اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثرثراتٌ في الحب- الثرثرة 44: الدَّربُ ضاقَ، حقاً ضاقْ// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

ثرثراتٌ في الحب- الثرثرة 44: الدَّربُ ضاقَ، حقاً ضاقْ

الدكتور سمير محمد أيوب

 

ذاتَ غروبٍ صيفي رائع، كنت فيه الشاهدَ والشهيدْ، إحتَضَنَتي قبل اسبوعٍ، بحنانٍ نادرٍ صخرةٌ جميلةٌ مُلَونة، في جبالِ الشراةِ جنوبَ الأردن. أطْلَلتُ مِنها على المدينةِ الورديةِ، التي أسموها الرقيمَ أو المُبَرْقَشَةِ أو البتراء. عَشرةٌ من حَواسِّيَ كانت في حينها، مُتَشاغِلَةً على غيرِ هُدى، بِرَحيلٍ مُتثاقِلٍ لِبَقايا ضِياءٍ ، تُداعِبُهُ مَوجاتٌ مُتتالية من نسائمِ البادية، المُحْتَضِنَةِ لوادي موسى ووادي رَمْ. تَعْزِفُ لِبقايا الضياءِ لحنَ رُجوع. حين تَناهى إليَّ همسُ عِطْرٍ فوَّاحٍ. داعَبَتْ طلائِعُهُ أنفي البارع، في مُعاقرَةِ أريجِ الوردِ الجوريِّ الدمشقي .

 

فَتَحتُ عَينيَّ الحاذقتين على إتساعِهما. وأدَرتُ رأسيَ في كلِّ إتجاه، بَحثاً عن مَنْبعِ هذا العِطرِ المُداهِم. أكثرتُ من التلَّفُتَ يَمنةً ويَسْرَةً. وفي كلِّ مَرَّةٍ، كان يَرتدُّ إليَّ بصري ، دونَ تَبيَّنِ أيِّ شيءٍ.

 

ولكنَّ، وقعُ خُطىً مُتردِّدَةً، سرعانَ ما باتَ في مدى راداراتِ سَمْعي. أصَغتُ السمعَ مُطرِقاً، عَلَّني أتَبيَّنْ. خُطىً أُنْثَويَّة أنيقة ، كانت تزدادُ إقتراباً. ثم سكنَ الصوتُ. وغمرَالمكانَ بَوحُ الجوري، مُوَشىً بِشئٍ من الياسمين المغربي. رفعتُ هامتي لأبادلَ تحيةً بِتحيةٍ ، خِلْتُها تَنهيدةً تُدغدِغُ سَمعيَ على إستحياء.

 

عَرَفتُها في الحال. تأمَّلتُها وأمعنتُ النظر . مَسَرَّةٌ لِكلّ منْ يَرى. شابّةٌ تكادُ تَقتربُ من عَتبَةِ السبعينَ من عُمرِها إلا قليلا. زرافةٌ ممشوقةُ القَدْ. مُنْتصبةُ القامة . غَمازةٌ في صَحنِ الخَدْ . وشامَةٌ ناعمةٌ، تُساكِنُ شفتَها العُليا. زينَتُها أنيقةٌ بلا إبتذال . عيناها مسكونتانِ بفيضٍ من بَسماتٍ مُطمئنة. وهي تَمُدُّ للسلامِ كَفَّاً ناعماً مُزَيَّناً بأصابعِ عازفةِ بيانو، هَمْسٌ مَبحوحٌ راقصَ شفتيها المكتنزتين المُتوردتَينِ كحبتيِّ كرزٍ مُكَحلٍ. وهي تقول: بَحثتُ مُطوَّلا عنك، عندما علمتُ بالصدفةِ ، أنك معنا مُقيمٌ ، هنا في المخيمِ السياحي نفسه في وادي رم.

 

أظُنك تعلَم أنَّ وِحدَتي جُثةً هامدةً. مَلَلْتُ أوجاعَها. يَتْبَعُني صَمْتُها الباردُ في كلِّ مَكان . في الليلِ لها زُقاءُ بُوَمْ، وفي النهارِنَعيقُ غِرْبان. تُحيطُني كلَّ ليلةٍ بِظلالِها بين طَيَّاتِ فِراشي. منذ تَرَمَّلتُ قبل عشرين عاما، بِفَظاظَةٍ وغِلظَةٍ، ترسم ليَ الكثيرَ من ملامحِ أقداري.

 

على قَدْرِ الوَجْدِ والرجاءِ، جاءْ. إلتقيته في مضمار الهرولة، في أحد نوادي اللياقة البدنية. أرسى كَقرصانٍ الكثيرَ مِما يُعاني في سُفنُي. فَرفعتُ مِرساتي. وأبْحَرَ معي فيها كَقُبطان. وباتَ كغارِ حِراءْ، ألجأ إليه لِلتْهَجُّدِ فيه ، من أقربِ المسافات . كلما أمْطَرتنْي ثَرْثرةُ من يَعرِفُنا شَتْماً، يُمطِرُني طَيفُه عِطْراً. يَصْحوَ العمرُ مُعانِقاً، وأغفو مُستمتعةً بالحياة. وكلَّما زارتْني المَرايا ، أستغفرُ الله وأغرقُ في إلتِّيهِ بِلا إمتِنانٍ.

 

أحاولُ تَحديدَ مشاعري، والعيشَ بِسلامٍ مع جسدي، فأخجلُ من سِني عُمري. ولا يريد أحدٌ مِمَّن حوليَ أنْ يُدرِكَ ما بيَ من تعقيداتٍ صاروا كالخيبةِ، طُرُقُهم تَعِجُّ بألوانٍ من الكراهيةِ المُتعرجَه..

 

أنتَ تعلمُ يا شيخنا أن الدربَ قدْ ضاقَ. لَمْ يَعُدْ فيهِ ما يكفي ، لِسنينٍ عِجافٍ أخرى ، أو لِمرورِ لو تِنهيدةٍ عاقةٍ أو شَهقةٍ عابِثَة . قُلْ لي يِرَبِّك...

 

قَبلَ أن تُكملَ قَوْلَها، قاطعتُها وأنا أمْسِكُ بِيدها: هيَّا بِنا إلى المُخَيَّمِ قبلَ أنْ يُرخِيَ الليلُ عَتْمَه، فَفي البالِ قولٌ كثيرٌ مُتَمِّمٌ . نُكْمِلُهُ فيما بَعْدْ.

 

الاردن – 30/8/2015

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.