اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

هل خسرت إيرانُ العراقَ كشعب؟// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب

هل خسرت إيرانُ العراقَ كشعب؟

علاء اللامي

كاتب عراقي – جنيف

 

تذكير بالأوليات:

دأب كتاب ومثقفون عراقيون، من الوطنيين واليساريين المناهضين للغرب الإمبريالي والكيان الصهيوني، ومنهم كاتب هذه السطور، في كتاباتهم وتصريحاتهم طوال سنوات ما بعد احتلال العراق سنة 2003 على تكرار الموضوعة التي تفرق بين تدخلات وهيمنة إيرانية متصاعدة على القرار العراقي وبين احتلال أميركي مباشر وغير مباشر. وقد استتبع هذا التفريق موضوعات فرعية وتفصيلية منها:

-إن الموقف الرافض للتدخلات والهيمنة الإيرانية لا يعني معاداة إيران دولة وشعبا طالما استمرت بتبني وتطبيق مواقف جريئة وحازمة ضد الإمبرياليات الغربية والكيان الصهيوني وبدعم حركات المقاومة العربية. ورفضوا بالتالي فرض الحصار التجويعي الأميركي المفروض على الشعب الإيراني والتهديد المستمر بشن الحرب على هذا البلد.

 

-إن الحرص على سلامة العلاقات بين البلدين والشعبين هو ما يدعو إلى مفارقة إيران لتبني منطق حماية السلطة القائمة في العراق، وهي سلطة فاسدة وطائفية وتابعة للأجنبي. وهذا الأجنبي ممثلا بالاحتلال الأميركي هو الذي أوصلها بالقوة الغاشمة الى الحكم فنفذت له مشروعه الأسود لتدمير وتفتيت العراق ونهب ثرواته واستمرار تبعية دولته لأميركا سياسيا واقتصاديا وأمنيا. وقد تكرر القول مرات، إن قوة العراق هي قوة لإيران وضعفه ضعف لها، حتى إذا كان ضعفه الراهن يعطي لإيران بعض المكاسب الهيمنية المؤقتة على حساب شعبه. وإن استمرار بقاء النظام الطائفي التابع في العراق، بحماية إيران إلى جانب الحماية الأميركية، أضعف العراق ووضعه على سكة التقسيم والمجاعة والضمور كدولة وحضارة وشعب.

 

-إنَّ عداء الحركة الوطنية التقدمية العراقية، رغم ضعفها وتشتتها الحالي، والتحاق بعض فصائلها بالنظام القائم، ينبغي أن يكون موجها ضد دولة الاحتلال الأميركي دون أن يعني ذلك السكوت على تدخلات وهيمنة إيران، وفي السياق ذاته ضد أية تدخلات أو تواجد عسكري لدول أخرى منها تركيا.

 

سياق الأحداث:

تشي بعض الكتابات حول الحدث العراقي الدامي خلال شهر تشرين الأول من العام الجاري بأن هذا الحدث مفاجئ وجديد وغير متوقع، وهذا أمر غير صحيح مطلقا. فالانتفاضات والتظاهرات التي حدثت خلال الثماني سنوات الماضي تدحضه بشكل واضح. خلال هذه السنوات جرت الأحداث التالية وسنذكر المهمة والكبرى منها فقط:

-بعد سنوات المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأميركي، والتي لا علاقة لها بجرائم تنظيم القاعد وحلفائها ضد العراقيين، منذ سنة 2003، اندلعت تظاهرات واسعة في غالبية المحافظات العراقية في شهر شباط سنة 2011 وبالتزامن ما سمي "الربيع العربي"، وقد قمعتها حكومة المالكي قمعا شديدا فقتل وجرح المئات ونشأت بهذا البيئة المناسبة للتمرد التكفيري الداعشي بعد سنوات قليلة.

 

-تظاهرات أخرى في شهر تموز سنة 2015.

-تظاهرات واعتصامات في سنة 2016 بلغت ذروتها في الدخول إلى المنطقة الخضراء وتم قمعها ولكن ليس بقسوة القمع الذي قاده "رفيق الحرس القومي السابق" عادل عبد المهدي.

-في 2018 خرجت احتجاجات في عدة محافظات في الجنوب والفرات الأوسط، وأكثرها جذرية وعنفا كانت في محافظة البصرة وتم قمعها بقسوة.

-الانتفاضة الحالية مطلع تشرين الأول من هذا العام 2019، والتي أغرقت بالدماء والآلام، حيث سقط فيها قرابة السبعة آلاف متظاهر سلمي بين قتيل وجريح بينهم 165 شهيدا برصاص القنص الحكومي والمليشياوي الرديف للحكومة.

 

 رواية إيران وحلفائها للحدث:

تركزت الرواية الإيرانية التي كررها، مع إضافات كثيرة، حلفاؤها في الفصائل الإسلامية الشيعية الولائية "المتبنية لنظرية وفقه ولاية الفقيه"، على القول إن هناك مؤامرة تحدث في العراق، تقف وراءها جهات أجنبية في مقدمتها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والسعودية وجهات داخلية منها بقايا حزب البعث لإسقاط النظام والإتيان بنظام صديق لواشنطن.

 

وفي التفاصيل، تقول هذه الرواية أن الجهات الأمنية رصدت اتصالات وتحركات للبدء بتظاهرات واسعة، تكون مقدمة للقيام بانقلاب عسكري يقوده جنرال عسكري. والإشارة هنا لا تخفى إلى الجنرال عبد الوهاب الساعدي، قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب، ونائب رئيس الجهاز الذي أقصي من منصبه وأحيل الى دائرة الإمرة في وزارة الدفاع قبل أسابيع قليلة من موجة التظاهرات التي أغرقت بالدماء.

 

هذه الرواية هشة تماما، وتفتقد إلى الصدقية؛ فأولا، لا يمكن اعتبار التخطيط للقيام بتظاهرات سلمية مستقبلا، ووضع موعد محدد لها جريمة أو جناية، أو دليلا على وجود مؤامرة ضد الدولة في جميع أنحاء العالم. أما ربطها بقصة الانقلاب العسكري فهي أكثر هشاشة من التهمة ذاتها، فالجنرال المذكور التحق بموقعه العسكري الجديد، ولم تصدر عنه، لا قبل ولا بعد التظاهرات، كلمة واحدة تؤيد التظاهرات. ولا يمكن احتساب التعاطف الشعبي معه، من بعض قطاعات الرأي العراقي العام، لكونه غير منحاز طائفيا في نظر هذه قطاعات، دليلا على وجود أية علاقة له بالحراك الشعبي؛ دع عنك أن المناطق التي تعاطفت معه ونصبت له تمثالا في مدينة الموصل - أزالته السلطات لاحقا - لم تشهد قيام أية تظاهرة ضد النظام. أما التظاهرات التي شهدتها مناطق الجنوب والوسط العراقي فلم تُرفع فيها أية شعارات مؤيدة له، أو صور أو غير ذلك. وأخيرا، فهو نفسه لم يُتهم رسميا بأية نية أو فعل للقيام بانقلاب عسكري، ولم يُعتقل أو يتم التحفظ عليه، بل ما يزال حرا طليقا يمارس عمله شأنه شأن رئيسه الجنرال طالب شغاتي في الجهاز. وعرضا نذكر أن هذا الجهاز شكلته ودربته وسلحته القوات الأميركية خلال سنوات الاحتلال الأولى والذي - في المناسبة - يحمل الجنسية الأميركية وما يزال يقود الجهاز.

 

أما الاتهامات لبقايا حزب البعث فليس هناك دليل واحد ملموس عليها داخل العراق باستثناء تظاهرات واعتصامات صغيرة قامت بها الجاليات العراقية في الخارج وشاركت فيها عناصر من اللاجئين البعثيين إلى جانب عراقيين من مختلف الاتجاهات والميول. ولا ندري كيف أمكن - بحسب الرواية الإيرانية والحكومية العراقية - لحزب عاجز عن قيادة تظاهرة صغيرة في معاقله التقليدية غرب العراق، أن يقود تظاهرات كبرى في مناطق الجنوب والوسط التي تنظر إليه كعدو وبسبب الآلام التي ألحقها بالملايين من السكان وماتزال آثار شبكة مقابره الجماعية فيها قائمة حتى اليوم؟

 

وأخيرا، فهل ثمة دحض لهذه الاتهامات مجتمعة، أقوى من حقيقة أن أقطاب النظام نفسه تخلوا عنها، وفندوها عمليا حين عمَّد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي ضحايا التظاهرات كشهداء يستحقون التعويض وإعلان الحداد عليهم لثلاثة أيام. وكان عبد المهدي، ورئيس الجمهورية برهم صالح والمرجعية الدينية السيستانية قد برأوا وكل على حدة، ساحة المتظاهرين من هذه الافتراءات. فقد قال عبد المهدي في خطابه الذي أعلن فيه الحداد على مقتل وجرح الآلاف من الشباب (أقولها بصراحة: أننا وفقا لمعطياتنا الراهنة لا نتهم اية دولة تربطنا بها علاقات صداقة أو تعاون، ولا اية قوة سياسية معروفة أو أحزاب أو وسائل إعلام، فهذه كلها لها مصلحة باستمرار الهدوء والاستقرار في البلاد والحفاظ على أمننا ونظامنا السياسي). أما رئيس الجمهورية برهم صالح، فقد قال قبله بيومين (إن من أطلق النار على المتظاهرين خارجون على القانون واعداء لعراق)! أليست هذه ترئة كاملة لساحة المتظاهرين ومن دافع عنهم وعن دمائهم قبل وبعد المجزرة؟

 

قراءة أخرى:

ثمة أيضا قراءة مختلفة وغير منتجة ولا هي موضوعية للحدث العراقي وهي التي تناقشه بطريقة مشابهة، أو قل هي نفسها التي يناقش فيها الوضع والنزاعات الطائفية المتأصلة في لبنان دون الأخذ بنظر الاعتبار أن الطائفية السياسية في لبنان واقع قائم وراسخ منذ قيام الدولة اللبنانية، بل وحتى قبل قيامها، أما في العراق فهي حالة طارئة فرضها الاحتلال الأميركي وحلفاؤه المحليون بهدف تدمير العراق وتفتيته طائفيا وقوميا، ويمكن أن تزول - هذه الحالة الطارئة - بمجرد زوال هيمنة الأحزاب الإسلامية الشيعية ورفع الحماية عنها، وقد وجدتْ إيران الإسلامية الشيعية في هذه الحالة ضالتها الاستراتيجية والأيديولوجية، فقامت بدور الحامي لهذا النظام لأن حكامه أو المهيمنين عليه من الإسلاميين الشيعة كما هي الحال في إيران. كانت هناك مناسبات تسابق فيها السفيران الإيراني والأميركي لإفشال أي مسعى عراقي استقلالي كما حدت مثلا في الاعتصام البرلماني للأغلبية النيابية والذي استهدف إسقاط الرئاسات الثلاث القائمة على أساس المحاصصة الطائفية في نيسان 2014 حتى تم إفشاله فعلا!

 

علاقة إيران بالحدث:

أعتقد أن من الأمور الجوهرية التي ينبغي التوقف عندها في هذا الحدث هو علاقة إيران به فقد اتخذت إيران موقفا معاديا للحراك الشعبي ومحرضا ضده، ومدافعا عن النظام، على أعلى المستويات السياسية والدينية. فالمرشد الإيراني خامنئي وصف التظاهرات في تغريدة له بـ (التآمر الذي لن يبقى له أثر)! أعتقد أن هذا الموقف الإيراني الرسمي الحامي لنظام القمع والتبعية سينتهي بخسارة إيران للعراق كشعبٍ وإلى زمن غير منظور، وسيترك جرحا غائرا في العلاقة بين الشعبين الجارين والدولتين.

 

وقد كرر كتاب عرب وعراقيون الاتهامات السالفة الذكر، وزادوا على الطرف الأميركي والإسرائيلي دولا أخرى كقطر والسعودية، والسؤال هنا على افتراض صحة التحركات الأجنبية ضد النظام العراقي ومع الانتفاضة الشعبية، وهي افتراضات دحضها الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية الأميركي بومبيو ورئيس مجلس الوزراء العراقي عبد المهدي في سادس يوم للمذبحة والذي أكد فيه –بومبيو – على دعم بلاده للحكومة العراقية وعلى قوة واهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين كما ورد في الأنباء، السؤال هو: ترى ما علاقة، وبالتالي ما مسؤولية المتظاهرين العراقيين ولجانهم التنسيقة عما تفعله دول وقوى خارجية؟  وهل يمكن أن يؤكد لنا أيٌّ كان وجود تأثير للقطريين والأتراك والأميركيين والسعوديين والإماراتيين على الحدث العراقي الأخير؟ هل قرأ أحدكم شيئا في الإعلام العراقي الرسمي وغير الرسمي عن هذا التأثير؟ في الواقع كان الموقف الأميركي واضحا في انحيازه للنظام وخصوصا في تأكيدات وزير الخارجية بومبيو خلال اتصاله الهاتفي بعبد المهدي في اليوم السادس للمذبحة والذي أكد فيه على "قوة وعمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين" ودماء شهداء التظاهرات لما تجف بعد! فهل كانت واشنطن ستتأخر أو تتهاون في التحرك ضد النظام العراقي لو كانت لها أدنى علاقة أو تعويل على هذا الحراك الشعبي؟ أليس الأصح القول إنها كانت مرعوبة مثل القيادة الإيرانية من تصاعده واحتمال إطاحته بالنظام القائم؟

 

الغائب الأكبر:

وأخيرا، فقد كان الغائب الأكبر في مداخلات الرفاق والزملاء العرب من غير العراقيين، حول هذا الحدث الرهيب، هو التعبير عن التضامن مع الشباب العراقيين السلميين، أو في الحد الأدنى التعبير عن الأسف لسقوط هذا العدد الهائل من القتلى والجرحى خلال ستة أيام! وفي هذا الغياب إسارة قاتمة إلى ما وصلت إليه القوى الديموقراطية والتقدمية العربية وعموم الجماهير الشعبية من تشتت وتراجع لتقاليد التضامن والدفاع عن تطلعات الشعوب وحركتها الشعبية السلمية.

 

مستقبل العلاقات العراقية الإيرانية:

إن العلاقات العراقية الإيرانية قد تستمر بذات الحميمية والقوة بين الحكومتين والنظامين القائمين في البلدين لفترة، بعد ان يتم احتواء الانتفاضة الشعبية الأخيرة وتداعياتها، ولكن الأكيد هو أن العلاقة بين الشعبين الجارين قد تعرضت لرضوض وخروقات جسيمة، وستترك هذه الرضوض والخروقات آثارها لزمن طويل على نظرة العراقيين الى إيران ودولتها، وأن مَن يتحمل مسؤولية ذلك هو النظام الإيراني بموقفه السلبي والتحريضي ضد انتفاضات وتظاهرات العراقيين ضد نظام الحكم الفاسد في بلادهم. إن خسارة إيران للعراق كشعب لن تشبه خسارتها لأي شعب آخر، وربما تكون قد خسرت نصف معركتها مع الغرب والكيان الصهيوني بذلك، بل وربما تدفع بمواقفها هذه قطاعات واسعة من الشباب العراقيين الى مواقع الخصم مستقبلا وهذه مسؤولية خطيرة ترقى إلى مستوى الخطيئة.

 

وحتى إذا لم يفلح أبناء الرافدين في انتفاضتهم هذه في اقتلاع النظام المتحصن في المنطقة الخضراء ببغداد، ويتم طرد القوات الأجنبية الأميركية ومعها النفوذ الإيراني، فإن المعركة ستتكرر، والهجوم الشعبي السلمي سينطلق مجددا بعد أشهر أو سنوات قليلة وبصورة أشد قوة وحزما لأن الأسباب التي أدت لانتفاضة تشرين ماتزال قائمة وتتفاقم سوءا!

 

الطائفية السياسية بين لبنان والعراق:

وفي مناسبة التظاهرات الواسعة التي انطلقت في لبنان خلال الشهر الجاري، وفي ضوئها الباهر، يمكن القول إن ثمة فرق مهم وجوهري، لاحظته من خلال متابعتي لوقائع التظاهرات في لبنان طوال يوم الجمعة 18 تشرين الأول، مقارنة بما حدث ويحدث في العراق، هو أن العراقيين المعارضين للنظام وحتى من داخل النظام دأبوا على نقد "الطائفية السياسية" والمطالبة بإنهاء المحاصصة الطائفية. ومن الطبيعي أن يكون رفض الرسميين العراقيين للطائفية السياسية كذبا وخداعا ينتشر خصوص في المواسم الانتخابية، لأنهم لا يستطيعون الانتحار السياسي. أما في لبنان فالأمر شبه محرَّم في هذا الخصوص، ومن يقترب نادرا من أسس النظام الطائفية، ومن معادلتها شبه المقدسة "اتفاق الطائف"، يهاجمه الجميع في أحزاب الموالاة والمعارضة، وغالبية جمهور الطرفين، ويتهمونه بتهديد ما يسمونه في النثر السياسي اللبناني العيش أو التعايش المشترك والذي لا يعني سوى "تعايش القطط السمان من الطبقة اللصوصية السائدة"...

 

لا بل أن المادة الوحيدة في اتفاق الطائف والتي تسمح أو تشجع على إلغاء الطائفية السياسية في لبنان بموجب آليات منصوص عليها، وهي المادة "95"، مستهدفة بالتعديل من قبل الرئيس الحالي ميشيل عون وحزبه الذي بات يحاول استعادة الهيمنة الطائفية "1"، يطالب بالانتقال الى صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في الحكم لأسباب انتخابية. ولعل الرئيس اللبناني الوحيد الذي حضَّ مجلس النواب على تفعيل هذه المادة هو الراحل إلياس الهراوي. ففي سنة 1998 طلب الهراوي في رسالة رسمية وجهها إلى مجلس النواب تأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية "2"، ولكن المجلس لم يستمع إليه وأهمل طلبه. لاحظتُ مثلا في كل ما بثه الإعلام اليوم من لقاءات وتحليلات لساسة وصحافيين وأكاديميين لم أسمع من دعا لإسقاط صيغة الحكم الطائفي في لبنان أو تفعيل وتطبيق المادة "95"! ربما باستثناء حالة واحدة بثتها قناة البي بي سي البريطانية لمتظاهر شاب لبناني هتف بسقوط النظام الطائفي وضد المحاصصة الطائفية في كلمة قصيرة له، وهذا ربما يؤكد ما ذكرته في مقالتي التعقيبية على رئيس تحرير "الأخبار" إبراهيم الأمين "3"، من أن ثمة فرقا جوهريا بين الحالة الطائفية السياسية الراسخة في لبنان قبل قيامه كدولة مستقلة، وبين الطائفية السياسية في العراق المحتل اميركيا سنة 2003 حيث فرضت كنظام حكم فرضا على المجتمع والدولة من قبل الاحتلال الأمريكي وعملائه المحليين، والأدق، عملائه الذين جاء بهم معه من الخارج! ففي لبنان جرى اعتماد التوزيع الطائفي للسلطة في عهد الإمبراطورية العثمانية، منذ إنشاء منطقة جبل لبنان الإدارية خلال القرن التاسع عشر، كما يخبرنا الباحث جوزيف باحوط "4"، (باعتبارها نواة لبنان الحديث. وقد تبنّى نظام الحكم الذي تم استحداثه بعد الحرب الأهلية في جبل لبنان في العام 1860، (المتصرفية)، الطوائف الدينية المختلفة باعتبارها أطرافاً سياسية فاعلة. وفي مرحلة ما بعد العام 1860، وتحت سلطة الوالي العثماني المسيحي غير العربي المعروف، تم إنشاء مجلس إداري خُصِّصت فيه مقاعد للطوائف الدينية الست الرئيسة في جبل لبنان)،

 

إن وجهة النظر هذه، لا تسقط تماما واقع وجود الانقسام المجتمعي الديني والطائفي في العراق، والذي هو واحد من أقدم المجتمعات التعددية والمتنوعة، ولا يلغي وجود نزعة طائفية في فترات معينية في أوساط الحكم، ولكن النزعة الطائفية، والانقسام والتنوع المجتمعي، في العراق شيء، والتنظيم الطائفي السياسي على مستوى الحكم في لبنان منذ القرن التاسع عشر شيء، آخر ومختلف في العمق والنوع الاجتماعي.

 

وعموما، وسواء تعلق الأمر بالطائفية السياسية الراسخة في لبنان وغيره، أو بنسختها الطارئة والمفروضة من قبل الاحتلال الأميركي وعملائه في العراق، فإن أية قفزة على هذا الواقع، وعدم جعل الطائفية السياسية هدفا أول للحراك الشعبي بهدف إزالتها، وتغيير النظام ببديل يقوم على أساس دولة المواطنة الحديثة والمساواة بين المواطنين وفصل الأديان والمذاهب عن تنظيم وإدارة الدولة، لا تعني سوى قفزة في حلقة مفرغة وعودة أكيدة إلى النظام الطائفي السابق لهذا الحراك!

 

خلاصة:

تتحمل طهران مسؤولية ضخمة عما لحق بالعلاقات بين الشعبين العراقي والإيراني من ضرر بالغ، تحول، بمرور الوقت وتراكم التدخلات، إلى مناهضة وعداء لإيران في الشارع العراقي المنتفض اليوم! فلم يأتِ هذا العداء من فراغ بل هو حصيلة تراكمت طول السنوات الماضية، عملت خلالها إيران في تنافس علني وشبه علني وغير علني، مع دولة الاحتلال الأميركي على حماية نظام المحاصصة الطائفية وأحزابه وقادته، وتدخلت تدخلا مباشرا في مناسبات عديدة لحماية هذا النظام ربما كانت أوضحها إفشال الاعتصام البرلماني في نيسان 2014 حين راح سفيرها يتسابق مع السفير الأميركي لإفشال الاعتصام حتى أفشل، وفي عدائها وتحريضها ضد تظاهرات تشرين الأول التي أغرقت بدماء المتظاهرين السلميين.

والدافع لكل ما جرى ويجري اليوم هو الأنانية القومية والطائفية والخطأ الاستراتيجي لحكام إيران، والذي جعلهم يأخذون بخيار إبقاء العراق ضعيفا مضمخا بدماء أبنائه على عراق قوي ومستقل ذي سيادة فخسروا لعبة التاريخ والجغرافيا!

 

1- سعد الله مزرعاني - الأخبار - عدد 12 تشرين الأول 2019.

2-نقولا ناصيف - الأخبار - 6 آب 2019.

3- علاء اللامي –الأخبار – 18 تشرين الأول 2019

4- تفكّك اتفاق الطائف في لبنان – جوزيف باحوط – نشرة موقع مؤسسة كارنيغي. 1 أيار 2016

*كاتب عراقي – جنيف

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.