اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الجمال السامي في العمارة// د. هاشم عبود الموسوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الجمال السامي في العمارة

د. هاشم عبود الموسوي

 

يعتبر  مفهوم الجمال السامي في الشكل المعماري من خلال المعالجة الإنشائية " ظاهرة معينة برزت في الآونة الأخيرة في بعض النماذج المعمارية عكست الكثير من المعالجات التي تشير بمضمونها إلى تحدي قدرات الإنسان الكامنة في معالجة وتركيب التكوين المعماري ومواجهة العوامل الخارجية والبيئية المؤثرة على المبنى ، حيث برز جزء من هذا التحدي في طبيعة الهياكل الإنشائية المنتخبة عاكسةً شعوراً بالإبهار والسمو .

 

فمفهوم السمو إصطلاحياً الـ sublimity والـthe sublime  يأتيان ليعبران عن السمُو والرفعة والإبهار من كل شيء ، سواء كان ذلك الشيء فكرياً أو مادياً . ويختلف عن مفهوم الجمال الذي يمثل هدفاً أما السمُو فلا بد له من هدف يقصده ويستند إليه ، وهكذا يحاول المعماري أو المتلقي البحث عن هذا الهدف الذي قد يكون فردياً أو ذاتياً ، إنسانياً أو إجتماعياً ، ويتبادل الإثنان الصدارة كروافد إبداعية من عصر لآخر بحيث إذا تدفق رافد الجمال في حقبة معينة فإن التغيير يحدث على حسابه لصالح رافد السمُو الحجمي أو الزخرفي أو الإنشائي في حقبة لاحقة .

 

نحاول هنا أن نبتي إطارا  نظريا بعد مناقشة ذلك من جانبين ؛ الأول علاقة السمو بالشكل المعماري والثاني علاقة الهيكل الإنشائي بالشكل المعماري ، مستنبطين ثلاثة مفردات رئيسية مؤثرة ، تمثلت المفردة الأولى بـ ( خصوصية الهيكل الإنشائي ) والتي إشتملت على مفردات ثانوية مثل ؛ شكل النظام ، علاقته بالقشرة الخارجية للمبنى ، الأنظمة التي تدمج بين الهيكل الإنشائي والمعماري . أما المفردة الثانية فركزت على أنواع السمو ؛ الرومانسي ، النبيل ، المخيف ، المبهج ، المقياسي ، التقني ، التاريخي ، العددي . بينما تناولت المفردة الثالثة خصائص السمو التي تضمنت المفردات الثانوية ؛ التجريد العالي ، الغموض (الإبهام ، الشك واللا متناه) والغرابة (التشظي ، والغرابة المكانية ، والدمج بين المألوف وغير المالوف ، والبشاعة (القبح والقسوة) وزمن الإستجابة للشكل (مباشرة ، بعد فترة وجيزة أو بعد تمعن عميق) والرهبة (الصرامة والصمت صوتياً وتعبيرياً) .

 

وقد توصلنا إلى نوعين من الإستنتاجات ؛ عامة وخاصة ، بالنسبة إلى العامة فتلخصت بأن المفهوم العام للسمو يعبر عن المهابة والجلال والرفعة والإبهار في كل شيء ، وأنه سمة من سمات الجمال المعاصر ، ولكن لا يقتصر إمتلاكه لخصائص مفهوم الجمال من تناغم وتناسق وتناسب وغيرها من الصفات المُبهرة ، بل يتعداها إلى الجانب الآخر المناقض وهو البشع والمُرعب والمُخيف ، وبشكلٍ أدق يشكل مفهوم السمُو الحالة القصوى من الشعور بالشيء سواء أكان هذا الجانب القصي يمثل أجمل شيء أو أقبح شيء ، وعند المنطقة الوسطية من هذا المدى تقع كل القيم الجمالية الأخرى ، ويمكن بهذا الإطار تسمية أحد هذين الطرفين بالسمُو السلبي والآخر بالسمُو الإيجابي .

 

 كلا النوعين من السمُو الإيجابي والسلبي يتَجسدَ بمظاهر مختلفة في العمارة ، وضمن هذين النوعين تقع كل أنواع السمُو الأخرى ليتضمن السمُو الإيجابي كل من ؛ السمو الرومانسي ، النبيل ، المبهج ، والتأريخي . أما السلبي فيتضمن ؛ المُخيف والبشع ، وآليات التحقيق لكلا النوعين يمكن أن تكون من خلال السمُو المقياسي والتقني . كما يمكن للهيكل الإنشائي أن يكون هو المنشأ المعماري ، وذلك عندما تتكافئ القيمة التعبيرية لكل منهما من خلال إغناء وإثراء الهيكل وتفاصيله بالمعاني والرموز المستمدة من مصادر مختلفة كالطبيعة مثلاً ، فضلاً عن الإستفادة من العلاقة المكانية بين القشرة الخارجية والهيكل من خلال مختلف التفاصيل التي تُغني القيمة البصرية ، وبالتالي تكون حالة السُمو التي يثيرها المبنى ناشئة عن سمواً إنشائياً .

 

أما بالنسبة الى الإستنتاجات الخاصة فتمثل ما توصل اليه البحث من خلال الدراسة العملية وتطبيق الإطار النظري على مجموعة من مشاريع منتخبة من الفترة المعاصرة . إذ تتباين طبيعة السمُو الناتج من تنوع المعالجة الإنشائية وذلك وفقاً لطبيعة الأنظمة الإنشائية ، فالسمو يغلب في الأنظمة غير التقليدية ، والمعتمدة على توليف علاقات إنشائية غير مألوفة بصيغ مألوفة ، وبشكلٍ خاص بجعل الهيكل الإنشائي ديناميكي ومتحرك تتحول فيه الحالات المستقرة إلى أخرى غير مستقرة . ويتطلب ذلك تقنيات إنشائية جديدة - معلوماتية مثلاً - ومواد بنائية جديدة ، فضلاً عن جعل الهيكل الإنشائي معبراً عن معانٍ أخرى غير المعنى الوظيفي (الذي خُلخل في مفهوم الإستقرارية) متراكبة ومترابطة بسياقات داخلية وخارجية للمشروع التصميمي .

 

كما تبرز حالة السمُو الإنشائي للمبنى بمختلف أنواع العلاقات بين الهيكل الإنشائي والقشرة الخارجية (المتموجة ، الطائرة والواقفة على نقاط إسناد طرفية وغير مستقرة) وخاصة عندما تتكون علاقات مختلفة عند الإنتقال إلى عناصر وعلاقات مفاجئة قد تثيرالرهبة والصمت التعبيري أحياناً .

 

يبرز السمُو الإنشائي في المباني التي تعمل على إيجاد تداخل في المعاني بين الشكل والهيكل (أي شكل مهيكل) ، إذ تثير الهياكل الإنشائية غير التقليدية شعوراً بالسمُو نتيجةً للغموض الشكلي في تلقي الإشارات أو الصور الإستعارية ولأسباب عدة منها ؛ عدم هيمنة رمز معين على آخر ، أو بإبتعاد المسافة بين الذات (المصمم) عن الموضوع (المشروع) - وهي حالة مقصودة من قبل المصمم في إطار نقل رسالة معينة إلى المتلقي تتضمن الكثير من الرموز الإستعارية - ، فضلاً عن إزاحة الرموز المُستخدمة عن المعاني السياقية للمبنى (أي المرتبطة بوظيفة المبنى) ، وما يتبعه من تناهي المعاني المعبرة عن الناتج يعزز ذلك عامل الغرابة المكانية .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.