كـتـاب ألموقع

الكاظمي بعد مائة يوم: أنجز من وعوده 7 بالمائة أم أقل!// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 

عرض صفحة الكاتب 

الكاظمي بعد مائة يوم: أنجز من وعوده 7 بالمائة أم أقل!

علاء اللامي

 

في بادرة هي الأولى من نوعها في الصحافة الرقمية العراقية ربما، قام الزملاء في هيئة تحرير "العالم الجديد" من خلال قسم أطلقوا عليه اسم "الكاظمي ميتر" بتقدم تقرير استقصائي إحصائي حديث ومبسط ويتميز بالجرأة ومقاربة الحقائق والأرقام التي لا يجرؤ الآخرون على مقاربتها، تقرير يستقرئ إنجازات وإخفاقات الحكومة العراقية الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي بمناسبة مرور مائة يوم عليها. هذه قراءة تدقيقية وتساؤلية في هذا التقرير:

 

 معلوم أن طريقة وضع السؤال تقود، وبطريقة لا إرادية أحيانا وإرادية غالبا، إلى نوع الإجابة، بمعنى أننا نساهم بصياغة الإجابة وإرغام المجيب على الأخذ بها أو بجزء منها أو بوحي منها، وبالتالي تنخفض نسبة الموضوعية والتوازن فيها. والعلاج في هذه الحالة يكون بالتقليل من سعة السؤال وجعله أكثر ملموسية وتحديدا. هذا التحفظ ينطبق أيضا على ماهية المفردات والمصطلحات المستعملة فحين نقول كلمة " وعود " يجب أن نعني بها الوعد المحدد والمصرح بها رسميا لهذا المسؤول أو ذاك وليس اعتمادا على تصريحات تلقائية وسريعة قد تأخذ شكل إجابات على أسئلة طارئة. فمثلا هل يمكن أن نعتبر عدم المساس برواتب المتقاعدين وعدا تم تحقيقه كإنجاز؟ ولماذا يكون عدم المساس بها إنجازا وهي أمر طبيعي لا يجب التوقف عنده؟ وكمثال توضيحي هل يمكن أن نعتبر عدم تدمير ملوية سامراء أو عدم بيع حقول النفط العراقية للشركات المتعددة الجنسية إنجازا أم إنها أمور طبيعية ولا علاقة لها بالإنجازات؟

 

يسجل التقرير أن الكاظمي حقق إنجازين بشكل كامل الأول هو عدم المساس برواتب المتقاعدين وقد توقفنا عنده، والثاني هو تحديد موعد الانتخابات وهذا، إذا توخينا الدقة والعمق، ليس إنجازا بل وعدا جديدا والإنجاز الحقيقي هو إجراء الانتخابات من قبل حكومة مؤقتة تشكلت من اجل هذا الهدف ويجب بالتالي أن لا يكون من حق رئيسها ووزرائها المشاركة في الانتخابات كمتنافسين كما جرى العادة والعرف الديموقراطي في جميع التجارب الانتخابية في العالم.

 

نأتي الآن الى الوعود التي يعتقد التقرير أن الكاظمي قد حققها جزئيا: والوعد الأول هو "تعزيز ثقة المواطن بالعملية الانتخابية" لا أدري ما هو المقياس الذي تم اعتماده هنا لإطلاق هذا الحكم حتى لو كان نسبيا " وجزئيا"؟ وكيف نتأكد من أن المواطنين أو نسبة مهمة منهم تعززت ثقتهم بالانتخابات. هل عدل قانون الانتخابات بشكل مرضٍ أو قانون الأحزاب بشكل يمنع السماح للأحزاب والمليشيات الطائفية من خوض العمل السياسي وتقسيم المجتمع طائفيا تمهيدا لتقسيم العراق؟ هل تمت الموافقة على انتخابات يدوية لتفادي التدخلات الخارجية وخصوصا الأميركية في نتائج الانتخابات ونسب المشاركة فيها؟ هل تم التأكد من استقلالية القضاة المنتدبين الى مفوضية الانتخابات وتم التدقيق بأسماء من قيلت بحقهم تحفظات وتشكيكات بعدم الاستقلالية؟ دون الإجابة على هذه الأسئلة يبقى القول بأن الثقة قد تعززت لدى المواطن بالانتخابات مجرد رغبة إيجابية وطموح شريف وليست واقع حال!

 

أما التحقيق الجزئي لوعد "تطوير العلاقات الخارجية" فهناك أكثر من دليل على عكسه فالعدوان التركي العسكري على الأراضي العراقي بلغ درجة خطيرة قتل فيه قائدان عسكريان عراقيان وجندي، والزيارة إلى السعودية لم تتم، والعلاقات مع الكويت دخلت في طور خطير بعد رفض الكويت لمشاركة العراق في مؤتمر الحدود البحرية واتهاماها للعراق بالابتزاز ثم جاء الاعتذار العراقي لها ليزيد الطين بلة ويفتح شهيتها لإغلاق الطلة البحرية العراقية الصغيرة نهائيا والسيطرة على القناة الجافة العراقية وإطلاق رصاصة الحمة عليها وعلى ميناء الفاو الكبير الذي يعرقل الفاسدون في الجهاز الحكومي العراقي تنفيذه منذ أكثر من عقد. اما العلاقات الإيرانية والأميركية فهي على حالتها إذا لم تكن قد ازدادت سوءاً وأصبحت الطلبات والشروط الأميركية أكثر صلافة وعنجهية وتدخلا في الشأن العراقي لدرجة تحويل الحكومة العراقية الى حارس خفر دفاعا عن سفارتها العملاقة وقواعدها العسكرية التي تقول إنها جاءت لحماية العراقيين وها هي تريد من العراقيين حمايتها من عراقيين آخرين لا يريدون بقاءها! فأين ومتى تطورت العلاقات الخارجية للعراق؟

 

 يمكن ان يكون الإنجاز الوحيد الذي حققه الكاظمي بحسب تقرير "العالم الجديد" وهو اعتقال ثلاثة عسكريين اتهموا بقتل المتظاهرين السلميين في ساحة التحرير ببنادق الصيد، وحتى هذا الإنجاز لا يحسب على وعود الكاظمي التي أعلنها بعد تكليفه ومنحه الثقة، لأنه تعهد بكشف قتلة المتظاهرين السلميين قبل أن يصل الى رئاسة الحكومة، ومعلوم انه كان رئيسا لجهاز المخابرات، وهو منصب يسمح له بمعرفة الكثير في هذا المجال فهل كشف أحدا منهم أو حقق معه أو قدمه إلى القضاء؟ وحتى بخصوص المنتسبين الثلاثة ذوي بنادق الصيد، والجريمة التي ارتكبوها بعد تقديم تلك الوعود لا قبلها، فهل نعرف ماذا حدث لهم؟ وهل سيقدمون الى القضاء وكيف ومتى؟ وهل تم تقديمهم أصلا كأكباش فداء للتضحية بهم وإنقاذ الرؤوس الكبيرة من القتلة خلف الكواليس وفي مقدمتهم عادل عبد المهدي وقيادة الحرس الرئاسي الخاص؟

 

أما الوعد الأخير، الذي تقول "العالم الجديد" أنه تحقق جزئيا، وهو " السيطرة على المنافذ الحدودية" فهو إنجاز حقيقي فعلا ولكنه لم يشمل جميع المنافذ الحدود بل اقتصر على القليل منها وظلت منافذ الشمال تحت سيطرة بيشمركة البارزانيين والشمالية الشرقية تحت سيطرة بيشمركة الطالبانيين، هذا أولا، وثانيا فنحن لا نعرف ولا أحد يستطيع ان يضمن لنا أن القادمين الجدد لإدارة المنافذ الحدودية لن يغرقوا في الفساد مثل سابقيهم ... هل نعتمد على حسن الظن والثقة؟ لقد جربنا هذا الدواء طوال سبعة عشر عاما ولكننا وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن: شعب على حافة المجاعة ودولة على شفى الإفلاس المالي ووطن على شفير التقسيم وساسة ومسؤولون لصوص متحالفون مع الأجنبي يقتلون الشباب ليبقى الحال على ما هو عليه!

 

استنتاجات عامة:

1-من الواضح ان العوامل التي أدت إلى تشكيل حكومة الكاظمي ومنحها الثقة وفي مقدمتها "التوافق الأميركي الإيراني" هي التي عرقلت وتعرقل أي تقدم لها أو تطبيق لما أطلقته من وعود. فالإيرانيون وحلفاؤهم في أحزاب ومليشيات الفساد وافقوا أو توافقوا على مضض ومن نقطة ضعف جيوسياسية عارضة، وهم يحاولون عرقلة تنفيذ أي وعد من وعود الكاظمي من شانها أن تقص أجنحتهم او تؤدي ببعضهم إلى المحاكم أو تشفط شيئا من وزنهم النيابي في انتخابات قادمة، وكلما حاول الكاظمي أن تقدم خطوة أرجعوه الى الوراء خطوتين. ولهذا سيكون مرجحا جدا أن يبقى الكاظمي يراوح مكانه محاطا بالخطوط الحمراء، وبعدها سيقال أو يدفع الى الاستقالة أو قد يحدث له حادث دراماتيكي - في حال خرق الخطوط الحمراء - ينهي عهد حكومته لنعود الى الفوضى ذاتها وأجواء القمع والقتل التي لم تتوقف حتى في أيامه المائة.

 

2- أثبت الكاظمي أنه ابن نظام حكم ما بعد 2003 النجيب والمطيع، فهو نتاج هذا النظام، ورئيس جهاز مخابراته السابق وليس نتاجا لانتفاضة تشرين البطولية كما يزعم بعض المشبوهين من مرتزقة المنظمات والشبكات الأجنبية والإعلاميين البياعة والمتسلقين على دماء وعظام الشهداء الأماجد. وقد أثبت أنه ابن النظام وحليف الاحتلال الأميركي حتى في اختياره لبعض المسؤولين والمقربين منه من رجال حاكم العراق بول بريمر من أمثال موفق الربيعي وفي قفزه على اهم الوعود التي أطلقها ألا وهي الكشف عن قتلة المتظاهرين السلميين وهم زهاء السبعمائة وآلاف الجرحى والمفقودين والمعوقين.

 

3-لما كان ترامب مشتبكا بوضعه الداخلي وانتخاباته الرئاسية القادمة وتداعيات جائحة كورونا فهو لن يهتم كثيرا بمصير الكاظمي وحتى نظام المحاصصة الطائفية، ولا يستبعد أن يطلق تصريحا مفاجئا ذات يوم يسحب فيه القوات الأميركية من العراق، والتعويض على إسرائيل - التي ستشعر يقينا بالقلق من هذا الانسحاب- بعوامل قوة أخرى فالقوات الأميركية في العراق لها هدف واحد صرح به جنرالات إسرائيل وقالوا أنها " جدار صد وحماية لنا من إيران!

 

4-المعادلة السياسية القائمة الآن دقيقة وحرجة وليس من الوارد كسرها بقرار من احد الطرفين رغم رغبة الطرف الأميركي بتحقيق فوز سريع في بعض ملفاتها ولهذا من المرجح أن يستمر التفسخ العام واستشراء الفساد وستكون معركة الانتخابات المبكرة ومستلزماتها مجرد جولة لتسجيل النقاط لن تغير شيئا من واقع الحال وسيكون خيار تفكيك النظام بهدوء من قبل أحد جناحي النظام " جناح الكاظمي" خيارا عبثيا لا معنى له وسيبرز خيار تجديد انتفاضة تشرين السلمية هو الخيار الوحيد الممكن أمام الوطنيين الاستقلاليين العراقيين بعد أن يكونوا قد استوعبوا درس المراهنة على التغيير بواسطة أحزاب ورجالات النظام نفسه...ولا حل إلا بحلها ... أعني: العملية السياسية الأميركية والهيمنة الإيرانية عبر أحزاب ومليشيات الفساد.

 

*رابط يحيل الى تقرير إحصائي في "العالم الجديد" الإلكترونية البغدادية:

https://al-aalem.com/news/57242-