اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية للعام 2010 - محاولة سايكومعرفية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د.عامر صالح

 نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية للعام 2010 بين: احترام أرادة الناخب وتفسير ميكانيزم التصويت ـ محاولة سايكومعرفية

                                                   د.عامر صالح

 

" إذا الشعب يوما أراد الحياة   فلابد أن يستجيب القدر "

                             أبو القاسم ألشابي

 

أن النظم السياسية التي ترى في الإنسان قيمة عليا باعتباره مصدر السلطات التشريعية والتنفيذية تلجأ إلى صناديق الاقتراع لتقرير ممثليهم الذين يقومون بهذه المهمة,وان النتيجة النهائية لا تتوقف على ما يقوم به المرشح نفسه مهما بلغ من قدرات في الدعاية والتعبئة الجماهيرية,بل على ما يقوم به المصوتون لتقرير حجم الإجماع السياسي لهذا الكيان أو غيره باعتبار أن الانتخابات هي فرار جماعي تجسده عملية الاختيار,ومن المسلم به أن ذلك يعتمد إلى حد كبير على إدراك الشعب لقيمة ومكانة الصوت الانتخابي وعلى توقعاتهم للأفعال ما بعد الانتخابات وأيضا على إيمانهم وثقتهم ومقدرتهم وفاعليتهم في عملية المشاركة الواعية التي تجسدها ثقافة الانتخاب.

 

ومن الناحية الطبيعية والعقلانية وبعيدا عن دعايات المرشحين ومزاميرهم والتي تفوق أحيانا حتى حجم إمكانياتهم وخبرتهم في إدارة البلاد " رحم الله امرئ عرف قدر نفسه " فان السياقات المنطقية التي تدفع صوب الانتخابات والمشاركة السياسية الفعالة يجب أن تكون أسبابا اقتصادية والتي يكون هدفها تحسين ظروف الوجود والارتقاء بمستوى العيش وطمأنة الحاجات الإنسانية,وأسبابا اجتماعية والهدف منها تحسين أداء الجماعة وانتشالها من براثن الفرقة والتفكك والتعصب بمختلف ألوانه الديني والطائفي والقبلي والمناطقي والاثني.ودوافع أمنية حيث أهميته وضرورته في بعث الطمأنينة لدى المواطن والذي يشكل لبنة لازمة لانطلاق العمليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية " فالأمن أولا والبقية تأتي ",وكذلك أسباب فكرية قد تدفع الناخب إلى التصويت لتأكيد انحيازه ألمبدأي,وهنا لا نؤكد على ما هو الفكر,ولكن نؤكد على ضرورة الفكر ووجوده,ومن عدم أهلية وجوده استنادا إلى معايير التجارب الإنسانية الغنية,فالانحياز إلى أفكار " الصندوق الأسود المغلق " أثبتت التجارب الماضية إلى فشله باعتباره نموذجا لممارسة القتل الذاتي للوجود وإلحاق المزيد من الدمار والخراب والفساد وفقر الشعب وأهانته وتفرقته,أو على اقل تقدير هو الانحياز إلى مشروع " المراوحة في المكان ".

 

أن الشعوب والمجتمعات التي خطت خطوات راسخة صوب الديمقراطية تشكلت لديها منظومة عقلية راسخة لا تهزها الدعاية الانتخابية إلا في التفاصيل الثانوية,أي تشكلت لديها استراتيجيات معرفية وعقلية للانتقاء والتصفية والبحث عن البدائل على أسس استقرائية للواقع ورسم الطموحات للنهوض به,وهي استراتيجيات لا تخطئ إلا ما ندر,حيث تقترب من منهجية العقل وطبيعته في حل المشكلات,ابتداء من الإحساس بالمشكلات,وجمع التفاصيل الكافية عنها وعن مسبباتها والياتها,وانتهاء بفرض الفروض عنها وتبيان حجم تأثيرها والعوامل المتداخلة في صنعها,وانتهاء ببرامج وخطط لحلها والتماس الحلول المستقبلية لها,وعلى خلفية ذلك يندفع الناخب لاختيار البدائل الأصلح في السياسة استنادا إلى التجارب السابقة.

 

ويعزز ذلك كله نشوء منظومة فكرية ـ عقلية تقترب من مستوى الأداء النفسي للفرد غير قابل للمساومة,تقوم على بعض القناعات,لعل أبرزها هو أن الإيمان بالمشاركة السياسية والتداول السلمي للسلطة هو مكون أساسي ومقدس ولا يمكن اغتصابه بمختلف الواجهات والممارسات التي ترغب في الإطاحة بالديمقراطية من الداخل أو الخارج,وأدراك المواطن أن تحسين ظروف العيش لا يأتي عبر مقاطعة صناديق الاقتراع والقبول بالأمر الواقع الذي يقرره الآخرين عنه,وتقرر ظاهرة " أنا أقرر " مزاجا نفسيا عاما لدى المجتمعات ذات الديمقراطيات الراسخة,بل أن هذا الاتجاه السلوكي والمعرفي تعززه النظم السياسية والتربوية منذ نعومة الأظافر وفي مظاهر مختلفة ابتداء من طريقة اللبس والشرب والحوار المتكافئ حتى مع الطفل وانتهاء بظاهرة تقرير النخب السياسية,وكذلك دور التنشئة الاجتماعية التربوية والنفسية في نبذ قيم التفرد والدكتاتورية السياسية والسلوكية العامة في مختلف مظاهر الحياة العامة,مما تجعل من المواطن أن يقف متأنيا ومتفحصا لظاهرة السياسة وما تنتج عنها من مظاهر سلوكية,وكذلك نشأة استقطاب واضح على خلفية إدراكية ـ معرفية ولنقل فكرية تجد لها تبريرا جدليا في اعتناق هذا الفكر أو ذاك بعيدا عن حالات الهيجان الانفعالي المدمر,فأنا شيوعي...لماذا,وأنا إسلامي...كيف !!!,وأنا علماني..كيف افهم ذلك,وأنا ملحد...ماهية المبررات,ويجري ذلك على خلفية تلاقح الأفكار بعيدا عن الإقصاء,وعلى خلفية البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المميز لهذه المنظومة العقائدية أو تلك,لا على أساس " ذبه بركبة عالم وأخرج منها سالم دون حسبان للعواقب ".

 

أن شعبنا العراقي اندفع صوب صناديق الاقتراع للمرة الثانية للانتخابات البرلمانية وبنسبة تجاوزت 60% والتي فاقت انتخابات البلديات التي تراوحت المساهمة فيها عند حدود 50%,وهي تعكس تعطش شعبنا للمشاركة السياسية,وتعكس بنفس الوقت مزاجا واعدا صوب الديمقراطية والتعددية وتعزيزا لانتهاج الأسلوب السلمي لتداول السلطة بعيدا عن فكر الدبابات والانقلابات العسكرية التي لا تزال جراحها لم تلتئم إلى اليوم.

 

أن قراءة لواقع التصويت في ضوء النتائج الأولية تؤكد أن نسبة تقترب من 40% من الذين يحق لهم الانتخاب لم يدلوا بأصواتهم,وهكذا بقيت أصواتهم دون جدوى خارج صناديق الاقتراع,وبدوافع شتى,وهي بهذا القدر أو ذاك لا تعود بنفع على مستقبل البلاد,أن لم تعمل على تكريس الأوضاع السابقة,سواء أن علم من هجر صناديق الاقتراع أم لم يعلم !!!.

 

لقد دخلت أصوات كثيرة لصناديق الاقتراع بدافع التجييش وسوق الناخبين لاعتبارات عاطفية,وقبلية,وطائفية,ودينية, مناطقية وأثنية,وتحت واجهات مفتعلة من الصراع التي لا دخل لشعبنا بها,وبهذا ذهبت الأصوات هدرا مضرة بالمشروع الوطني الكبير الذي يحمل في طياته ملامح عملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الشامل !!!.

 

لقد أتت صناديق الاقتراع بأصوات أخرى كان الهدف منها هو الإيقاع بالخصم السياسي أو الطائفي أو الديني بعيدا عن قناعة الناخب بالجهة التي صوت لها,وأن جزء من ذلك تعكسه الصراعات المختلفة لحقبة ما بعد سقوط النظام,وهو سلوك " نكاية بالغير ",انه صوت خاسر بطبيعته ومضر لا تبرره القناعة المبدئية في الانتخاب إلا ما ندر!!!!.

 

لقد ذهبت أصوات كثيرة هدرا تحت تأثير التراكمات البعيدة لما مضى متأثرة بثقافة التسلط والدكتاتورية المقيتة,أو ما يسمى بالجزء الخفي غير المرئي من الثقافة الذي تجسده بعض من الأنماط السلوكية والمعرفية المكنونة في الوعي الجمعي والتي تعبر عن نفسها بظاهرة الانتقام بكل الوسائل من الأوضاع والتغيرات الحالية والتي حصلت ما بعد 2003 وهي أصوات سيكوباتية تحارب الديمقراطية والتغير رغم توجهها صوب صناديق الاقتراع !!!.

 

هناك أصوات ذهبت إلى صناديق الاقتراع وهي التي نطلق عليها " بالصوت الذهبي " وهي أصوات مطمأنة ومطمئنه,عاقلة في لحظة الإدلاء به,وقد ارتأت مصلحة البلاد أولا ومصلحة فسيفسائه المتنوع,محاولة فيه التماس طريق الخلاص بعيدا عن  آثار الصوت الانتخابي المتشنج,اختارت فيه طريق الخلاص والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي !!!!.

 

وختاما تبقى تجربة الانتخابات تجربة وليدة في بلادنا ولعلها تكون فصلا مثمرا من فصول الاستقرار السياسي والاجتماعي ودرس تدريبي جيد للتمرس فيه على طريق طي صفحات مظلمة من تاريخنا السياسي جسدتها عمليات الاستحواذ وسرقة السلطة السياسية,فالحكم من الشعب وللشعب وبإرادته نستعين !!!!.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.