كـتـاب ألموقع

عازف الناي 4// د. ميسون حنا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ميسون حنا

 

عرض صفحة الكاتبة 

عازف الناي 4

د. ميسون حنا

الاردن

 

(كوخ ياقوت بعد منتصف الليل. قنديل مشتعل، معلق في زاوية ما ، يُرى ياقوت جالسا على سريره، مفكرا ، مهموما، نافذة مفتوحة خلف السرير في صدر الكوخ . تطل مزدان من النافذة)

مزدان       : ألا زلت مؤرقا؟

ياقوت              : يا مجيب الدعاء  (يلتفت إليها متبرما) عدت ثانية؟!

مزدان       : أشفقت عليك ، رأيتك كئيبا ، والحيرة قد غلبتك ، فعدت.

ياقوت              : إرحلي عني ، أتوسل إليك ... عودي غدا لو شئت، أما الليلة فدعيني وحدي.

مزدان       : لماذا؟ ... وقد جئت للتسرية عنك .

ياقوت              : لا وقت للتسرية عندي الليلة. عودي في وقت آخر ...

مزدان: عجيب أمركم أيها البشر، تركضون وراء نسائكم مع أنهن تافهات قياسا لما نحن عليه من جمال ، وذكاء،وبراعة ...

ياقوت       : إرحميني واذهبي.

مزدان:(لا مبالية) لقد ضمرت في نفسي أن أهبك حبي ، ولا فائدة ترجى فيك ... مع أنك لو فكرت بعقلك أخترتني دون إبطاء أو تردد.

ياقوت       : (مفتعلا الهدوء) حسنا... إذهبي الليلة ، وعودي غدا نتفاهم، فقط دعيني الآن وحدي.

مزدان: لماذا نرجيء تفاهمنا إلى الغد ، ما دمت متفقا معي بضرورة التفاهم ؟

ياقوت       :(بنفاد صبر) يا ربي ... ماذا أقول لها ؟

مزدان: الحقيقة .

ياقوت       :(متمالكا، ومتكلفا اللطف) علي أن أحل لغزا ، والفجر قد اقترب ، وأنت لا تتركين لي مجالا للتفكير...

مزدان: إعرض لغزك فأفكر معك .

ياقوت       : (منفعلا) مستحيل ... هذا غير معقول.

مزدان: لماذا؟

ياقوت       )متمالكا)علي أن أفكر وحدي .

مزدان:(بلهجة مثيرة) الله قد أرسلني إليك لكي أساعدك في محنتك فترفض؟ أي ناكر للجميل أنت ؟!

      (ياقوت ينظر إليها حائرا)

مزدان: فيم حيرتك؟ قطعت قلبي ، تكلم .

ياقوت       : علي أن أختار شيئا من ثلاثة ... أراني عاجزا عن الاختيار ، وأنت السبب.

مزدان: تختار ماذا؟ أصدقني القول ، قد أدلك على الحل .

ياقوت       :(يائسا) على رأيك... ما دمت عاجزا عن الحل  ، فلم لا أشرك أحدا معي ...؟

      ( تقفز من النافذة إلى الداخل جذلة ، بينما يباغت ياقوت بحركتها هذه، ويهب واقفا مبتعدا عن سريره، ثم يبتسم ببلاهة)

مزدان: ما الفرق... كنت أتحدث اليك من خلف النافذة ، فلم لا أفعل هذا أمامها؟

      (يضحك باستهتار، ثم يكف عن الضحك ويطرق بوجوم، مزدان تنظر إليه نظرات فاحصة ثم تجلس على السرير بخفة وبساطة)

مزدان:ها ... قل لي ما يشغلك إذن؟(لحظة) أتوق لمساعدتك، صدقني.

ياقوت       : علي أن أختار ما بين(يتناول الناي عن السرير ويحتضنها) : العزلة ... أو... (يلقي الناي على السرير بإهمال) أو غير العزلة    .(يحتضن الناي مرة أخرى) أو الرحيل...؟!

مزدان: (بحماس) إذن اخترت الرحيل .

ياقوت       : مجنونة أنت ... أأرحل عن بلدي؟

مزدان: وماذا  يعنيك منها ما دامت تتنكر لك؟

ياقوت       : لم يتنكر لي أحد.

مزدان:(ساخرة) أين أصحابك إذن ليحلوا لك مشكلتك؟

ياقوت       :(يجلس على السرير) لم أشركهم بها ... لو كنت صارحتهم بما حدث لما تخلوا عني أبدا.

مزدان: وحبيبة قلبك ... فتاتك التي رأيتها معك.

ياقوت       : هي أيضا لا تعلم شيئا.

مزدان: هذا يخيل لك فقط. لقد رأوا بأعينهم كل شيء... لكنهم خائفون.

ياقوت       : كانوا ينتظرونني فعدت . فرحوا بلقائي واستبشروا خيرا. (تنظر إليه بشك ، يتابع مضطربا) لم أكشف لهم ما جرى بيني وبين شيخ اليلد.

مزدان: كانت هيأتك كافية لتفضح ما تخفيه في قلبك، لكنهم تغاضوا عنك.

ياقوت       ):غاضبا) أنت تحاولين تشويه صورة أصدقائي أمامي  ، وأنا لا أسمح لك بهذا أبدا.

مزدان:أنتم معشر البشر ترفضون سماع الحقيقة عندما تكون مجردة ... دون غش أو تزوير، ترفضون قسوتها فتتغاضون  ، وتتغابون، وتنتحلون الأعذار   .

ياقوت       :(يقف ثائرا) كفى ... أخرجي من بيتي أيتها الجنية.

مزدان: (تضحك بسرور) أخيرا... أخيرا أرحتني ، وعلمت من أكون!

ياقوت       : (مندهشا) ماذا؟ هل أنت حقا جنية يا هذه؟

مزدان: تصور ...؟ واسمي مزدان.

ياقوت       :(يردد ببلاهة) مزدان ...مزدان ...(يضحك باستهتار) مزدان جنية، لم لا ؟

      (يجلس قربها دون تحفظ)

مزدان: أترى الفرق بيني وبين صحبك جميعا؟ (تقترب منه) أنا هجرت موطني وأتيت إليك في محنتك (لحظة) نساؤكم لا يفعلن هذا. ها هي حبيبتك قد تخلت عنك.

ياقوت       :(يقف منفعلا) لا تتحدثي عنها هكذا ... هي أشرف من أن تتناوليها بحديثك.

      (مزدان تنظر إليه بغضب ثم تتمالك)

مزدان: حسنا، أنت لا تفهم شيئا الآن، ولكن سوف تتكشف لك الأمور مع مرور الأيام.

ياقوت       : اتفقنا ، فارقيني إذن  برحيلك، ريثما تتكشف لي الأمور ، فأختار .(يجلس معرضا عنها)

مزدان: (بعتاب لطيف) أنت أهنتني منذ قليل ولكني سكت مراعاة لشعورك المضطرب ... وها أنا أرفض فراقك لنفس السبب ، فافعل ما بدا لك.

      (تتربع على السرير)

ياقوت       : (يقف ثائرا من جديد) سوف أحملك بيدي هاتين ، وأرميك خارج الكوخ)

مزدان):بتحد ولطف) سأعود في نفس اللحظة لأتربع فوق هذا السرير.

      (ينظر إليها بدهشة، بينما تنظر إليه نظرة خاصة، يهدأ، تشير إليه بالجلوس، يجلس)

ياقوت       : ماذا تريدين مني ؟

مزدان: ترحل معي.

      (يحتضن الناي بذعر)

ياقوت       : أأترك بلدي؟

مزدان:(تشير للناي) تصحبها معك.

ياقوت       : ومن سيستمع إلى عزفي عندكم ؟!

مزدان: (بحماس) كلنا ... نحن نعشق الفن ، ونحب الفنانين . ألم تسمع بشياطين الشعر ؟ سوف تراهم بعينيك هاتين.

      (يضع الناي على السرير مأخوذا بحديثها)

ياقوت       : شياطين الشعر؟ هل ... هل عندكم شياطين إناثا للشعر أيضا؟

مزدان: بكل تأكيد... وعندنا جنيات للملحنين ، والعازفين... ها أنا على سبيل المثال ، مستعدة أن أكون شيطانك، الجنية التي تلهمك الألحان.

ياقوت       :(منبهرا) عالمكم عجيب ...عجيب .

مزدان: أنت عازف عظيم ، وهنا لا يقدرونك حق قدرك ، أمّا لو رحلت معي ، تنهل من الحب والفن والجمال ما شئت (بإغراء) سوف ترتفع فوق السحب  ، وتبني بيتا من النجوم.

      (يستمع إليها  مشدوها . فجأة يسمع صوت ميمونة وكأنها في خيال ياقوت)

صوت ميمونة       : أنت قلبي وعزفك دقاته ... سوف أنتظرك.

ياقوت       :(يعبس فجأة) لا ... لن أتزحزح عن بلدي خطوة واحدة.

مزدان: أيها الأحمق ... لن تراها في انتظارك كما تتوهم، سوف تختار زوجا غنيا ، يبني لها بيتا ، وأنت لا تملك شروى نقير، عندئذ سوف تقول لك : الظروف حكمت .

      (ينظر إليها بدهشة)

مزدان: أرأيت..؟ ها أنا أقرأ أفكارك، وإن شئت (بإغراء) قرأت صفحة قلبك.

ياقوت       : أنت مثيرة حقا .

مزدان: أنا أفهمك ... وأقدر فنك .(تناوله الناي بحرص مقصود ثم بإغراء   ) سوف أملي عليك ألحانا لم يعزفها الجن أنفسهم ...(تقف وتمد يدها نحوه ) هذا... لو رحلت معي !

      (ينهض ويضع يده في يدها بتردد)

*****

يتبع