اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• دولة القانون... العشائري! -//- احسان جواد كاظم

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

دولة القانون... العشائري!

احسان جواد كاظم

استفحال العشائرية وفرض قيمها البالية على المجتمع العراقي بديلا عن قانون الدولة الرسمي حدث بعد تراجع مؤسسات الدولة عن مسؤولياتها ازاء المواطن وفقدانه الثقته بهذه المؤسسات.

وفي ايام الكوارث والخيبات وعندما يتعرض كيان الدولة للخطر وتتهدد هيبتها وتضعف قوتها يتراجع الالتزام بقوانينها لتظهر مكانها قوانين وشرائع وارادات فرعية تقسيمية لتفرض نفسها. وقد شهدنا هذه الحالة عدة مرات في تاريخنا المعاصر, فمنذ نزول قوات الاحتلال البريطاني عام 1916 في البصرة وتوالي انكسارات الجيش العثماني التجأت السلطنة الى العشائر لنجدتها... وحتى بعد استتاب الامور للمحتل البريطاني فان ادارة المندوب السامي شرعت قانون العشائر وجرى اثره توزيع اخصب الاراضي الزراعية على شيوخ العشائر لتنشأ طبقة اقطاع موالية لها و للحد من تمردها. واستمر العمل بهذا القانون ساريا طوال فترة الحكم الملكي حتى الغته حكومة ثورة 14 تموز/ 1958 واخضعت جميع العراقيين لقانون الدولة الموحد ثم شرعت قانون الاصلاح الزراعي الذي وجه ضربة قاصمة للاساس المادي للعشائرية وللاساس الطبقي الذي قام عليه النظام الملكي, الاقطاع, وعلى المتعاونين مع دولة الاحتلال.

ثم كان الانبعاث الجديد للعشائرية بعد اختطاف البعثيين للسلطة مرة اخرى عام 1968 وتقريب ابناء العمومة لاشغال المفاصل المهمة في الدولة لضمان الطاعة والولاء لهم ومستفيدين من تجربة شباط الاسود 1963.

وكان لفرض الحصار الدولي على العراق بعد فشل مغامرة النظام في احتلال الكويت ثم اندلاع انتفاضة آذار الشعبية عام 1991 ضده, جعلت النظام يعيد تقييم اوضاعه ويرتب اوراقه على ضوء فقدانه القدرة على السيطرة الفعلية على مناطق البلاد بسبب تنامي الرفض الشعبي له, والذي دفعه ذلك الى بعث العشائرية مجددا وبحدة وتلفيق شيوخ عشائريين موالين له سموا ب( شيوخ التسعينات ) في مناطق الوسط والجنوب وكردستان, يتمتعون بامتيازات وسلطات واسعة واغدق عليهم بمكرماته في المناسبات.

وقد اجبرت ظروف العوز وارهاب النظام وانتشار عصابات الجريمة المنظمة من عناصر النظام او من خارجه قد اجبرت المواطن على البحث عن ملجأ يجنبه طوارق الزمان فكانت العشيرة هي الملجأ.

بعد سقوط النظام عام 2003 وجدت القوى وخصوصا الاسلامية التي استلمت السلطة, الطريق ممهدا امامها بوجود شيوخ التسعينات, ومستفيدة من تجربة النظام السابق في اساليب جذبهم الى جانبها, هي التي كانت بأمس الحاجة الى ظهير يسندها, فكانوا ضالتها, لاسيما وان المنظومة القيمية البطرياركية التي تجمع بين العشائرية وافكار الاسلام السياسي متوافقة مصلحيا تماما. وقد اثبتت الاعوام الماضية الفائدة العضوية لتحكم العامل العشائري في حياة المواطنين التي جنتها الاحزاب الدينية بالخصوص لصالح استمرار هيمنتها على المجتمع والدولة , بالرغم من تراجع الظروف والمبررات التي استوجبت اعطاء دور مؤثر للعشائر حينها في الدولة الديمقراطية الجديدة, والمتمثلة بعجز الاجهزة الامنية لوحدها عن مواجهة ارهاب القاعدة والميليشيات الطائفية الاخرى, وللسيطرة على الوضع الامني. فقد بلغ عديد قوات الجيش والشرطة اليوم ما يقارب المليون والنصف وقد تنامت قدراتها القتالية والتسليحية كثيرا.

ولأن النظام الحالي ليس مماثلا للنظام السابق من حيث نهجه الدكتاتوري فهو يتضمن مظاهر ديمقراطية لاتنكر رغم تشويهها وهي وجود مشاركة اوسع على اساس المحاصصة الطائفية العرقية, التي ضمنت مشاركة ( رؤساء طوائف وقوميات ) ومن بينهم شيوخ عشائر و دين في نهب موارد البلاد وليس كما كان يحدث سابقا عندما كانت كلها تذهب الى جيب الدكتاتور الفرد, لذا فقد انتفت الحاجة الى وجود دور مستقل لشيوخ العشائر.

كما ان استمرار التمسك بالعشائر كأدوات وبالعشائرية كقيم ينبع من حاجة القوى المتسلطة على الحكم في استخدامها في صراعاتها السياسية. وقد شهدنا استجلاب السلطة لبعض اعوانها من شيوخ العشائر لقمع متظاهري ساحة التحرير المسالمين باستعمال الآلات الجارحة والهراوات .

وتابعنا ايضا جلسات صلح عشائري بين مسؤولين حكوميين استعاضوا بها عن اللجوء الى المحاكم الرسمية, كما بين المفتش العام لوزارة الصحة ووزير سابق لنفس الوزارة, تبادلوا الاتهامات بالفساد واستغلال السلطة.

وكم من مرة جرى اطلاق سراح قتلة شعبنا من السجون ارضاءا لشيوخ عشائر, لتذهب دماء ضحاياهم الابرياء هدرا وفداءا لرغبات ومصالح اهل السلطة.

الزائر للعراق يسمع عجائب وغرائب عن شيوع ظاهرة" العطوات " وتحولها الى تجارة ابتزاز, ويؤكد البعض وجود ( خبراء تفاوض عشائري ) يمكن استئجارهم, لهم مقاهيهم الخاصة لاستقبال من ليس لهم ولي ولا نصير بعد ان تخلت الدولة عن مسؤولياتها القانونية لصالح تجار العطوة العشائرية.

ومن الامثلة التي يجعل المرء يضحك بمرارة:

صدم احدهم بسيارته الصالون سيارة دفع رباعي, ورغم تهشم مقدمة سيارته وعدم تأثر السيارة الاخرى بسبب ارتفاعها, رأى من اللياقة الاعتذار لركابها عن الحادث لكن لسوء حظه تبين ان احد ركابها شيخ عشائري وقد رد على اعتذاره :" عمي كلشي يروحلك فدوة ويهون... بس آنه اعكالي وكع !". واسقط في يد المسكين وكانت الطامة الكبرى التي هجمت بيته بسبب التعويضات الباهظة لسقوط عقال الشيخ.

والحكاية الثانية تشبه الخيال: عمل احدهم حديقة بيته مخزنا لبضاعة ما, والذي اصبح مع الوقت مرتعا وملجأ للجرذان... ورغم شكاوى الجيران المتعددة له الا انه لم يحفل بهم, مما اضطر احد جيرانه وضع السم لها, ثم اخبره بموت احد جرذانه, ليتفاجأ هذا الجار بعد ايام بأناس من عشيرة الجار يطالبونه بميتهم ( الجرذ ) وفرضوا العطوة اي وجوب عقد جلسة عشائرية لفض النزاع وديا والا... كلفته تعويضات ميتهم ملايين عديدة من الدنانير.

اكتفي بهذين المثالين ولكني انوه الى ان مراجع الدوائر الرسمية يلاحظ انتشار ظاهرة ظريفة جديدة فيها تتعلق بالتعامل الوظيفي بين الموظفين حيث استبدل التعامل الرسمي المتعارف عليه بطريقة التعامل المستخدمة في اسواقنا الشعبية. فلم تعد المناداة بين الموظفين بالاستاذ والست وانما اصبحت بعمي ابو فلان وخالة ام علاّن!!!

اثبتت تجارب الامم انه لايمكن بناء دولة المؤسسات التي يتمتع بها المواطن بالمساواة امام القانون باعتماد قانون عشائري تجزيئي متخلف وانما بتأكيد هيبة القانون وتعزيز قوة الاجهزة المنفذة له وتنمية الثقة الشعبية بهذه الاجهزة وبنفاذ القانون.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.