كـتـاب ألموقع

عشوائياتٌ في الحُب– الخامسة: الإرتطام في الحب// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

عشوائياتٌ في الحُب– الخامسة: الإرتطام في الحب

د. سمير محمد أيوب

 

جِئتُكَ موقِنَةً، أنَّكَ خريجُ أكثرَ مِنْ خمسينَ عاما في الحُب. وجَدتُكَ مِنْ أوائلِ الذين تعرَّفوا عليه، قبلَ المَشيبِ وبعدَ المَشيب. جئتُ لأسألكَ، أيبقى الحبُّ آيةً في الجَمالِ، بعد أوَّلَ ارتطامٍ وثانٍ وثالثٍ، أم ...؟ أسألكُ بالطبعِ عنِ الحبِّ المُقيمِ ، لا عن وهمِ الأقنعةِ، ولا هَوَسِ الفقاقيع؟ فأنا أدركُ، أنَّ عواصفَ أوَّلَ ارتطامٍ، غرابيلٌ نزيهةٌ، أوعلى الأقل أكثرُ نزاهةً، مِنْ لُهاتِ التَّباكي وظُلمِ التَّشاكي، ومِنْ تعقيداتِ التقاضي ، سرعانَ ما تَحرقُ الأقنعةَ وتكشفُ البشاعةَ في المستور.

 

إنها مربيةٌ مثقفةٌ بارعةُ الجمال، تقاعدت دون أن تتزوج، قلت وأنا أشْعِلُ لها لُفافتها الثانية، في مكتبيَ المُطل على القلعة في عمان، وأدني لها فنجالَ قهوتها،: الحبُّ يا سيدتي ليسَ آيةً في الجمالِ قبلَ الارتطامِ، ولا آيةً في القُبحِ بعدَه، بل تدرجاتٍ رماديةٍ. في عُلاقاتِنا مع الآخر، يجبُ أنْ ندركَ منذُ البدء، أنَّ في كلٍّ مِنا، مساحاتٌ ملغومةٌ غيرَ أمنةٍ، وعِرَةً مُفخخةً، بكثرةٍ مِما تقاتلَ حوله عابرون. تَعجُّ بما يُقالُ وما لا يُقال لأحدٍ.

 

قالت وهي تحتضنُ فنجالَ قهوتِها وتُهندِمُ جلسَتَها : ما العملُ ساعتَها ؟

 

قلت وأنا أسندُ رأسيَ بين يديَّ: إنْ كنتِ موجوعةً وذاتَ قلبٍ قنوعٍ، فأنتِ ومالكُ الدنيا سواء. إلتمسي له عُذرا، إن الْتقيتيهِ شاحبَ الوجهِ، أو إن اتصلتِ به ولم يَرُد، قد يكونُ مُنهمِكا أو مُنهَكا، غيرَ قادرٍعلى فعلِ شيء. التَمِسي له عُذرا، إنْ لمْ يبتسم في وجهِكِ، أو مرَرتِ بقربِه ولمْ يَرَكِ ، قد يكونُ في عالَمٍ آخر، لا تدرين عنه شيئا ولا تتوقعين.

 

قالت وهي تعبثُ بتسريحتِها: كيف لي أنْ أعيش في وطنٍ بِلا مُستقبلٍ ، وأن يكونَ ترتيبيَ الاوَّلَ فيه؟

 

قلتُ وعدوى العبثِ بشَعرِ الرأس، قد انتقلَتْ إلى أصابعي أنا الآخر: الحبُّ مخزنُ قلقٍ وغِيطانُ فرَحٍ. بعضُ صناديقه سوداءُ مُغلقةٌ كصناديقِ الطائرات. نكتشف فيها كلَّ يومٍ، تفاصيلَ ترفعُ الضغطَ وأخرى ترفع السكر. ولكن، كلُّ مفاتيحُها كلامُ مُهْتَم. كوني له شرايينَه، وحينا رئةً يتنفَّسُ بها، الإهمال والنَّقُ والحصار والتحقيق والتنكيش والبحبشة والإفراط في عتاب أناني، يا سيدتي، تقتلُ أيَّ علاقةٍ مهما كانت قوية. يُفَضِّلُ الشركاءُ في العادة، الأكثرَ اهتماما على الأكثر وسامة أو الأكثر غيرة . تذكَّري وأنتِ  تُسرِّحينَ شعرَكِ، أوترشِّين عطركَ المُفضل ، أنْ تَسأليه مثلا ، أنِمتَ جيدا البارحة؟

 

قالت وعيونُها العميقةُ تومِضُ خُبْثا : وماذا أقولُ له إنْ جاء يسألُني ؟

 

قلتُ مُبتسما بخبثٍ يكادُ يُوازيَ تخابُثَها: لا تكتفي بالقول أنا بخير، فهي لا تُقالُ إلا للغرباء. أما الأحبة ، فنسارعُ لعناقِهم والإبحارُ في عيونِهم. ونقولُ للمرة الألف لهم: كلُّهُم غيرُكَ في الغِياب، ووحدُك الحاضرُ .أعْبرُ كلَّ شيءٍ إليك، أحببتك بِكُلَّيَ وبِتفاصيلي. حتى لم تَعُد بيننا مسافة. كِلانا هُنا، والعِناقُ ليس محضَ صُدفة يا حبيبي، تعالَ نرجعُ أطفالا مرَّةً أخرى. أعِرْني شفتيكَ، فلَمْ أعُدْ أعْرِفُني، حتى أنِّي نسيتُ فيكَ مَلامحي.

 

قالت وبعضُ قَلقٍ مُتَوتِّرٍ يفوحُ مِنْ صوتِها: وإنْ خانَ الشراعُ واحترقَ شيءٌ ما في القلب ، وتباعَدَتِ الطُّرُق؟

 

قلتُ وأنا أضعُ جانبا، قَلَماً كان بيدي يتجول فوق ورقٍ أمامي: تلك حكايةُ عشوائيةٍ قادمةٍ ، إن شاء الله.

 

الاردن – 3/11/2019