كـتـاب ألموقع

العلاقة بين التطرف والأنظمة السلطوية// د. حسين الديك

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. حسين الديك

 

عرض صفحة الكاتب

العلاقة بين التطرف والأنظمة السلطوية

د. حسين الديك

ستانفورد – كاليفورنيا

 

شهد القرن العشرين تطورا و ثورة كبيرة في ظهور التطرف والإرهاب على مستوى العالم، واستمر هذا التطور في القرن الحادي والعشرين في الإرهاب حتى اصبح إرهابا معولما وعابرا للحدود الجغرافية والسياسية وعابرا للثقافات والايدولوجيات، واستخدمت الجماعات الإرهابية التطور العلمي والتكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي كأدوات فاعلة لجذب الإرهابيين وتنفيذ المخططات الإرهابية في المناطق المستهدفة، ولكن هذا الظهور والتطور للارهاب من حيث الشكل والمضمون كان له الكثير من المحفزات والمرجعيات والركائز الأساسية التي استند عليها في النمو والتطور والوصول الى تحقيق أهدافه وغاياته.

 

فمن حيث الجغرافيا فقد كان الشرق الأدنى والاوسط هو الخزان والمنبع الحقيقي للتطرف والإرهاب، اذ شكل الشرق الأوسط والادنى الساحة الرئيسية والملعب الواسع التي نمت وتطورت وتمددت فيه المليشيات والجماعات الإرهابية المتطرفة، وكان أيضا هو المصدر الأساسي لامداد تلك الجماعات بالشباب والمقاتلين الذين يشكل العصب الأساسي لها، أضاف الى ذلك كان هناك  دول أخرى خارج نطاق الشرق الأوسط والادنى انضم منها الكثير من المقاتلين الى الجماعات الإرهابية المتطرفة، ولكن مع كل ذلك بقي الشرق الأدنى والاوسط هو المصدر والمنبع الأساسي لها، رغم عولمتها وانتشارها في كثير من بقاع الأرض.

 

اذا نظرنا للأسباب نجد ان من اهم الأسباب التي جعلت الشرق الأوسط  والادنى ساحة لتلك الجماعات ومنبعا للشباب الملتحقين فيها، هو ذلك التحالف التاريخي والعميق ما بين الأنظمة السلطوية والمؤسسة الدينية، واستمر هذا التحالف حتى يومنا هذا، اضف الى ذلك مأسسة الفكر المتطرف من خلال العديد من المؤسسات الرسمية والتعليمية والدينية في الشرق الأدنى والاوسط، ويعتبر عامل انتشار الفقر والجهل بيئة خصبة لنمو تلك الجماعات الإرهابية وحافزا قويا للشباب للانضمام اليها، فرغم ان عددا من دول الشرق الأوسط والادنى من اغنى دول العالم الا ان الفساد المنتشر في تلك الدول جعل الشعوب تعيش حالة من الفقر الشديد الذي يعتبر موجها رئيسيا في انضمام الشباب الى تلك الجماعات والمليشيات المتطرفة.

 

ان استمرار تحالف المؤسسة الدينية مع الأنظمة السلطوية في الشرق الأدنى والاوسط  يعني استمرار لنمو وتطور تلك الجماعات والمليشيات المتطرفة، ويعتبر عامل الشرعية عاملا هاما في بقاء واستمرار تلك الأنظمة السلطوية الفاقدة للشرعية، اذ انها تبحث من وقت لاخر لاضفاء الشرعية على نفسها من خلال تحالفها مع المؤسسة الدينية وتسويق نفسها بصبغة دينية مقدسة بان الحاكم هو ظل الله في الأرض وان الخروج عن طاعته هو معصية لله وكل هذا يكون بفتوى رسمية من المؤسسة الدينية الحليفة للنظام السلطوي.

 

 يكمن الحل الوحيد للقضاء على التطرف في الشرق الأدنى والاوسط هو العودة للشعب بتبني نهج الديمقراطية كاساس للحكم وعودة السيادة للشعب من خلال انتخابات حرة ونزيهة ودستور عصري يحترم الانسان وحرياته الأساسية، وضرورة الفصل ما بين السلطة الدينية والسلطة السياسية، واستقلال النظام التعليمي والتنشئة الاجتماعية والسياسية عن سلطة المؤسسة الدينية، وتبني الانفكاك ما بين النظام السياسي والمؤسسة الدينية، وانهاء هذا التحالف العقيم الذي امتد لعقود طويلة بين هذا الثنائي السلطوي الذي أوصل الشعوب والدول في الشرق الأدنى والاوسط الى هذا الدمار والتخلف والفقر والجهل والتطرف والإرهاب.

 

ولا يمكن تجاوز هذه المشكلة في الشرق الأدنى والاوسط دون التركيز على الأساس الفكري والعقائدي لتلك الجماعات والمليشيات المتطرفة ، من خلال نشر ثقافة الحوار وقبول الاخر والحرية الفردية واحترام التعددية اللغوية والثقافية والاثنية والعرقية والدينية ، وهذا بحاجة الى ماسسة داخل المناهج الدراسية في المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، والعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال التنمية المستدامة وتحسين جودة الخدمات ومحاربة الفقر والجهل ورفع مستوى المعيشة للمواطنين، والانفتاح على الاخر والاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي واستثماره لخدمة المواطن واشباع حاجاته اليومية.

 

 

واذا نظرنا الى النصف الاخر من العالم يوجد هناك الكثير من الدول تحكمها أنظمة سلطوية في جنوب شرق اسيا وامريكا اللاتينية ، ولكن لا تنشط فيها المليشيات والجماعات المتطرفة ، والسبب هو انه لا يوجد أي تحالف ما بين المؤسسة الدينية والأنظمة السلطوية الفاقدة للشرعية في تلك الدول، وهذا يبرهن ان الدول التي يوجد فيها ارتباط  وثيق ما بين المؤسسة الدينية والأنظمة السلطوية هي البيئة الخصبة والمنبع الأساسي لتلك الجماعات المتطرفة.

 

ان اهم ما يمكن تأكيده في هذا الاطار ان كل محاولات القضاء على تلك الجماعات في العقود الأخيرة باءت بالفشل ، وهذا يعود الى عدم معالجة الأسباب الحقيقة لظهورها ومعالجة البيئة الحاضنة لها ، اذ يستمر التحالف القائم بين الأنظمة السلطوية والمؤسسة الدينية وهذا من اهم مخرجاته الأساسية ظهور تلك الجماعات المتطرفة ونموها وتطورها واستمرارها.

 

 

ان القضاء على ما اصبح يعرف اليوم بالإرهاب المعولم و العابر للحدود والمجتمعات والثقافات لا يمكن ان يتم الا بانهاء التحالف القائم ما بين المؤسسة الدينية والأنظمة السلطوية وخاصة في الشرق الأدنى والاوسط، وذلك بمعالجة الأسباب الحقيقية لذلك وعودة السيادة للشعب واعتبار الشرعية الديمقراطية هي الأساس لشرعية أي نظام حكم.