالفعل، فقد ساقَتْ ثقافةُ الكراهيةِ تِلكَ، البعضَ إلى تَصوّرٍ إحترابيٍّ مُفرطٍ في عُدوانيَّتِه، للعلاقاتِ بينَ مجاميعِ الناس وثقافاتهم. وأثقلَ الخطابُ الديني، بعبارات التكفير الجاهليِّ المُسَيَّسِ. كالقول لأتباعهم: لتكون مؤمنا غيرَ كافِرٍ ولا مُرْتَدِّ، لا يكفيكَ أنْ تعبدَ الله، وإنَّما العيش في مجتمعٍ يُطبِّقُ شرائِعا، يَستَولِدُها فقهاؤُهُم ومُفسروهُم والمُعَنْعِنونَ مِنهم، وتابعوهم مِمَّنْ لا يملكون سوى كثافةً في شعرِ الذَّقنِ، وجُبَّة وعَمامةً، ولَقبا مِهَنِيَّا يتكسب منه، ويرتقيَ به سُلَّمَ الوظيفة وإمتيازاتها المادية والمعنوية.

 

لا يرتبطُ الإنحطاطُ، بأيِّ سِرٍّغَيْبِيٍّ كما قد يتراءى للبعض، ولا بتآمُرٍ خارجي، كما قد يتوهم البعض الآخر. وإنما بِتَوَهُج ِهواجسَ ووساوسَ جامحة، تُعشِّشُ في العقل العام. تتلاعبُ بأساليبِ التفكير والتدبير والعمل والمتابعة والتقييم والثواب والعقاب العادل.

 

الكثير من مشاكل أمة العرب المعاصرة، مرتبطٌ بِذاكرةٍ مُثقلةٍ بالتزويرِ والفَشخرةِ والعَرْطِ، والوهمِ والمزاجِ الطفولي. يوجهها عقلٌ غير قادر بمهاراته الحالية، على التحكم الإيجابي في مضامين عمليات التفكير وفق سلم أولوياتٍ بَيِّنٍ واضحٍ.

 

لذا، لا بد من تكثيفِ إستعمالاتِ العقلِ كقاطرةٍ رئيس، لتنمية القدرة على التفكير المتجه نحو تحسين قدرتنا على الحياة الجميلة.

 

ولأنَّ الحياةَ الدنيا، تَستحقُّ دائما وحتما الأفضل، فلا بُدَّ ونحن على حَوافِّ الصَّواب، من التسليم بأنَّ العقل السليم هو الشافي من الآفات، والباني لنهضةٍ تُواكبُ العَصر، وتِباعاً إصلاح منظومة المفاهيم التي نفكر بها، وتصوغ الحياة وتوجهها. وإصلاح منظومةِ القِيَمِ التي تُؤطِّرُ عقولَنا، وتوجِّهُ عمليات التفكير فيه. ومن ثم، تُعيدُ برمجةَ سلوكنا وضَبطِ  مساراتِه.

للحديث بقية  -  0000

 

الأردن – 2/3/2019