اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

رأي صريح: المهاجرون والأنتخابات في فنلندا والموقف المطلوب!// يوسف أبو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

رأي صريح:

المهاجرون والأنتخابات في فنلندا والموقف المطلوب!

يوسف أبو الفوز

 

أكتب هذه السطور بعد ان وجه لي العديد من الاصدقاء اسئلة عن هذا الموضوع، وكيف يكون موقف المهاجرين عموما والعرب خصوصا، والمسلمين منهم، في فنلندا من موضوع الانتخابات؟ ما الفرق بين برامج أحزاب اليسار واليمين؟ ولمن الافضل ان نصوت؟ وما هو الموقف من المرشحين الاجانب في قوائم مختلف الاحزاب؟ واسئلة عديدة اخرى تتعلق بموضوع الانتخابات في فنلندا. واسجل ملاحظاتي هنا، وهي وجهات نظر شخصية، وهذا يعني انها اراء قابلة للنقاش، ولكني اسجلها من خلال تجربة الحياة والعمل في فنلندا لفترة تتجاوز الان احدى وعشرين عاما والقرب من المشهد السياسي وعلاقتي بمختلف الاحزاب ككاتب وصحفي وناشط سياسي. علما انه كل موسم انتخابات، ومنذ سنواتي الاولى في فنلندا، كانت توجه لي الدعوات، ومن قبل عدة احزاب يسارية، للاشتراك في قوائمها الانتخابية سواء للانتخابات البرلمانية او البلدية، وكنت اعتذر لاسباب خاصة، ولكني كنت أعلن دعمي لعموم احزاب اليسار في حملاتها الانتخابية، انطلاقا من كون هذه الاحزاب، تتوافق مع معتقداتي الفكرية، وتحاول ان تحافظ على نموذج "دولة الرفاه"، الذي بناه الاجداد والاباء الفنلنديين من احزاب اليسار بعد نضال وتضحيات، والذي بسببه اخترنا هذه البلاد ولجأنا اليها.

وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها اوربا وفنلندا، في السنوات الاخيرة، خصوصا بعد فوز"دونالد ترامب" كرئيس للولايات المتحدة الامريكية، الذي اعطى دفعة قوية وللامام للاحزاب اليمينية والشعبوية في اوربا، اتمنى من كل مواطن مهاجر او لاجيء يحق له التصويت ان يشارك في الانتخابات، لان عدم التصويت سيكون لصالح الطرف الاخر. ان من الضروري التفكير جيدا بالمستقبل البعيد. وأذ اطرح وجهات نظري ، وهي ليست محايدة ، بل ومنحازة ، فبالتأكيد ان التصويت، ولأي حزب، اتمنى أن يخضع لقناعات الشخص بذاته، سواء اتفق أو اختلف معي في رأيه. ولكن بعد ان يسأل كل شخص نفسه: أي حزب يقف الى جانب المهاجرين ويدعم وجودهم في هذه البلاد؟ اي حزب يقف الى جانب حقوق ذوي الدخل المحدود؟ اي حزب يحافظ على نظام الضمان الصحي والاجتماعي؟ قد يكون قاريء هذه السطور، انسان ملتزم دينيا، فهل يصح له ان ينتخب انسان علماني أو ملحد، لكنه يحمل برنامج يحفظ له حقوقه ويحمي مستقبل اطفاله في هذه البلاد؟ اي حزب يا ترى يتاجر بقضايا اللاجئين والمهاجرين ومن هو صاحب الموقف الحقيقي من مجتمع متعدد الثقافات؟ من يعتقد ان مجتمع متعدد الثقافات يعني مجتمع تعدد المجرمين؟ ومن يضمر العداء الكامن للملسمين وان تبجح بالديمقراطية؟ واسئلة كثيرة ترد في البال قبل التوجه لصندوق الانتخابات. وفي كل الاحوال اتمنى ان تكون للمهاجرين مشاركة واسعة، لان صعود مرشحين يحملون برامج تقف الى جانب قضايا المهاجرين وفقراء الناس سيكون ضمان للمستقبل والاستقرار في هذه البلاد.

ولو اردنا الحديث عن مفهوم "دولة الرفاه"، الذي تسعى احزاب اليمين لتقويضه اولا وثم تهديمه تماما، من خلال اتباع سياسة الخصصة، فهو نظام كانت مجموعة دول الشمال الاوربي، وفنلندا منها، السباقة لتبنيه، وهو يسمى ايضا بدولة الرعاية وهو نموذج الدولة التي توفر لمواطنيها ووفق القانون الرعاية الاقتصادية والصحية بنظام ضمان أجتماعي متطور، فهذه الدول وان كانت تتبع نظام "اقتصاد السوق"الرأسمالي، لكنها تعتمد نظام ضمان حقوق مواطنيها بالحصول على خدمات اجتماعية وصحية تكفل لهم حياة طبيعية ومرفهة.

ان الفرق بين الاحزاب اليمينية واليسارية في الموقف من "دولة الرفاه" هو ان احزاب اليسار (في فنلندا: حزب اتحاد اليسارVAS، حزب الخضرVIHR، الديمقراطي الاجتماعيٍSDP والحزب الشيوعيSKP) ترى ان المجتمع مسؤول تجاه الفرد ومن واجب الدولة حمايته من خلال نظام التضامن الاجتماعي. بينما احزاب اليمين والوسط (في فنلندا: حزب الكوكمس KOK، حزب الوسط KESK، حزب الفنلندين الحقيقين PS والحزب المسيحي الديمقراطي KD وحزب الشعب السويدي SFP) يرون ان الفرد مسؤول عن وضعه الاقتصادي والاجتماعي، ولهذا تتبنى سياسة اقتصادية بتصفية القطاع العام وخصصته وتبني نظام اقتصادي واجتماعي يكون اساسه المنافسة بين الافراد والغاء نظام الضمان الاجتماعي وان لا يكون للدولة اي دور في رفاهية الافراد.

وهنا اجدني اعود الى تكرار ما اردده دائما، اننا يجب ان نفصل في احاديثنا بين الدولة الفنلندية والحكومة الفنلندية، خاصة حين نوجه الانتقادات ونكشف ونفضح السلبيات، حتى لا يكون هناك خلط. فالشعب الفنلندي وخصوصا ذوي الدخل المحدود، وعموم المهاجرين واللاجئين صاروا يعانون كثيرا من سياسات الحكومات اليمينية السابقة والحالية. وان الازمة الحالية في البلاد  لم تكن وليدة هذه الحكومة الحالية فقط، وانما هو تراكم من خلال ما فرضته ونفذته احزاب اليمين، خصوصا حزب الكوكمس KOK، خلال مشاركاتها او تزعمها الحكومات السابقة.

ان الانتخابات البلدية والبرلمانية، هي التي تجلب وتحدد نوع الحكومات المحلية ولعموم للبلاد، يسارية او يمينية، والشعب الفنلندي هنا مسؤول عن ذلك، فهو الذي يتوجه الى صناديق الاقتراع. لكننا يتطلب ان ننتبه، الا ان الشعب الفنلندي، المسالم، المتحضر، وفي السنوات الاخيرة، خضع لمؤثرات اقتصادية واجتماعية كثيرة، خصوصا الشباب منهم، فاثرت على القناعات والخيارات في التصويت، مما سبب نمو وصعود الاحزاب اليمينية التي صارت تهدد طبيعة النظام الاقتصادي والسياسي في البلاد، واقصد هنا تجربة "دولة الرفاه". استطاعت احزاب اليمين، وخصوصا الشعبوية منها، ان تنشط مستثمرة الازمات الاقتصادية والسياسية في عموم اوربا لترفع شعارات ديماغوجية وتظليلية سحبت بها القدرة التصويتية من صناديق احزاب اليسار. ان احزاب اليمين المتطرف الفنلندي، صاحبة الافكار الشعبوية (على غرار شعبوية دونالد ترامب) لم تأت من فراغ، بل جاء جمهورها الغالب اساسا من بين صفوف احزاب اليمين والوسط ومناصريهم، وساهمت في تشجيع نشاط الجماعات العنصرية والنازية الجديدة. ان نجاح احزاب اليمين سيوفر الفرصة الكبيرة لنمو التيار المتطرف الشعبوي اكثر، والذي وحسب مواقف منظمات حقوق الانسان، سيساعد على انتشار خطاب الكراهية وبالتالي سيكون تهديدا جادا لمجمل حقوق الانسان في البلاد خصوصا التشدد في سياسة اللجوء والعلاقة مع عموم المهاجرين. 

من هنا تأتي اهمية، الناخب ذو الاصول الاجنبية، ليكون عاملا مؤثرا في الانتخابات لصالح قوى اليسار التي تتبى قضاياه وهمومه بشكل صادق وحقيقي . فلفترات طويلة، ظل المهاجرين للاسف بعيدين عن المساهمة في الحياة السياسية،  رغم ان احزاب اليسار هي المبادرة لتبني قضاياهم ومشاكلهم انطلاقا من برامجها ومبادئها، ومع ارتفاع عدد الاجانب في البلاد التفتت الاحزاب اليمينية الى وجودهم ككتلة انتخابية وبدأت تتوجه لهم، بل ونجحت حتى في ان تحصل على مرشحين ضمن قوائمها قادمين من خلفيات اجنبية ليكونوا ديكورا براقا ، مستغلين عوامل عديدة ذاتية وموضوعية تخص المرشحين ذاتهم.

فكيف يتطلب ان يكون موقف المهاجرين الاجانب من الانتخابات والاحزاب في فنلندا؟

اعتقد علينا ان ندرك ان احزاب اليسار تسعى لبناء مجتمع متعدد الثقافات حقيقي وهذا يدفعها لتبني قضايا المهاجرين باعتبارها جزء من برامجها، بينما نجد ان احزاب اليمين تتذكر المهاجرين في ايام الانتخابات فقط وتسخدمهم كورقة انتخابية، وطوال السنة تحملهم مسؤولية الازمات الاجتماعية والاقتصادية، لاثارة خوف المواطن الفنلندي العادي، خصوصا المتردد وغير المسيس (في مصر يسمونهم بفكاهة حزب الكنبة)، لكسب صوته، وان بعض احزاب اليمين تحاول ان تحسن من صورتها فتضع بعض المرشحين من اصول اجنبية في قوائمها ليس فقط كمجرد ديكور يحسن صورتها، بل لانها مستفيدة جدا، لأن هذا المرشح وضمن قوانين النظام الانتخابي المتبع في فنلندا في انتخابات مجالس البلديات ، فحتى لو حصل اصوات قليلة جدا ولم ينجح فان اصواته ستحسب لصالح قائمته ويستفاد منها مرشح اخر، وذلك حسب طريقة عالم الرياضيات البلجيكي "فيكتور دي هوند" (1841 ـ 1901)، اذ ان دور الاصوات مهما كان عددها متواضعا يكون لها تأثير داخل ترتيب القائمة الانتخابية، والامر الحاسم يكون في مجموع الاصوات لكل القائمة. ومن المعروف ان العديد من الدول اضافة الى فنلندا تستخدم هذه الطريقة، ومنها بريطانيا ودول الاتحاد الاوربي، ودول في امريكا اللاتينية.

 

قد يختلف البعض منا مع احزاب اليسار في بعض من مواقفها، فعلينا ان ندرك ان هذه المواقف هي نتيجة لطبيعة هذا المجتمع وثقافته (مثلا الموقف من مثلي الجنس وحقوقهم) لكن يجب ان نتذكر ان هذه الاحزاب اليسارية، وحتى اعضاء الحزب من مثلي الجنس وملحدين، هم بالنتيجة يقفون الى جانب حقوق محدودي الدخل وحقوق المهاجرين واللاجئين، وقد تابعتم بالتاكيد وقفاتهم التضامنية المعلنة مع اعتصام اللاجئين المرفوضين، بل وحضور قادة هذه الاحزاب الى ساحة الاعتصام بينما رفض قادة اليمين حتى التعليق لللصحافة ان لم يكن يريدون طرد اللاجئين باسرع ما يمكن، واستنادا الى هذا فأني اشجع كل مهاجر ان يختار اي حزب من احزاب اليسار ليصوت له فهو بالتالي سيكون الى جانب "دولة الرفاه"، التي وفرت له كلاجيء ومهاجر ولاطفاله الحقوق والامان والكرامة!

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.