كـتـاب ألموقع

قامات وهامات لن تموت- 14: فتحي البلعاوي// د. سمير محمد ايوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد ايوب

 

عرض صفحة الكاتب 

قامات وهامات لن تموت- 14: فتحي البلعاوي

د. سمير محمد ايوب

الاردن

 

أبو الوطنية ؛

الأمين على طُهر النوايا والبدايات للثورة الفلسطينية المعاصرة، الضمير اليقِظ، الخطيب المُفوّه، المتحدث الجريء، اللسان الشجاع، القلم الناري، مربي الأجيال، كلّها صفات وسمات ومسميات صحيحة ومُحقّة، تشير دلالاتها القطعية، إلى أبرز رواد الارهاصات وأهم المؤسسين، شامخ ثابت كالجبارين في فلسطين، هو أبو غسان، فتحي البلعاوي.

 

 شعلة اسهمت خلال تواجدها في غزة وفي رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة، في تشكيل الوعي الوطني بين الشباب في قطاع غزة. وفي تحريك طاقات القطاع لتنظيم المظاهرات التي كانت تندلع في اواسط خمسينيات القرن الماضي، هناك في مواجهة مشاريع التوطين في سيناء، وفي صياغة شعارات المرحلة: ( لا توطين ولا أسكان ، يا عملاء الأمريكان ) .

 

في 1962 ، توجه البلعاوي من غزة الى قطر، ليسهم في وضع اللبنات الأُوَل، للنظام التربوي هناك. وليسهم في حينها، مع أخوة له، في تأطير أحد ابرز المجموعات المؤسسة لحركة فتح، مع ما بات يسمى بمجموعة الكويت، ومجموعة السعودية وغيرها.

 

لقد ظل منزل مربي الأجيال فتحي البلعاوي في الدوحة، مقصداً لصانعي الثورة الفلسطينية، وقادتها وكوادرها والمثقفين الثوريين، يستلهمون عناده المتكئ على منطق الحق والقوة، ويستلهمون صلابة ارادته المتمردة على واقع الهزائم، والرافضة لأسبابها وتبعاتها.

 

في صيف العام 1977، كنت برفقة الاخوة المناضلين زكريا الحلو، ونوللي عوض ومصطفى ذياب، مترئسا لبعثة للهلال الاحمر الفلسطيني في مهمة عمل في قطر، حين حظينا بدعوة من ابو الوطنية في بيته. مطولا التقيناه هناك، برفقة كل من المرحوم المناضل عزير عقل (ابو فادي) ، والدكتور رياض الزعنون (الذي عين فيما بعد اول وزير للصحة) . وتكررت اللقاءات وتعددت وتوطدت بيننا. وفي احد زياراتي لقطر، اهداني باعتزار شريط كاسيت لابن فلسطين البار، ابن اليامون، الشاعر الرائع المرحوم عدنان حماد (ابو فيصل) ، فرحت وقبَّلتُ الشريط وشكرت. فسألني ساعتها ابو الوطنية: اتعرف صاحب الشريط؟ قلت بفرح غامر:  يا أخي ابو غسان انا من يعرف ابو فيصل، لاني اول من اكتشف موهبته وقيمته واهميته، في واقعة منذ سنين خلت، شهدها فندق ستراند، كان يملكه ابو فيصل في ابو ظبي، ( ولكن تلك حكاية اخرى ).  

 

احببت ابا الوطنية كثيرا، وتعلقت بمنظومات قيمه الانسانية والنضالية، فليس في مقدورك ان لا تحبه. إنه شخصية فذة آسرة مجبولة بالوطن، خليط من الارادة الصلبة والتوثب، البساطة والنباهة. بين الفكاهة والجد تتذوق لطف معشره، وزهده في المناصب وفي المكاسب.  

 

  في مثل هذا اليوم، الثالث والعشرين من حزيران 1996، في احد مستشفيات عمان- الاردن، تسامت الى ربها راضية مرضية، روح أبو الوطنية، كما توافق المناضلون على تسميته، وكما كان يُحبُّ أن يُنادى. لكن المناضل الكبير، صاحب المبادئ والمواقف والاخلاق والروح الطيبة المرحة، باق حيا في ضمائر أحرار أمة العرب التي احبها وأحبته.

 

رغم انف كل الاوسلويين ( الأرامل منهم والأيتام واللقطاء وحتى التُّبَّعِ منهم ) ورغم انف المتأمركين، المتصهينين، المتأسرلين والمتخلجنين، ستبقى يا أبو الوطنية، برهانا ملموساً على أن الراية ستظل مرفوعة، وأن ثقافة الهزيمة لن تهيمن على وعي أول الرصاص، ولن تطغى على نشيد أول الحجارة.

 

يرحمك الله يا أبا غسان، ونساله لك ولكل من رحل من المناضلين الصادقين جنات المتقين. الغار والمجد لكم. الخزي والعار لكل المتخاذلين المفرطين الصامتين من تجار الوهم.

 

فلسطين لنا يا فتحي البلعاوي ، نم يا أبو غسان قرير العين ، فعهد الله لن نرحل .