كـتـاب ألموقع
وما زالوا في حوار مع ماركس!// د. ادم عربي
- المجموعة: ادم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 21 تشرين2/نوفمبر 2024 21:52
- كتب بواسطة: د. ادم عربي
- الزيارات: 1161
د. ادم عربي
وما زالوا في حوار مع ماركس!
د. ادم عربي
الرأسمالية هي التي حملت بماركس، والرأسمالية هي من ولدت ماركس. هذا الرجل، ولجهة عبقريته، استولد من واقع الرأسمالية -الاقتصادي والاجتماعي- فكراً بسطه في كتابه "رأس المال"، حتى وعت نفسها. ولو لم يظهر ماركس لظهر غيره بحكم الضرورة والمصادفة؛ فكان من الضروري ظهور شخص، ولكنه مصادفةً أن يكون ماركس. فمن رحم الضرورة تولد المصادفة، وفي الحقيقة، الضرورة الخالية من المصادفة لا وجود لها، والصدفة الخالية من الضرورة لا وجود لها أيضاً.
هذا الرجل اكتشف البروليتاريا وخلدها في تعريفه لها؛ فالبروليتاريا هي من تقوم بالعمل التالي: ينقل شيئاً من العمل الميت والمختزن في الآلات والمواد إلى الشيء الذي يتوفر على إنتاجه، مضيفاً إليه من عنده، وفي الوقت نفسه، قيمة جديدة، يحصل على جزء منها على شكل أجر، ويترك الباقي لربِ العمل على شكل ربح، وهو فائض القيمة. فالعمل هو من يُعطي للسلعة قيمةً على أن يكون لتلك السلعة قيمة استعمالية يحتاجها الناس في حياتهم. القيمة التبادلية للسلعة تعتمد على عدد ساعات العمل المختزنة فيها؛ فالقيمة التبادلية لرغيف خبز لا تساوي القيمة التبادلية لسيارة مثلاً! مع العلم أن القيمة الاستعمالية لرغيف الخبز أعلى بكثير. هناك أشياء في الطبيعة لها قيمة استعمالية وليس لها قيمة تبادلية، كالأرض والهواء، لكن لا يوجد شيء له قيمة تبادلية وليس له قيمة استعمالية.
لقد أجزلوا العداء لهذا الرجل، وصوروه في أذهان مجتمعاتهم شيطاناً رجيماً، وخطراً يُهدد السلم الأهلي. لقد ظنوا أن سقوط الاتحاد السوفيتي سقوطاً لماركس، مع العلم أن ماركس ليس الاتحاد السوفيتي. لقد أمعنوا إذلالاً بفكر هذا الرجل، الذي كان مجرد ذكر اسمه يُثير الرعب في نفوسهم. ومع تداعيات الأزمة المالية الأخيرة والحالية، اشتد الطلب على شراء مؤلفاته، لتبرهن لنا الرأسمالية أنها لم تعِ ذاتها إلا من خلاله.
حتى الشيوعيون، الذين كانوا يُقدسون كل كلمة لماركس، انقلبوا على يد الليبراليين الجدد، وأصبحوا يعتبرون الشيوعية فكرة طوباوية، والدليل لديهم انهيار الاتحاد السوفيتي ومحيطه من الدول الشرقية. إن الرأسمالية هي ديانتهم الجديدة.
انهالت الضربات تلو الضربات، والانتقادات تلو الانتقادات، على نظرية ماركس، واعتبرت غير علمية، وأن هذا الرجل كان مغرضاً يفتقد لأبسط القيم الإنسانية، وجل هدفه غير النبيل الإطاحة بالنظام الرأسمالي، وكأن الرأسمالية لم تتطور من الإقطاع حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، ودور ماركس كان رصدها ووعيها والتنبؤ بأزماتها وطريقة عملها. وماركس يتحداهم بتفسير الربح عن غير فهم فائض القيمة وبه.
لقد ابتدعوا اقتصاداً على مقاس عقولهم سموه بـ"اقتصاد المعرفة"، بل يتجاوزون ذلك باعتبار اقتصاد المعرفة هو مرحلة الرأسمالية الحقيقة . أنا لست ضد المعرفة، بل أعتبر المعرفة أهم من رأس المال. أعطني فكرة ولا تخشَ رأس المال، فأنا من فكرتك الابتكارية سأعمل المليارات عندما أطبقها وأدخلها في عجلة الإنتاج. فإن أردت بيعها سأدفع لك، وإن أردت الاقتراض من البنك لتفتح مصنعك الخاص فهذا شأنك أيضاً ، وربما تصبح من أصحاب الملايين، لكن لا تقل لي أن ابتكارك المجرد هو من صنع الملايين هذا إن اخترت بيع اختراعك؟ فأنت ربما أتيت لي باختراعك في مجال البرمجيات، وأنا صاحب ومالك شركة البرمجيات، ورأيت في ابتكارك قيمة استعمالية هائلة. إذا سودتها على كمبيوتراتي رفعت من تسويقها، ولربما رفعت من سعرها حسب قانون العرض والطلب، لكن أنت ما زلت في نظري تاجر بعت ابتكارك لي، ولكن إياك ثم إياك أن تعتبر نفسك "بروليتاري ذهني".
إنهم يسوقون الحجج تلو الحجج للإطاحة بفكر ماركس حتى وصل بهم الأمر إلى مهاجمة نظرية القيمة الزائدة. فهم يقولون: "عالم اليوم قائم على الخدمات، وأكثر من ثمانين في المائة من الناتج يأتي من الخدمات. إننا ننتج قيمة زائدة من الخدمات، فهذه النظرية ليست صحيحة، وحتى طبقة ماركس البروليتاريا ما عاد لها وجود، فهي بأحسن الأحوال لا تشكل خمسة في المائة، وإنتاجهم الفكري هو من يخلق القيمة الزائدة! إن ماركس ونظريته ولدا ميتين".
إنهم بشتى الوسائل يحاولون دحض نظرية ماركس، وأعتقد أن ذلك مرده لسببين اثنين لا ثالث لهما: إما الكره الشديد لذلك الرجل، أو العجز عن فهم ماركس. لكن، أليس ماركس من قال بتضاؤل أعداد البروليتاريا مع التقدم التقني؟ أليس هو من قال بتعاظم التركيب العضوي لرأس المال؟
لقد صعب الأمر كثيراً عليهم وهم يرون بيل جيتس وشركته العملاقة في السوفت وير، وراحوا يصرخون: "وجدتها، إنه عمل غير ملموس ذهني يدر فائض قيمة، فماركس كان في ضلال مبين". لكن ماركس الذي قرأ الكون كله، سلعته مادية ملموسة، سلعته صنمية، ليس بها روح ولم يرَ فيها روح ساحرات الإغريق، بيل جيتس يربح بكل تأكيد وشركته العملاقة من أنجح الشركات في مجال المعرفة، لكن ليس كل ربح هو فائض قيمة ، فالبنك يربح أرقاما خيالية وفلكية. المخترع والباحث إذا عمل عند الرأسمالي يُغني الرأسمالي كما كتب ماركس، ولكن ماركس لم يقل يُنتج فائض قيمة. هذا الرأسمالي الذي يُنتج سلعة معينة هو وسائر الرأسماليين الذين يُنتجون نفس السلعة، اشترى براءة اختراع أو تكنولوجيا أحدث، واستخدمها في مصنعه الذي يُنتج نفس السلعة، وحسنت منتجته، وخفضت عدد العمال لديه، وزادت إنتاجية العامل الواحد لديه، وفي نهاية الأمر خفض القيمة التبادلية لسلعته والمعبر عنها بالسعر. ولنفرض أن القيمة التبادلية لسلعة الرأسمالي قبل إدخال براءة الاختراع والتكنولوجيا كانت عشرة دولارات، وأصبحت بعد إدخال التكنولوجيا والاختراع والمعرفة ثمانية دولارات، فما المانع من بيعها بتسعة دولارات وتحقيق ربح وسبق عمن تخلفوا عني تكنولوجياً ولم يشتروا ما اشتريت؟ وهذا ربحي الإضافي هو جزء من فائض القيمة من بقية المصانع التي تنتج نفس السلعة ولكن بطريقة متخلفة عني من مصانعهم المتخلفة تكنولوجياً.
سلعة ماركس مادية، ولم يعطِ ولا يهمه الأفكار. حتى إن ماركس كانت جل كتاباته في الرأسمالية، ولم يكتب سوى بضعة سطور في الاشتراكية. ماركس في نظرية فائض القيمة وضع قواعد وأسس الرأسمالية، والذي تنبأ بأزماتها قبل قرن ونصف تقريباً. فلا يغيب عن فكر ماركس أية شاردة أو واردة بعلم الاقتصاد. صاحب السوفت وير بيل جيتس يقدم عملاً نافعاً للمجتمع وضرورياً، والرأسمالي أحسن تقديره وأجزل عطاءه، وكذلك الأمر ألون ماسك يقدم خدمات للمجتمع والدولة والدول الأخرى، خدمات في غاية الأهمية وهو أغنى رجل في العالم بسبب أهمية هذه الخدمات التي يقدمها، ولا ننسى أهمية البنوك في قطاع العقارات والاسكان فهي من أهم الأنشطة المفيدة للمجتمع وهي تربح ايضا ربحاً خياليا، لكن هذا لا يعني أن كل من يقدم عملاً ضرورياً هو بروليتاريا أو كما يُسميها البعض "البروليتاريا الذهنية". هذا شطط في علم الاقتصاد السياسي، وقد يسميها البعض "بائعة لقوة عملها الذهنية" ويريد حسابها بالساعات!.
المتواجون الان
381 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع