كـتـاب ألموقع

عشوائيات في الحب –14: الحب اهتمام طازج// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب 

عشوائيات  في الحب– العشوائية 14: الحب اهتمام طازج

د. سمير محمد ايوب

 

بعد الثرثرةِ السابقةِ في صحن مسجد الجامعة في عمان، ومع أول عتمِ المساء، إستقر بنا المقام في قاعة مطعم شعبي في عمان. عُرِفَ بِسَمَكِهِ الطازَجِ المسقوف، وفق الطقوس العراقية.

 

إنتقينا زاوية قصية نستكمل فيها ثرثرتنا. ونحن بانتظار ما طلبنا من سمك، جاورتنا على مائدة مقابلة، سيدة وصبيان. فهمنا مما تناهى إلى سمعنا من أقوال، أنهم إخوة من عربٌ عراقنا العظيم.

 

نظرتُ إلى ضيفيَ الدكتور مُتسائلا بصمت، أنُكْمِلُ ثرثرتنا؟ فأوعز لي بعينيه، لا بأس ، أكمل يا شيخنا.

 

تابعتُ مُبتسما: يستظلُّ الذكيُّ من الحب، بمنظومةِ إهتماماتٍ مُشْتَرَكة. يوظفها لإقتلاع مُهلِكاتِه. وفقَ فِطْنَةٍ يَقِظَة، تدركُ بأنّ المُهلكاتِ والمُنجياتِ توأئم. تتعايش في رحمٍ واحدٍ وَلود. وتدرك في الوقت ذاته، أن طُغمة الخَنَّاسِ تتربص بوساوسها. وتسعى بلا كللٍ، بوَمْضٍ مُوهِمٍ، وإنبعاثاتٍ واقعية مُتَفلِّتَةٍ، لتفخيخ المشاعر بإحتقانات، تُجردها من أجمل ما في رومانسياتها، من دفءِ الإهتمامِ وإيجابياته. وتحويلها الى مقايضاتٍ تجارية مُنْهِكَة. يَحسِبُ كلَّ طرفٍ في هياكلها، تصرفاتَه وفقَ معاييرِ الربح والخسارة. ومتطلبات النأيِ عن الشريك، الذي بات بالظن آخَرَ.

 

تساءل ضيفيَ وهو يُداعبُ أصابِعَه بأصابِعِه ، كيف ؟

 

قلتُ وإبتسامتي تتوسع، وكفيَ المنبسط يسند خدِّيَ الأيسر: للخناس يا صديقي، مساعيَ يَصِحُّ تشبيهُها، بتشويشاتِ الحرب الباردة. لتخريبِ المشترك، يُرَوِّجُ لمتاهاتٍ بديلة. تَتَموَّهُ في نِديَّةٍ فَجَّةٍ. تتكئ على ذاتية مُراهقة ومحاصصة وقحة. تتدحرج لتغدوَ بالإستعصاء الشامل، أمَّ المتاهات. ينبعث من لُججِها دخانٌ حالكُ السواد. يُلوِّثُ كلَّ مُشتَرَك. ويُعيدُ بالحصار الغبي الخانق، تأثيث يومياته، بمتطلباتٍ  لا توصل إلا إلى أرخبيلٍ من الإهتمامات المعزولة، المعيقة لإنسيابات العيش المشترك. جوهر المغالبة ليس في المشاعر، بل في تفاهمات ضمنية مسكوت عنها. تتساكن فيها العقد والمساومات والحلول المنصفة.

 

وهو يحرر أصابعه من بعضها ، قاطعني ضيفي قائلا:

 

أثق أنَّ الإهتمام الذكي، بوابةٌٌ آمنةٌ لرؤيةٍ مُتماسكة. يُوازَنُ عبر عتباتها، بين الذاتي والموضوعي. ولتعزيز بناءات التفاهم، يكسر الإهتمام الذكي، هذيانات المحاصصة.

 

أضَفتُ فَرِحاً بما قال: صحيحٌ ما تفضلت به. ألإهتمام ألإيجابي ممرٌّ حتميٌّ، لأيِّ علاقة وجودية مُستدامة. بالتفهم الصابر لقضاياها المشتركة، تتعمقُ مُعادلاتُ الرِّضا الإيجابي.

 

قال ضيفي متسائلا بحياءٍ لا مبرر له : بما فيها مُتَعُ الجسد ؟

 

إكتسى وجهيَ بغمامةٍ من الجدية المبتسمة. بحلقتُ في عينيه. قلتُ وأنا أطبطِبُ ظهرَ يدهِ اليُمنى، الممتدة أمام كفِّ يدي اليسرى: لَمْ تكن المُتَعُ السويَّةُ للجسد ولن تكون، ملاحقَ شكليةٍ لرغدِ الحياة. بل هي طرفٌ نشط يعززها نضج عاطفي، يسعى بثبات لتوسيع مناطق نفوذه.

 

سألني ضيفي وهو يبادلني بَحلقةً بِبَحلقةٍ : قل لي بربك ، كيف ؟

 

قلت دون أن أبعدَ عينيَّ عن عينيه: بالتركيز على عناوين السعادة والإحترام المشترك، والتخلي عن أوهام صعاليك الكبرياء الزائف، وأدعياء أشباه الكرامة. أرسوا توازناً دقيقاً، يُبطل جهودَ العاملين بالإكراه على إسقاطكم، في إحتقاناتٍ مُتوالدة . ويمَكِّنُكُم إن سقطتم ، من الخروج وتعطيل آثاره.

 

ألإهتمام المشترك جهدٌ نوعيٌّ شمولي، إن مورس في ظلال حُبٍّ ناضج، يردعُ نفوذَ أبالسةِ النفس، وشياطين المحيطات الإجتماعية . وتأكيد حكيم بأنّ الذات المنفردة، مهما إتسع نفوذها وتعمق، فلن يكون في وسعها وحدها ، حماية مشاعر صحية، ولا تعزيزقنوات ومسارب ما تحت السطح، من تفاعلات وتوليفات وتوظيفات، ولا تحديث بدائل إيجابية مرنة، لإبتلاءات المواجهة وإستنزافات أزماتها، وطيش طلقاتها.

 

في رياض الحب، يغدو الاهتمام، صخرةً وجوديةً ،لا جهدا ثانويا. بالإتكاء الإيجابي عليها، نجد السعادة في أبسط الأشياء .وبالسلبي في غفلة منا ننكسر. حبٌّ بلا إهتمام مَشروعٍ، دربٌ مقفلٌ غيرَ نافذٍ يا صديقي. وفي أحسن الظنِّ غريقٌ مُؤكَّدٌ ، عندَ عتبة أوَّلِ إرتطام.

 

ونحن نتناول إستكانات الشاي من النادل، أفادنا بأننا ضيفا السيدة الجالسة قبالتنا. نظرنا بإتجاهها مستغربين وشاكرين. إبتسمت السيدة وهي تقترب منا. حيَّتْنا بوجه صبوح وهي تُذكِّرُني بنفسها. قالت وهي تقدم لنا بطاقتها، تابعتُ بشغفٍ ثرثرَتَكم. ولي فيها رأيٌ. بيتيَ قريبٌ جدا من هنا. ما رأيكم، مع الكثير من إستكانات الشاي العراقي بالنُّومي على اصوله العراقية، أن نشترك في تطويره؟  فما زال المساء في صباه.

 

الاردن – 29/12/2019

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.