كـتـاب ألموقع

عشوائيات في الحب- العشوائية 40: عَنْهُنّ أكتُب- الجزء4// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب 

عشوائيات في الحب-  العشوائية 40: عَنْهُنّ أكتُب- الجزء الرابع

د. سمير محمد ايوب

الاردن

 

قبلَ أنْ نتواعد على تكرار اللقاء كلّما لاحَتْ لنا فرصة، إلتفتَتْ مُضيفتُنا المهندسة الراعية إلينا جميعا وهي تقول: أمّا أنا فليَ حِكايةٌ أخرى، يُسعدُني رِوايتَها لكم الآن . ولكن، إسمحوا لي بدقائق قليلة، أطمئنُّ بِها على قيلولة غَنَمي. عادت مبتسمة بعد أن وجَدَتْها في قيلولَتِها ، مُتلاصقةً كالعادة ، مُتراصَّةْ كأقراصِ الجبن.

 

وما ان استقرت بجانبي، يممت وجهها شطر الغرب. التفت اليها مبتسما، فقالت وهي تسرح بنظرها في لالأفق البعيد: أمّا أنا يا ضيفيَ العزيز، فحكايتي ليست ككل الحكايات.

 

أنا عاشقة متيّمة. ومعشوقي جعلني فرسا جموحا. تمردت على كل من حاول امتطاء صهوتها وترويضها. عجز أمامها أمهر الفرسان. معشوقي يا شيخي لن يشارك مكانه في القلب أحد. فقد تعلقت به منذ نعومة أظفاري ، فيه وجدت كل مبتغاي ومنتهى آمالي.

 

 طأطأت رأسها قليلا. تناولت عودا صغيرا. أخذت تحرك به بعض الحصى، ثم قالت: لعلّ انبعاثي فيه ، هو ما جعلني أتيه فيه ، وأموت في عشقه . فقد درجت على صدره ، وترعرعت بين يديه، ولن أستطيع الاستغناء عنه. وجدت الجمال في كل حناياه ، وفي جميع كائناته ، وفصوله وتضاريسه ، وجميع تقلباته.

 

وُلِدْتُ في هذه المنطقة. وعشت في مرابعها . أحفظ تفاصيلها . وأكاد أعرف كل حجر تعثرت به قدماي، وكل شقّ في الأرض، حتى جحور الأفاعي، ووجار الثعالب، وأنواع الطيور وأعشاشها. وكل واد وتلّة لي معها حكاية . حتى النباتات صارت مألوفة لدي . أعرف مكان تواجدها ، ومتى تنمو ، ومتى تجف ، وما هي فوائدها.

 

تنامى هذا العشق مع الأيام، مما جعلني أكثر تشبثا. حتى بعد إكمال دراساتي العليا " الدكتوراه" ، صارت حاجتي أكثر إلى هجر روتين الحياة. وترك مظاهر الحضارة التي تكاد تحصي أنفاسنا. وتعدّ خطواتنا، وتسير بنا نحو الهرم وفقد متعة الحياة . فها أنا بعد التقاعد من الوظيفة الحكومية، أعود إلى الطبيعة ، حيث أجد الحياة وصفاء الذهن وراحة البال.

 

هبّت واقفة وكأنّ شيئا قد أفزعها، تحمل بيدها حجرا صغيرا ، أرسلته نحو شاة ، حاولت أن تنبّه القطيع ، فتقطع عليه قيلولته . فتنهرها تعود مكانها.

 

إستأذنت دقيقة، وتوجهت حيث حمار الغنم، الذي كان يدسّ رأسه جانب المرياع ليستظل به، وتتناولت من الخرج صرّة صغيرة، وطلبت إلى إحدى الأخوات، إحضار إبريق الشاي عن النار والكاسات. وفتحت الصرّة . وأعطت كلّ واحد منّا قطعة من الجميد الكركي ناصع البياش، كي نأكلها مع الشاي.

 

لملمنا متاعنا على عجل، وأعدنا كل شيء مكانه، وانصرفت النسوة كلّ في وجهتها، وعندما هممتُ بالانصراف أصرّت مضيفتي على إكمال الرحلة معها، فقادت الحمار وأعلن المرياع بصوت قُرْقاعِه لحظة الانطلاق ، نحو تلة مقابلة بكر لم يطؤها قطيع قبل اليوم. فتقطف أغنامها رؤوس النباتات بينما راحت هي تتأمل فراشة تتقافز هناك على زهرة لم يكتمل تفتحها ، وترقب زوجا من العصافير كأنما يتعاهدان على بناء عشهما بجانب هذه الشجيرة، وترفع رأسها بين فينة وأخرى لتملأ صدرها من نسمة محمّلة برائحة الشيح والقيصوم والزعتر البري. مكثت طويلا أرقب حركاتها وسكناتها فوجدت فيها فعلا العاشق المتيم في الطبيعة .وقبل ان اشيح نظري عنها، باغتتني قائلة، اظن ان من العدل ان اسمع حكايتك انت يا شيخي . قل على راحتك ، فسرك كما تعلم في بئر عميق.

 

وللحديث بقية .....