كـتـاب ألموقع

عازف الناي6- اللوحة السادسة والأخيرة// د. ميسون حنا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ميسون حنا

 

عرض صفحة الكاتبة 

عازف الناي6- اللوحة السادسة والأخيرة

د. ميسون حنا

الاردن

 

(قرب بلدة ياقوت . ياقوت وبرطوش يسيران جنبا إلى جنب . ياقوت ممسكا نايه ولا يفلتها أثناء هذا المشهد)

برطوش             : توقف هنا .

             (يتوقفان)

برطوش             : (مشيحا بنظره جانبا) ستسير وحدك ... أنت قريب من بلدك الآن ...

ياقوت              : أشكر...

برطوش             ):مقاطعا بحدة) لا تشكرني ، ما فعلت هذا شفقة عليك ، أو رغبة في مساعدتك .

ياقوت              : أعذرني إذ تسببت لك بأذى دون أن أدري .

             (ينظر برطوش إليه بغضب)

ياقوت              :(مرتبكا) أقصد...

برطوش      :(بحدة) كف عن الثرثرة يا هذا ... أنتم أيها البشر تتبجحون ، ونحن لا نطيق التبجح أبدا .

ياقوت       : ما قصدت التبجح ... إنما أردت الاعتذار .

برطوش      : والتنصل من أي ذنب.

ياقوت       : لا ذنب لي ... أنت تعلم ، هي التي ...

برطوش      : (مقاطعا) هي التي أحبتك، وقادتك إلى أحضانها (يحدق به) دون موافقتك ، أو حتى رغبتك (ساخرا) كنت مغلوبا على أمرك ليس غير .

ياقوت       : كنت في موقف حرج ... وكانت هي جميلة .

برطوش      : عذر واه . هكذا أنتم أيها البشر ، تافهون ، ضعفاء ، وما أسهل ما تتنصلون من فعالكم مستترين بفضيلة مزيفة .

ياقوت       : فكرتك عنا خاطئة .

برطوش      :(منفعلا) أنت بالذات عديم الأخلاق والضمير.

ياقوت       :(منفعلا) لا تغلط . لقد اعتذرت ، فلك أن تقبل اعتذاري أو ترفضه، وليس لك أن تسخر مني .

برطوش      : أنت الذي يهزأ بنفسه يا هذا لأنك مغرور تافه... وضيق الأفق .

ياقوت       : (يصرخ) أنا لا أسمح لك ...

برطوش      :(يقاطعه ساخرا) هل ثارت كرامتك الآن ؟

ياقوت       :(يكبت جماح غضبه) صدقت ... لا كرامة لغريب عن وطنه .

برطوش      : لو وجدت عندنا سبل الراحة ، لما تركت وطنك .

ياقوت       :(منفعلا) أخطأت إذ تعتقد هذا ... لقد وجدت كل شيء سهلا ومريحا ... أنت تعلم .

برطوش      : (منفعلا) لنقفل باب النقاش يا هذا ، يكفيك أن تلقي نظرة ثاقبة إلى نفسك وأنت تعلم .

      (ياقوت يبدو غاضبا، بينما برطوش يمد يده ليصافحه . ياقوت يتراجع للخلف معرضا عنه)

برطوش      : لا تريد ... (يسحب يده) لا داعي ... نستطيع أن نفترق محتفظين بما تضمره أنفسنا من مقت وازدراء.

ياقوت       : هذا منطقكم الذي ...

برطوش      : (مقاطعا) هذا الطريق (مشيرا إلى إحدى الطرق) يقودك إلى بلدك. سر مسافة يوم أو يومين تصل .

      (ياقوت ينسحب ، مسلطا نظرة حاقدة على برطوش ، بينما تظهر مزدان فجأة . يتسمر ياقوت مكانه بدهشة ، برطوش كذلك يفاجأ برؤيتها لكنه يتمالك سريعا ، ويقف أمامها بتحد)

برطوش      : ماذا جاء بك الساعة إلى هنا ؟

مزدان: لماذا فككت أسره ؟

برطوش      :(متلطفا) لن يبقى أسيرك إلى الأبد ...

      (يقترب منها ، تبتعد عنه وتقترب من ياقوت)

مزدان:(لبرطوش) ابتعد عني أيها اللعين.

برطوش      : لا تتهوري يا مزدان ... إني أحذرك .

مزدان: لن يرحل عن ديارنا .

      (برطوش يشدها من ذراعها)

برطوش      : هيا أمامي ...(يصرخ) بسرعة .

      (مزدان تتفلت منه)

مزدان: لست ولي أمري لأمتثل لأوامرك ، ورغباتك (بتحد) أنا أهوى هذا الإنسي ولن أتركه يرحل عني أبدا .

برطوش      : (لياقوت) تحرك يا هذا ... ماذا تنتظر بعد؟

      (مزدان تتشبث بياقوت)

مزدان: لن يتحرك خطوة ...

برطوش      : سوف أحطم رأسك لو بقيت متعلقة بياقته هكذا .

مزدان: (بتحد) لن أرجع إلى ديارنا إلا وهو معي .

ياقوت       : لا تشددي الضغط على صدري ، أكاد أختنق.

      (تفلته ، وتبفى قريبة منه بحذر)

برطوش      : (بهدوء مفتعل) دعيه يرحل يا مزدان ... لا حاجة لنا به .

      (ياقوت يبدو حائرا)

مزدان: لن يذهب إلا معي .

برطوش      : لو علمت أنك تميلين إليه بمشاعرك ما تدخلت .

مزدان: هذا ليس من شأنك .

      (برطوش يبدو شديد الإنفعال)

برطوش      : لا تجعليني أفقد السيطرة على نفسي .

ياقوت       : (يحاول استدراك الموقف) دعونا نتفاهم على كل شيء .

برطوش      : إصمت أنت ، لا تفاهم معك على الإطلاق .

مزدان:(بتحد) بل لنتفتاهم .

برطوش      : أيتها اليلهاء ... تتفاهمين على ماذا؟

مزدان:(لياقوت) قل له أنك موافق على الزواج.

      (برطوش ينظر لياقوت بقلق وتحفز ، بينما يبدو ياقوت حائرا)

مزدان: هيا أخبره أننا سوف نتزوج ، شاء هذا أو أباه .

ياقوت       :(بلطف وحذر) ومن ذكر الزواج الآن؟ نحن بصدد رحيلي.

      (برطوش يتنهد بارتياح)

مزدان:(ثائرة)أيها الوغد الحقير . جئت أنقذك من انتقام هذا الشرير (مشيرة إلى برطوش) لتتنكر لي من جديد.

      (برطوش يقهقه . مزدان تزداد حدة)

مزدان:(لبرطوش) كُسرت أسنانك ، وشُل فكاك لئلا تضحك مرة في حياتك بعد الآن.

برطوش      : موقف مسل على كل حال .

مزدان:(بمكر) لا أظنك قدته هنا لتتسلى.

برطوش      : لا تحوري الحديث (محدقا بها) أنت لا تطاردينه حماية له مني كما تدعين .

مزدان: لنفترض ، فما المضحك في هذا .

برطوش      : تلاحقين أشدهم مقتا إلى نفسك .

مزدان: هذا ليس صحيحا.

برطوش      : هو لا يحبك يا مزدان ، وأنت تدركين هذا جيدا.

مزدان: هذا لا يهمني أيضا .

برطوش      : ماذا تريدين إذن؟

مزدان: رفض تحقيق رغبتي . لن أدعه يفلت من غير عقاب .

برطوش      : لكنك تعرضين عليه الزواج ، لا العقاب .

      (يشير لياقوت بالذهاب، تفطن مزدان، وتمسك يد ياقوت بحرص)

مزدان: الزواج من جنية حاقدة ، يعني العذاب بالنسبة له ، وهذا ما أتمناه .

      (ياقوت ينظر إليها بازدراء ثم يشيح بنظره جانبا)

يرطوش      : أنا أيضا أسعى لعذابه، لكن بطريقة مختلفة .

      (مزدان تفلت يد ياقوت فجأة)

مزدان: أثرت فضولي ، تكلم .

برطوش      : أنت تريدين الانتقام لكرامتك التي أُهينت. 

      (ياقوت يهز رأسه بأسى وسخرية وصمت)

مزدان: (منفعلة) لا أحد يستطيع أن يخدش كرامتي .

برطوش      :(متلطفا) قصدت أنك تريدين الانتقام.

مزدان: لرفضه تحقيق طلبي .

برطوش      : لن نختلف على الأسباب . المهم هو الانتقام .

مزدان: بالضبط .

برطوش      : انفقنا .

مزدان: على ماذا؟

برطوش      : دعيه يرحل . العذاب ينتظره هناك.

      (مزدان تنظر إليه بشك)

مزدان: برطوش ، أشم رائحة غدر وخداع.

برطوش      : أيتها الغبية ، إفهمي وتأملي : بعد أن يتخلى المرء منهم عن بلده ...

      (ياقوت يجفل)

برطوش      :(يتابع) هل يجد الطريق أمامه سهلا يا ترى ؟ هل يستطيع أن يطلب الراحة والأمان كما كان ؟

مزدان:(مفكرة) صدقت ، سوف يركلونه بأقدامهم هناك .

برطوش      : أرأيت كيف أننا نستطبع الانتقام دون عناء .

مزدان: أتعتقد هذا؟

برطوش      : (بحماس) سوف يسخرون منه .

مزدان:(بسرور) ويحتقرونه.

برطوش      : ربما يقتلونه كذلك .

      (ياقوت يبدو شديد الانفعال ، تجفل مزدان)

مزدان: (بقلق) لا ... لن يقتلوه .

برطوش      : (مستدركا) لا، لن يفعلوا هذا ... أؤكد لك (بلهجة جديدة) لكنهم قد يطردونه عن ديارهم مثلا .

مزدان:(آملة) ليعود إلي من جديد.

      (برطوش يبدو مستاء، ثم يفتعل المرح)

برطوش      :(بمكر) ربما ... ربما .

مزدان: حينئذ سوف أركله بقدمي دون رحمة .

برطوش      :(مسرورا) تماما ، سوف تفعلين هذا لو قُدّر لك .

      (مزدان تبتسم وتقترب من برطوش)

مزدان: ماذا أقول لك  أيها الماكر ...(بلطف) كسبت الجولة .

برطوش      : وقلبك ...؟

مزدان: وقلبي كذلك .

      (تلتصق به ، يحتضنها ثم يغادران المكان . ياقوت يجلس متهالكا على الأرض ، ويضع نايه قربه برفق . لحظة ثم يهب واقفا)

ياقوت       : (يصرخ) سوف أعود إلى بلدي ... سأعود مهما كانت النتيجة ، هل تسمعان ؟

      (يسمع صوت ضحك مزدان وبرطوش. ياقوت يتناول نايه عن الأرض، يحتضنها بحرارة ثم ينطلق خارجا . لحظة ونسمع عزفا على الناي)

 

تمت

*****