اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

كافكا الآخر/ قراءة جديدة في رسائل كافكا: ج2// علاء اللامي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علاء اللامي

 عرض صفحة الكاتب 

كافكا الآخر/ قراءة جديدة في رسائل كافكا: ج2

علاء اللامي

 

نقدم الآن عرضا مكثفا لرسائل كافكا التي ورد فيها ذكر فلسطين أو الحركة الصهيونية، في محاولة لوضع هذه الرسائل في سياق تاريخي أكثر اقترابا من الواقع، علما بان هناك رسائل كثيرة لا يرد فيها ذكر هذين الموضوعين مع أن هذه الرسائل جميعها، من وجهة نظرنا، وسواء ورد فيها أو لم يرد ذكر هذين العنوانين، ليست بالأهمية التي نُظِرَ بها إليها.. نسجل أيضا، أن الرسائل الشخصية وخصوصا تلك التي لم يرسلها كاتبها تظل ضمن دائرة الأمور الشخصية الحميمة والتي كان ينبغي احترامها أو على الأقل احترام رغبة مَن كتبها ولم يرسلها لسبب ما فتوجب أن تبقى بالتالي ملكا لكاتبها، وهذا أمر لم يفعله ماكس برود مباشرة، بل باع قسما منها للمشترين، وهو الذي فعل بصديقه الأفاعيل بعد موته ومسخه مسخا تاما خدمة لأغراضه السياسية المتعصبة. أدناه عرض سريع برسائل كافكا إلى خطيبته فيليس باور قبل انفصالهما النهائي عن بعض والتي ورد فيها ذكر فلسطين أو الصهيونية وسنهمل الكثير من الرسائل والبطاقات البريدية وهي كثيرة التي لم يرد فها ذكرهما:

- بتاريخ 20 أيلول 1912: رسالة طويلة /يعرف كافكا بنفسه للمرسل إليها، لأنه يرجح أنها لا تتذكره، ولذلك يحاول تذكيرها به، وبأول لقاء لهما بحضور آخرين، ثم يذكرها بوعدها بمساعدته ومرافقته في رحلة إلى فلسطين وينصحها بأن يستفيدا من كل دقيقة من عطلتهما وهي كما يقول "قصيرة جدا بكل المعايير".

 

-رسالة أخرى متوسطة الطول مؤرخة في 28أيلول 1912 ليس فيها إلا سؤال عرضي واحد قال فيه مستدركا أو مُذَكِّرا، (ولكن آه، ماذا حصل بالنسبة للسفر إلى فلسطين؟ أ في المستقبل القريب أم في المدى البعيد؟ خلال الربيع القادم أم في الخريف ربما؟)

-       رسالة مؤرخة في 2 أيلول 1913 متوسطة الطول كتبها بعد نوبة قوية من الصداع جعلته كما قال في الرسالة "يمرغ رأسه في عشب الحديقة"، في هذه الرسالة يكتب كافكا " بأنه سيسافر إلى فيينَّا يوم السبت، وسيبقى هناك إلى السبت الذي يليه. وفي الهامش، يخبرنا إلياس كانتيني، مقدم الرسائل، بأن كافكا لم يخبر فيليس المرسل إليها بأنه سيسافر إلى فيينا لحضور الاجتماع الحادي عشر للمؤتمر الصهيوني، ويصف تصرف كافكا هذا بأنه "بعيد عن اللياقة" ثم يعود كانتيني ليقدم شهادة مهمة جدا مفادها أن كافكا (كان سلبيا خلال المؤتمر الصهيوني الذي حضره، حيث وصف الأيام الذي قضاها هناك بأنها أيام عصيبة، وبأن المؤتمر والناس المشاركين فيه لم يكونوا محتملين بالنسبة له، فأهملهم وحاول التسلي بكتابة بعض يومياته، ثم ترك كل شيء وسافر إلى مدينة البندقية للسياحة).

- بطاقة بريدية قصيرة بتاريخ 9 أيلول 1913 من فيينا يخبرها فيها أنه ذهب إلى المؤتمر الصهيوني على عكس ما قاله كانتيني من انه أخفى ذلك عنها وقال لها أيضا أنه لم يكن له احتكاك مباشر بالمؤتمر.

- في رسالته المؤرخة في 12 تشرين الأول 1912 والطويلة نسبيا لا نعثر إلا على جملة واحدة يرد فيها ذكر فلسطين بعد كلام طويل عن أشواقه للقاء حبيبته ومشاعره نحوها ولهفته لوصول جواب منها، هذه العبارة تقول (هل يمكن لرسالتي أن تظل محجوبة عنك بسبب سفرك الوشيك إلى فلسطين؟)  ويمكن لنا أن نفهم من هذه الكلمات ان الآنسة باور ربما تكون قد قررت أخيرا السفر إلى فلسطين بمفردها.

-       وفي رسالة أخرى لها مؤرخة في 27 تشرين الأول 1912 وهي طويلة وتقع في ثلاث صفحات ونصف، نقرأ شيئا له علاقة بيومياته و بمعلوماته عنها وهو حين يكتب لها انه علم بأنها تعلمت اللغة العبرية في طفولتها، وانه كان يفضل لو أنها لم تشر إلى ذلك، بل وهو لا يخفي سروره حين فشلت ذات مرة في ترجمة كلمة " تل أبيب " ويخبرها أيضا بأنه لاحظ إنها كانت تود التأكيد على انها صهيونية وهذا يناسبه كثيرا ... ثم ترد جملة أخرى ورد فيها ذكر فلسطين وتقول (نوقشت الرحلة إلى فلسطين، وآنذاك رغبت في مصافحة يدي، إنني ما أزال أتذكر بدقة الطريقة التي اعتمرت قبعتك  بها، كانت القبعة عرضة تقريبا وبيضاء  اللون...) نقرأ أيضا أن الطقس الماطر حرمه ذلك اليوم من القيام بنزهته اليومية في الطبيعة.

 

-       رسالة قصيرة ذات تاريخين تخمينيين خارج الصدد تماما.

-       رسالة قصيرة مؤرخة من 17- 18 شباط 1913 خارج الصدد يخبرها أنه غير قادر على قطع الحبل الذي يربط بينهما لأنها صارت جزءا منه...الخ

-       وفي رسالة طويلة مؤرخة في 27 / 28 شباط 1913 يروي كافكا للمرسل إليها انه قابل طالبا من معارفه وكان (صهيونيا شديد الإحساس حاد الذكاء ونشيط وأنيس) وانه وجده (مضطربا، أوقفني ودعاني إلى اجتماع هام ومسائي وفي تلك اللحظة كانت لا مبالاتي نحوه كشخص أو لأي شكل من أشكال الصهيونية هائلة ولم يكن بإمكاني العثور على طريقة اجتماعية معقولة لأقول له وداعا ...) يبدو كافكا واضح السلبية من الصهيونية، حتى أنه ترك الرجل دون وداع، وحتى هنا لا يمكننا، ولا يمكن لغيرنا توظيف هذه الرسائل بأي اتجاه محدد إلا من خلال قراءتها ضمن سياقها الخاص والتاريخي كأشياء شخصية وحميمية لا تصلح لتكون دليلا حاسما على شخصية أديب ما وعلى أدبه.

-       رسالة قصيرة في 18 آذار 1913 يخبرها فيها أن هناك عقبة أمام قيامه بالرحلة وهي رسالة خارج الصدد كما يرى المترجم، ولا ندري إن كان المقصود هو المترجم العربي أم الأجنبي الذي ترجم الرسائل من الألمانية إلى الفرنسية أما إلياس كانتيني فيعتبر الرسالة ذات علاقة بسفر كافكا إلى فلسطين.

-       وفي رسالة قصيرة بتاريخ 29 /30/ نيسان 1913 يخبر كافكا المرسل إليها بأنه دعي لمشاهدة مسرحة بلغة يهود أوروبا " اليدش " وبأنه أسرع بالخروج من المسرحية قبل نهاية العرض ليرسل لها تلك الرسالة.

-  تلي ذلك أربع رسائل مختلفة الأطوال وخارج الصدد، فخامسة موجهة من والدة كافكا إلى والدة الآنسة فيليس باور وهي خارج الصدد أيضا، ثم رسالة مؤرخة في 26 أيلول 1926 ترد فيها جملة واحدة تقول (أصدقاؤك وأخواتك وأمك ما هو موقفهم من بيت الشعب اليهودي؟)

- وفي رسالة بتاريخ 5 تشين الأول 1916 ترد الجملة لتالية (هل تعرفين هذا الاسم؟ انه يلعب دورا هاما في الصهيونية. هوغو بيرغمان)

- وفي بطاقة بريدية مؤرخة في 7 تشرين الأول 1916 يعلق فيه على قول أحد الكتاب أن هناك شيء ما ألماني وجوهري في أدب كافكا القصصي ويقرنه بما كتبه ماكس برود الذي قال (إن قصص كافا تقع ضمن أكثر الوثائق اليهودية النموذجية في عصرنا) فيعلق كافكا بسخرية مريرة (مسألة صعبة، هل أنا خيَّال في سيرك امتطي جوادين؟ وا أسفاه! فأنا لست خيّالا ولكنني أتمدد على الأرض منهكا) واضح أن كافكا يسخر هنا من محاولة برود زجه ضمن الأدب اليهودي والصهيوني، ويبدو أن هذه هي أول محاولة مبكرة لبرود في هذا الصدد. يمكن لنا هنا، على جهة التحديد والحصر، تلمس جذر تلك المحاولة التي استغرقت كل نشاط وحياة ماكس برود. ولكن من الواضح أن كافكا لم يكن وقتذاك يستطيع أن يخمن المدى الذي سيصل إليه صديقه فيما بعد، ولذلك يبدو أنه اكتفى بالسخرية والتهكم تاركا للزمن أن يفعل فعله على سمت الحقيقة. يمكننا أيضا أن نستشف شيئا مهما من داخل الكلمات القليلة التي عبر بها عن سخريته، ومن الصورة المعبرة فعلا والى درجة مدهشة التي وردت في تلك العبارة فقد شبه نفسه، أو للدقة، فهم أن الآخرين ومنهم برود يريدون له أن يكون على صورة خيّال يمتطي جوادين في الآن ذاته: الجواد الأول هو "شيء ما ألماني وجوهي" والثاني هو "روح الوثائق اليهودية النموذجية" بعبارة برود، والإشارة إلى التناقض بينهما بيِّنة لذلك جعلهما جوادين وليس جوادا واحدا. وقد يتساءل البعض لماذا لم يصدر عن كافكا نفي مباشر وصريح لهذا التصور؟ وهل يكفي التهكم والسخرية دليلا على النفي؟ يمكن الإجابة ودون تردد كبير بأن النفي لا يمكننا استشفافه من السخرية المرة وهي واضحة وحسب ولكن أيضا من خاتمة تعليقه حيث تؤشر عبارة " وا أسفاه! فأنا لست خيّالا ولكنني أتمدد على الأرض منهكا" على الحالة التي هو عليها والتي لا تكتفي بنفي تصور نفسه خيالا على هذين "الثيمتين " بل هو منهك ومطروح أرضا من هذا السيرك والهراء الذي قيل، وهذا ما يمكن استنباطه إذا أخذنا الكلام بحرفيته الصارمة، وتلك ليست طريقتنا في رؤية الأمور بل هي طريقة من قرأوا وقدموا رسائل كافكا في هذا الكتاب مع الفارق النوعي في الحدة بينهم.

-       في بطاقة بريدية بتاريخ 10 ت1 1916 كتب كافكا انه سيقرأ للمرسل إليها مسرحية جديدة هي "مستوطنة العقاب ". وفي الهامش نقرأ عبارة ماكس برود التي يعترف فيها بأن كلمة يهود أو يهودي لم ترد إطلاقا في أعمال كافكا إلا أن أعماله - كما يضيف مكابرا ومعاندا - تقع ضمن أكثر الوثائق اليهودية النمطية في عصرنا ...هامش/ ص 92

- وفي رسالة بتاريخ 14 ت 1 1916 ترد الجملة التالية (في رأيي فإن التقرير قد أغفل الاعتبار الكافي أو الجزاء للمنظمين والمساعدين فالصهيونية والحماسة (يلاحظ المترجم أن الكلمة entusiasm تعني أيضا التعصب الديني) ليستا كافيتين.

- رسالة بتاريخ 4 ك1 1916 يسجل كافكا أن ماكس برود أطاح بمسرحية أرسلتها فيليس له وهي بقلم صديق لها، وان برود قيمها بشكل سيء، واعتبرها لا تملك أية جدارة أو ميزة وانه - كافكا - كان يحب قراءتها غير أن ذلك لم يعد متاحا الآن. فهل مزق ماكس برود مسرحية صديق فيليس؟ كافكا يبرر لبرود فعلته بالقول انه تعرض لطلبات كثيرة كهذه وانه لم تتح له قراءتها باهتمام.

-  أربع بطاقات بريدية خارج الصدد

-  25 تموز 1916 بطاقة بريدية / سؤال خارج السياق في نهاية النص: ماذا عن البيت اليهودي؟

- 26 تموز 1916 بطاقة بريدية / خارج الصدد.

-  وفي رسالة بتاريخ 29 تموز 1916 نقرأ قوله (ما يهمني وهو يهمك ليست الصهيونية كشيء بحد ذاتها إنما إلى ماذا يمكن أن تقود) وهذا تساؤل محايد يعبر عن التوق لمعرفة المآل أكثر مما يعبر عن طموح معروف ومحدد مسبقا إضافة إلى تعبيره ضمنا عن عدم اهتمام من النوع السياسي البحت بالصهيونية.

- وفي 30 تموز 1916 بطاقة بريدية / خارج الصدد

- فبطاقة في 2 آب 1916 يعلق فيها على مجلة للاجئين اليهود ويصف صفحة التسلية فيها بأنها مكتوبة بشكل رديء ويظهر فيها ما أسماه "الجو الصهيوني الغريب" ثم يعقب (أنتِ لستِ بحاجة لوخز الضمير بأن البيت اليهودي والصهيونية التي لم تألفيها بصورة فعالة) ثم يختم رسالته بالقول (إن الصهيونية سهلة المنال اليوم لمعظم اليهود وهي على الأقل في فروعها الخارجية المتطرفة الآراء مجرد مدخل إلى شيء ما بعيد وشديد الأهمية)

-       بطاقة في 9 آب 1916يختمها بإهداء تحياته إلى الآنسة غريت بلوخ ويسألها عن موقفها من جمعية بيت الشعب اليهودي.

-       بطاقة في 18 آب 1916 / خارج الصدد.

-رسالة طويلة في 11 أيلول 1916 تحتوي على كلام غير واضح عن محاضرة للدكتور ليهمان وعن مشكلة ستستمر بالبروز كما يكتب لها "لإثارة الإزعاج أمام الأسس العميقة للصهيونية ".

 

- رسالة بتاريخ 12 أيلول 1916: يرد فيها نصحه لها بأن لا تتكبر على عملها في تقديم المعونة عبر "بيت الشعب اليهودي" مهما بدا صغيرا، وان حالته الصحية تمنعه من القيام بمثل هذه الأعمال ثم يرد قوله: إن العلاقة بين كل هذا " موقف اليهود في أوروبا "وبين الصهيونية يكمن في طريقة عمل الشباب الصهيونيين، كيف وصلتِ إلى اتفاق مع الصهيونية تلك هي قضيتك وأية اتفاقات معها (اللامبالاة خارج القضية) سوف تكون مبعث سرور بالنسبة لي. ولكنك سوف تشعرين بنفسك يوما في أن تكوني صهيونية وسوف تتأكدين فيما بعد أنني لستُ صهيونيا وسوف يتضح هذا من خلال التجربة أو الفحص) هذه الشهادة أهملت دون أدنى مبرر من قبل المترجمين والمعلقين ...

-       بطاقة في اليوم نفسه خارج الصدد.

-       بطاقة بريدية في 15/أيلول 1916 خارج الصدد.

-       بطاقة بريدية 16 أيلول 1916 ترد فيها شهادة مهمة أخرى هي (هناك غموض مظلم لليهودية التي تتضمن العديد من السمات التي لا يمكن اختراقها. أنا لن أفكر بالذهاب إلى الكنيس. فالكنيس ليس هو المكان الذي يستطيع المرء التسلل اليه وأولئك الذين يحتشدون أمام الكنيس ببساطة لأنهم صهاينة يبدون لي مثل الناس الذين يشقون طرقهم داخل الكنيس تحت غطاء من ميثاق تابوت العهد).علي أن أسجل هنا بأنني لم أفهم الاستعارات والمجازات التي استخدمها كافكا ولكني لا أشك من خلال سياقها العالم بأنها تنطوي على وجهة نظر ليست لصالح الصهيونية و الكنيس اليهودي كمؤسسة دينية .

-       بطاقة في 22 أيلول 1916 خارج الصدد

-       رسالة طويلة جدا في 30 أيلول أو 1 ت1 1916 تقع في أربع صفحات ونصف مع الهوامش خارج الصدد ولكن يرد فيها اعترافه بأنه وحين سألته إن كان مخلصا لها قال بأنه (عانى مشقة مريرة في الإجابة، ولذلك لجأ لأكاذيب قليلة مفترضا ) كما يقول حرفيا ( مفترضا انه من الممكن اقتراف أكاذيب قليلة جدا لأنني مخلوق كذوب ) ورغم طابع الدعابة الواضح في كلام كافكا، وجوابه الذي لا نعتقد إن رجلا، أي رجل، يطرح عليه هذا السؤال من قبل حبيبته أو زوجته سيلجأ إليه، إلا أن المترجم يعتبر ذلك دليلا على ثبوت "اقتراف كافكا للكذب" وبأنه كذوب ..الخ .وفي هذه الرسالة يكشف كافكا لحبيبته عن سر رهيب وهو أنه مريض مرضا خطيرا وأنه سيموت لأن السل الذي أصيب به من النوع الذي (لا يمكن لجمه أو الشفاء منه.)

-       لم نشمل بعرضنا هذا النصوص التي أضافها المعد والمترجم للكتاب تحت عنوان "مقتطفات حالة" من كتب أخرى ككتاب يانوش " كافكا قال لي "لأسباب تتعلق بالمنهجية النقدية التي نتبناها وآثرنا التركيز على رسائل كافكا فقط ولكننا نورد الفقرة التالية من يومياته لأهميتها:

-        ومن اليوميات وبتاريخ 21 آب 1913 نقرأ (إن أوضاعي لا تحتمل وهي تتناقض مع ميولي ورغباتي الوحيدة وأعني بذلك الأدب. الأدب هو كل كياني ولا أريد ولا أستطيع أن أكون غير ذلك). وهذه هي الشهادة هي الأهم والتي توقف عندها ميلان كونديرا وسنتوقف عندها بدورنا مستقبلا.

 

هذه هي الرسائل التي قيل إنها احتوت على مواقف كافكا وآرائه من الصهيونية والذي ذكر فيها فلسطين، وليس مجرد رحلة لخطيبته إلى فلسطين، وهي بكل المقاييس لا تشكل شيئا مهما وذا بال، ولا يمكن التعويل عليها تحليليا لاستخلاص موقف منسجم وواضح ومتكامل لكاتبها من الحركة لصهيونية أو من فلسطين ذاتها الذي زج المترجم باسمها في عنوان الكتاب. أضف إلى ذلك أن هذه الرسائل تكشف عن تحفظات كثيرة، ونفور قوي من الصهيونية ذاتها. صحيح إننا  نجد فيها تعاطفا وتفهما لنشاط جمعية "بيت الشعب اليهودي" الخاصة بجمع المعونات لليهود وتشجيعا للخطيبة للمشاركة فيها، وهذا أمر نابع من حساسية ودماثة كافكا المفرطتين، ولسنا مضطرين لسماع وتصديق مزاعم الخطابات التأثيمية والتشكيكية والتي تعتبر حتى الجمعيات الخيرية وتقديم الغذاء والطعام للناس مشبوهة وذات أغراض، ويكفي للتدليل على وحدة الرؤية والمنطلقات لجميع الحركات والأنظمة والأقلام المتأدلجة تماما، يكفي أن نتذكر كيف نظر الصهاينة أنفسهم إلى نشطاء السلام الأمميين في أسطول الحرية الذين حملوا لأهالي غزة الأدوية والأغذية ومواد البناء وكيف تعاملوا معهم بالرصاص الحي فقتلوا بعضهم من مسافة متر أو مترين واعتقلوا الناجين من المجزرة في سجن بئر السبع الصحراوي.

 

وحتى هنا، في هذه الرسائل ذاتها، وحين ندقق جيدا ونقرأها بعيون مفتوحة وخالية من كُحل الانحياز الإيديولوجي سنجد أيضا ملاحظات ووجهات نظر سلبية من الصهيونية وناقدة لها وللرموز التي عبرت عنها، كما نجد نفيا صريحا لكون كاتبها أي كافكا صهيونيا، مثلما نجد تأكيدا لحضوره للمؤتمر الحادي عشر لها ولكنه حضور شكلي انطوى على موقف سلبي للغاية منه ومن المشاركين الذين وصفهم هو بأنهم "لا يحتملون فيه".

 

لقد قدمنا هذا العرض السريع والذي حاولنا أن يكون استقرائيا ومحايدا قدر الإمكان، فلم نستثن رسالة أو بطاقة ورد فيها ذكر العنوانَين المعنيين، ولكننا نشير إلى أمر نحسبه مهما وهو إننا لم نفعل ذلك في معرض بناء دفاع منسجم ومتكامل  عن كافكا إنطلاقا من مجموعة بطاقات بريدية ورسائل شخصية بسيطة وبنت زمانها وقد جمعت كيفما كان، لأننا نؤمن عميقا بأن دفاع كهذا  لا يمكن العثور عليه إلا في أدب كافكا الإنساني العميق المناهض للقمع والإكراه والظلم فهذا المنجز الأدبي الفذ يقف بحد ذاته خير دفاع عن صاحبه، ويمكننا أن نجد في روايته " المحاكمة " إدانة للقمع والتمييز والزيف والإكراه والفساد والإفساد وكافة مفردات منظومة ثقافة الكراهية التي قامت الصهيونية وغيرها على أساسها بل وشكلت لحمها الحي، ودماغها المفكر، وذراعها الذي بطش بأطفال فلسطين ولبنان ومصر وسوريا. إن أدبا كأدب كافكا الفاضح للقبح والهمجية، بجمالياته الفنية الجديدة والرائدة في زمانها والشاطب على الظلم والإكراه لا يجمعه جامع بحركة سياسية عنصرية أوجدت لاحقا مجازر دير ياسين الفلسطينية وبحر البقر المصرية وقانا اللبنانية...الخ والتي لم يكن شاهدا عليها ولا عاش في عصرها.

 

فإذا ما صرفنا النظر مؤقتا عن كتابات بعض المثقفين والكتاب العرب والتي كرروا فيها تهمة صهيونية كافكا كنوع من التعويذة السحرية ذات المفعول التطهيري والطارد للأروح الشريرة، ودون أن يعلموا بأن هذه "الفرية" هي صناعة صهيونية بامتياز من حيث المنطلقات والفاعلين ، نرى أن النازية الألمانية أحرقت كتب كافكا كما فعلت مع كتب مئات الكتاب الألمان والأوروبيين ذوي النزوع الإنساني والتنويري الذين اعتبرتهم معادين لعنصريتها، أما اليهود المتعصبون فقد أحرقوا كتبه أيضا بسبب مسرحيته " حارس المقبرة " التي يتعرض فيها بقسوة لشخصية اليهودي النمطية. الأنظمة الستالينية في أوروبا الشرقية بدورها ساهمت في هذه الوليمة فمنعت كتبه، والكنائس رفضته بحجة أنه سوداوي ويشجع اليأس. اليمين واليسار السياسيين الأوروبيين التقليديين اجتمعا على موقف سلبي منه، وكل هذا حدث بعد سنوات عديدة من موت كافكا مجهولا وغريبا وبعد أن نجح متعصب صهيوني معلن هو ماكس برود من ترويج نسخته الخاصة من كافكا الممسوخ والذي لا علاقة له بكافكا الفنان والأديب الإنساني. ولكن وبالمقابل يمكننا القول والتساؤل ترى ألم يشارك كل هؤلاء جميعا، بفعالياتهم الضدية المتشابهة، ودون أن يعلموا أو يشاءوا في بناء هيكل التميز والفرادة الذي استحقه بجدارة فرانز كافكا وأدبه؟

 

إن هذه الإضمامة من الرسائل الخاصة والتي كتبها كافكا في فترة محددة ومتميزة من حياته، ولم ينشرها أو يسمح بنشرها، بل حتى أنه لم يرسل بعضها لمن كان ينبغي أن تصل إليهم، تؤكد لنا أمرين مهمين قد لا يكون لهما علاقة مباشرة ومرئية بما يحاول الواقفون وراء نشرها إثباته وهما:

 

-       أنها، وكمجموعة من الرسائل الشخصية الحميمة وذات الطابع اليومي والعادي، لا تصلح أبدا لتأكيد حقيقة أدبية أو سياسية ما، بل إن نشرها والاستعانة بها تنعكس سلبيا على المستعين بها بوصف ذلك الفعل نوعا من التلصص واختراق وهتك خصوصيات أديب مهم في تاريخ الأدب العالمي.

 

-       أنها، وعلى افتراض احتمال الأخذ بها كأدلة ذات قيمة إثباتية معينة، لا تصلح إطلاقا في إثبات ما أرادت إثباته، بل أن هناك الكثير من التفاصيل الداخلية فيها تثبت العكس وتضع الاتهام في موضع الشك والرفض، ناهيك عن الإدانة لكل ما من شأنه هتك واختراق خصوصيات المبدعين الكبار وخصوصا ممن رحلوا عن عالمنا.

 

وعلى هذا سيكون من العبث واللامنهجي تفحص هذه النتف من سيرة مبدع كبير ككافكا بمنطق وبأسلوب التلطي خلف تفاصيل حياته الشخصية لتأكيد شيء ما يخصه أو يخص السمات الفنية أو المعيارية الأخلاقية أو حتى الفلسفية والفكرية لإنجازاته الأدبية عوضا عن البحث عن تلك السمات في أعماله وانجازاته ذاتها وبأسلوب علمي رصين.

 

 يتبع قريبا.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.