كـتـاب ألموقع

عشوائيات في الحب- الثامنة: خَوابيَ الحب ودِنانُه// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 عرض صفحة الكاتب

عشوائيات في الحب- الثامنة: خَوابيَ الحب ودِنانُه

د. سمير محمد ايوب

 

فوق سرير الشفاء في مشفى في عمان، كنتُ قبلَ أعوامٍ أديرُ ظهريَ مُغمِضَ العينين، لحيويَّة آلمٍ يجتاحُ عظامَ رجليَ اليُمنى، التي كان قد " طحْبَشَها " بطيشٍ سائقٌ شاب . كنتُ أنصتُ لروحي، متَّخِذا صخرةَ صبرٍ عنيدٍ، مِرقاباً أطِلُّ عبرَه على التقاء متاهات نفسي، بروح تتقمص جسدا موجوعا.  

 

في غفلة مني، وقد خلت غرفتي من الزوار، لامست كتفي الايسر، باقة من اصابع انيقة. واستفردت بشيب راسي، باقة اخرى من تلك الاصابع المشاغبة. سرعان ما انتبهت، لغابة من عيون وُلِدَتْ وسيمةً، يُحاصرني وميضُها المُبتَسم، وشفاهٍ تهمس: عساك بخير أكثر من الأمس؟ ها قد عُدنا يا شيخنا، لنُكْمِل حديثَ البارحة.

 

بعد أنْ تيَقنْتُ أنَّ بابَ الغرفة قد تم إغلاقه، وأنا أتَنسَّمُ خلائطَ العطر، إبتسمت مرحبا ومطمئنا، وقلت: أتَثِقنَ أنَّ شيخا مثليَ، إرتكبَ جنونَ المشاعر منذ عقود، وعاقر الكثير منها، أنْ يعرفَ حالَ الحب في غَدِهِ، وهو مِمَّن يعلمون، أنَّ حالهُ اليوم ليس كحالهِ بالأمس؟!

 

قالت الدهقونة ، وهي مبدعة متجددة ومختلفة في كل شيء : نعلم أنَّ المشاعر في سيرورة متغيرة ، نخسر في حَراكِها الدائم ، شيئا كل يوم ، ونربح أشياءَ أُخَر .

 

وأكملت زميلتُها الشاعرة، وهي أرملة لبقةٌ بارعةَ الجمالِ، في الخمسين من عمرها: كُنّا قد اتفقنا بالأمس، أنَّ الحب في بعض الأحيان، لا يبدو إلا تحدٍّ طفولي للموت، نتأكد عبره مِنْ أننا ما زلنا أحياء. لنبدع مُعادلا موضوعيا لحياتنا الفانية. نُحوِّلُ به أزمانَنا القصيرةِ الخانقة، أوطانا شاسعة، تخترق الأزمنةَ والأمكنةَ ومراحلَ العمر.

 

والتقطت محاميةٌ متقاعدة طرف الحديث لتُكمل: واتفقنا على أننا لا نحبُّ فقط الذين يعاصروننا، بل قد يمتد هذا الحب، إلى الكثيرين ممن مَضوا، والذين لم يولدوا بعد.

 

وقالت طبيبة التخدير، خريجة موسكو والامُّ لمحامٍ ومُهندسة: الشغف شعور لذيذ عذب. لا شفاء منه للذين لا يفتشون عن مغنمٍ، غير مبالين بمغارمه. أعني لمجانين القلب مثلي. يكمنُ سحرُه في أنه جسرُ لامرئي ، يُفضي إلى الآخر ، في كلّ الفصول ولكل الأسباب. 

 

وقالت إعلامية ناشطة في المشهد الثقافي المحلي والعربي: ولا تبرير مقنع حول أسباب ارتكابه ، والتورط في معاقرة أبجدياته.

 

قالت راعية الحوار، وهي استشارية تمتلك مكتبا خاصا بالتمكين الاجتماعي: بعدما صار كلُّ مَنْ هبَّ ودبَّ عاشقا، جئنا نسألك عن الدنانِ والخوابيَ السريَّة التي ينهل الحب منها؟. 

 

قلت بعد أن أجْلَسْنَني مُعتدلا في السرير، وقُمنَ بتوزيع فناجيل قهوة ساخنة، أحضرنها من المقصف: أعلمُ أنَّ المُندسين في معارج الحب، جعلوا كثيرين من الناس عازفين عنه، مع أنهم بأمسِّ الحاجة له. وأنَّ بعض الحب قد بات هلوسة ذاتية مُتفلِّتَة ، تُخفي قُصورَها بالغموض العابث. ومع هذا ، إنْ حدَثَ الحب وجاء ، ونجَحت نسائمُه وضياؤُه في التسلُّلِ إلى القلب، لا تدعوا العقلَ المُتَخابِثَ يناقشه.  

 

ففي قاع الروح، حيث المياهُ عميقة وسريَّة، ثمَّةَ دنانُ نعرفها وخوابيَ نجهلها . فأنا مثلا، لا أعرف النبعَ المسحورَ الذي أشرب منه  كلَّ صباح ، قبل أن أستيقظ. أنهضُ مُبتهجا بالحياة . أحتفي بها لمجرد أنني أحيا. أعرف جيدا بالمقابل ، قيمةَ دِنانِ عقلي التي تضخني بالمعرفة والمتعة والثقة. وأعرف دنان التجربة التي أعيشها مع شريكتي ، والانفتاح على عطاءاتنا المتبادلة. 

 

ولكن ، ثمة دنان لا أجد لها اسما، تلك التي تُقرضُ الروحَ بقلقٍ ايجابي ، وحيرةٍ مُتأملة ، وتمنحُني بَركةَ الكوابيسِ ونعمةَ الاهتمام.

 

ولكن التجربة المُعاشة ،تَبقى نبع الابداع لِدناني. في كلٍّ منها، ثمة شيء لا يُترجمُ بحرفٍ، ولا حتى بصوت. واعلمن أن ثمة حقيقة لا يحب الشركاء الاعتراف بها، وهي التفاوت في قيمة الدنان ومستويات عطاياها. فالدنانُ ليست مُنزَّهةٌ دائما، على الاطلاق.

 

وقالت راعية الحوار : قبل أن نتركك لتنام ، كيف نقارب تلك الدنان ؟

 

قلت وانا أتناول حبات الدواء منها: بمقاربتها بين الفينة والاخرى بيسر. لإعادة قراءة " عجرتجربتنا وبجرها ". وفهم بعضنا، في كل مرة ، ولوعلى نحو مختلف.

 

الاردن – 24/11/2019