اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• ايمان والدخان -//- قصة: انتصار عابد بكري

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مساهمات اخرى للكاتبة

ايمان والدخان

انتصار عابد بكري

اعتادت ايمان على حياة هادئة لا يعكرها دخان المدن ولا ضجتها حيث عاشت في قرية يحتضنها جبل عالي وتلال صغيرة وكان النسيم كالعطر الندي يلف هواها . بلدة طيبة بأهلها وسكانها .

في احد الأيام استيقظت ايمان وقرص الشمس يلمع على زجاج نافذتها . حيث زاد من حدة نور الصباح .

أطلت من النافذة فرأت والدتها تقطف ثمار الصبر .

"ماما صباح الخير"– قالت ايمان

صباح الورد يا احلى ايمان .

هكذا اعتاد نشاط أم ايمان على أن تصحو باكرا لتزيد جمال لون الطبيعه ، تزرع يوما شتل البندوره ومرة أشتال اخرى من ثمر وزهر . والفراشات الملونة تطير حول الورود والأشواك . كذلك لم تنسى والدة ايمان أبدا أن تجمع الأوساخ من أوراق واكياس طيرها الهواء لتجلس في زوايا ساحة المنزل .

أما ايمان فوحدها كانت تشعر بأنها كبيرة ، رغم سنها الصغير ، ومسؤولة عن الكثير من الأشياء تمسح الغبار العالق على الخزائن والطاولة والكراسي والمكتبة ، ليبقى بيتها نظيفا ومرتبا ، وإن خلد الأهل للراحة حافظت هي على الهدوء ، فلا ترفع صوت التلفاز عاليا ولا الحاسوب عند المشاهدة واللعب .

كل يوم أحد كانت تأتي تلك السيارة البيضاء الصغيرة ، ويوم الأحد هو يوم عطلة، كان صوت زامورها مميزا ، توت توت ، كانت والدة ايمان توقف السيارة لتشتري منها بعض مواد التنظيف ، من كلور وعلب لغسل الأواني وأخرى لغسل الثياب ومواد لقتل الحشرات .

أما في المدرسة وفي حصة غير عادية " حصة مشاريع وصحة " كانت مبادرة طلاب صف ايمان تنظيف عام حول المدرسة. فكانت النظافة تجلب السعادة والراحة النفسية للطالب وللمعلم وحتى لزوار المدرسة .

فكانت تتذكر كمعظم الأولاد أنه ليس من الأخلاق أن تتلف ممتلكات الغير فلا تكتب على مقعد الدراسة ولا على الحائط المحاذي للمقعد .

وتذكر وصايا أمها كما وصى لقمان ابنه بأن لا تفعل ما لا ترضاه لنفسها ، ان لا يعلو صوتها وان لا تختلف مع زملائها وان لا تقطع الزهر واللاآت (لا)كثيرة ، بعدد ما هو مسموح ان نبتسم وأن نحافظ على كل ما هو لائق وأن نلقي بالقشور في السلال وليس في الممرات وأن نرفع الحجارة والأذى من الطريق ولا نبصق على مرآى من الناس وان نستعمل المنديل عند العطس .

ساحة المدرسة نظيفة والغرف مريحة بدون أوراق في زوايا الصفوف . هذا المنظر والنظام جعل من ايصال الرسالة العامة الى تلاميذ المدرسة . فكان من المعقول أن يتتلمذ ويتعلم الإنسان أي شيء حتى النظام والنظافة بدون لافتات إلا بأن ترى هذه العادة يقام ويعمل بها على ايدي الآخرين .

لقول رسول كريم "ان الله طيب يحب الطيب ، ونظيف يحب النظافة " ، و " النظافة من الايمان " فلو قام كل فرد بتنظيف المكان من حوله لعشنا في بحر من النظافة وحلت الصحة والأمان على الطفل والهرم على الرجل والإمرأة .

عندما كان يدخل المعلم للصف كان من أداب الطلاب أن يقوموا له تبجيلا واحتراما ، لم تكن هناك لحظات من ضياع الوقت ولا الضجة حتى في الاستراحات .

حتى اذا فرغوا من الامتحانات قاموا بجولات تفقدية للقرية ، يزورن الكنيسة والمسجد والمقبرة ويتابعون هناك النظافة ، كانوا يغرسون الفل والنعنع والمرمرية .

ويتناولون وجبات خفيفة ومشتركة ، فيشعروا بأنهم اخوة من كل الديانات .

كان في القرية بركة جمعت اولادها للهو والمرح وقد تعلموا السباحة فيها، لكن اليوم ما عادت نظيفة حيث اضطر السكان لتنشيفها، زرعوا من حولها اشجار الكينيا وعملوا على طمّها . كانت الطحالب تختبئ في اطرافها تحت الأشجار وتحت الحجارة، وكنت تسمع نقيق الضفادع اما الدعاميص الصغيرة ملأت البركة وبدا الباعوض يحوم حولها ، وهذه الباعوضة طارت ، وقد حملت بأرجلها السم لتنقله وتلسع به ايمان . بالوقت الذي كانت فيه ايمان تبحث عن حضن ياسمينة يعطرها سلاما وأمانا .

إنه مؤلم ، لقد رآى والد ايمان تغير على صحة ابنته ، درجة الحرارة فوق المعدل تقيء ، حملها وأسرع بها الى الطبيب .

بعد كل الفحوصات اللازمة ، أقر الطبيب بأن حالة ايمان غير بسيطة وأنه يجب نقلها للمستشفى القريب في المدينة .

اهتزت مشاعر أهل القرية ، الكل يتمنى لايمان الشفاء والسلامة ، والكل يريد المساعدة ، حتى بالتبرع بالدم اوالمال . فهذه الزهرة دائما كانت معطاءة ومخلصة ومحبوبة . تساعد الكبير والصغير على قدر ما تستطيع .

نزلت ايمان مع والدها الى المدينة وهناك دخلوا المشفى الكبير ، فعلا كانت كبيرة ليست صندوق مرضى ولا مركز طبي انها أكبر بكثير، فيها ممرضات وأطباء واقسام كثيرة وعدا عن ذلك كانت المستشفى نظيفة . موقعها بجانب البحر زادها جمالا .

استقبلوها في المستشفى وكأنهم يعرفونها ، استلموا اوراقها ، ثم تم نقلها الى قسم الأطفال ، أجل هي كبيرة الفعل ولكنها صغيرة بعمر الورود . كان أملها بالشفاء كبير وإيمانها برب عظيم "قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا" " ومن اتقى الله يجعل له مخرجا" .

القسم فيه غرف كثيرة وفي كل غرفة أطفال يعانون الأمراض والإصابات والحروق . وأطفال آخرون تعرضوا لحوادث دهس .

كان من الصعب ان تستوعب ايمان كل ما يدور حولها، ولكنها ليست الوحيدة هناك .

وبدأ الأطباء والممرضات باتخاذ الفحوصات اللازمة لها .

وفي يوم حار جدا توسطت الشمس السماء ، احد المتنزهين نسي زجاجة في الحرش القريب من المدينة ، ومن شدة الحر عكست الشمس أشعتها على الزجاجة فشب هناك حريق .

هرعت الى الحرش سيارات الإطفاء وسيارات الشرطة ، وأيضا سيارات الإسعاف ، ربما كان هناك مصابين ، أما الشمس فما عدت تراها ، لقد غطاها دخان الحريق .

وقد تم نقل بعض المصابين الى المستشفى التي كانت ترقد فيها ايمان .

في الغرفة المجاورة في المستشفى كان علي ابن ألاثني عشر ربيعا يرقد على سريره الأبيض وأمه بجانبه ، وقد عرفت ايمان اسمه بينما كانت الممرضة تسأل عن حاله . فتجيب الام " ما زال نائما " .

علي ولد كان يعيش في المدينة ، مدينتهم جميلة لكنها ليست اجمل من قرية ايمان ، هكذا قالت دائما بأن بلدتها أجمل البلاد ، هذه المدينة كانت تطل على بحر أزرق ولكنها كانت مليئة بالمصانع ، بعض المصانع كانت تلقي أوساخها وتمررها بأنابيب إلى البحر . لقد تلوث البحر ، والمسكين علي كان ضحية البحر الملوث .

انتقلت الجراثيم الى جسمه فكانت هذه الجراثيم صديقة سيئة له، فما نعرفه جميعا ان الأصدقاء يحبون اصدقائهم ويحافظون عليهم .

عندما بدأت حالة ايمان بالتحسن كان من الصعب ان تعود الى بلدها ، فقد استأجر الأب هناك بيتا صغيرا في المدينة لمراجعة ومتابعة علاج ابنته في المستشفى . كانت تزور قريتها في فترات بعيده ، لأن السفر والتنقل لم يكن مناسب وليس صحي لها . فتقول ضجة ضجة لا احب الضجة ولا دخان المدينة .

في كل زيارة للمستشفى كانت تزور علي ، تسأل عن حاله ، لقد فرحت يوما عندما وجدته يمشي في الممر، قطفت زهرة بيضاء من حديقة المستشفى وناولته إياها ،

ابتسم وشكرها ، أخبرته أنها جاورته في فترة مرضها وأنها دائما كانت تتمنى له الشفاء ، حتى اذا كانت لها مراجعة ودخلت غرفته شعر بأنها صديقة مخلصة . وأصبح كل واحد منهما يروي للآخر عن ذكرياته وحياته .

علي وإيمان في حالة مستقرة ، واليوم هو يوم" الطفل العالمي " ، علي سيخرج لإجازة فهو مثل الأسير الذي سيخرج من زنزانته الى قاعة المحكمة يريد أن يسمع كلمة بحقه أن يصدق شيئا في حاله وفي حال صحته ..

كانت ايمان سعيدة بصداقة علي وقد تمنت لو كان يسكن في بلدها ، أخبرته عن حلم قديم " حيث ظنت أن المدن أنظف وأجمل من القرى " وقد برهنت لها المدينة غير الذي حسبته . أن هواء بلدها العليل تزفه أوراق الأشجار إلى نفوس الصغار والكبار ، بالرغم من ذلك لم يكن كاف أن يحميها من مرض سببه الإنسان نفسه .

ومن أجل كل الأطفال قامت جمعية حقوق الطفل تسعى لتضع الابتسامة على شفاه الأطفال .

وزعوا في ذلك اليوم الزهور والألعاب على الأطفال في أقسام الأطفال في المستشفيات وقاموا بفعاليات ترفيهية عدة في رياض وبساتين ومدارس البلاد .

وأجمل الهدايا التي استلمتها إيمان كانت باقة من زهور بلدها أرسلها اليها أصدقاؤها وكتبوا على البطاقة أجمل الكلمات التي قرأتها " سلامتك ، اشتقنا إليك ، عودي إلينا " .

ايمان تشفى ، تعود الى وطنها الذي تحبه ، تلتقي الأحبة ، تعانق أمها وأخوانها وأقرباءها اصدقاؤها ومعلميها ، تعود الى غرفتها الى سريرها ، تلقي نظرات من النافذة الى ملتقى الجبلين ، تتدحرج هناك الشمس البرتقاليه لتختفي ، تكبر ويكبر حلمها بغد أنقى وأطهر ، ستسعى جاهدة من أجل أن تصنع هي أيضا ابتسامات طبيعيه عى شفاه الصغار وأن تحافظ على من حولها .

تستمر الحياة والأمل كبير ، تكبر الزهور ومعها تكبر ايمان وحلمها بأن تصبح طبيبة ، تتحدى كل شيء تتحدى تقاليد قريتها بأنها فتاة تعارضها تقاليدها ، تنهي دراستها الثانوية وتلتحق بالجامعة ، تدرس هناك موضوع الطب فتمر الأيام وتنجح في دراستها . عندما وقفت ايمان لاستلام شهادتها ، عدد كبير جاء ليحضر تخرجها وقفتها الرائعة وثياب التخرج جعلت دموع الفرح تزف اليها المباركه والتهنئة . فتقرر أن عليها أن تدرس اختصاص طب أطفال ، لقد استلمت عمل في مشفى قريب من بلدها . وبدأت تتمرن وتعالج الصغار. تبتسم لهم وتخفف عنهم آلامهم وتتذكر يوم كانت صغيرة .

كانت تشارك بدورات ومحاضرات كثيرة ولشدة تواضعها لا تذكر وظيفتها كطبيبة فتشد إعجاب المحيطين بها .

بكل بساطه هي انسانه تعمل على راحة الجميع وستكافح المشاكل مع الجميع .

شاب وسيم طويل القامة ، عيناه خضراوان وشعره أسود ، عريض المنكبين . كان يعمل موظفا في قسم الصحة في البلدية ، ومن مكتبه الصغير كان يخدم المواطنين فيقوم بإرسال عينات ماء الشرب كل شهر لفحصها ما اذا كانت صحية أو لا . هو أيضا كان له طموح أن يكون مديرا او مسئولا كبيرا يستطيع أن يأخذ قرارات سريعة وحده بدون أن يأخذ أوامر من الإدارة وغيرها .

تقدمه واستكماله ، ساعده في ان يشغل وظيفة في منصب عالي ، حيث أصبح مسئولا ذات قدرة على اتخاذ القرارات المهمة من أجل سلامة البلاد .

وأصبح يخصص ميزانيات للقطاعات التي كانت أقل حظا من النظافة والتي كانت بحاجة الى تصليحات بيئية وعمل هذا الشاب مع وزارة البيئة لزيادة المناطق الخضراء . ولحل مشاكل المجاري والمياه القذرة بفتح خطوط لتسريبها . وفتح مناطق تستوعب النفايات بعيدة عن المناطق السكنية . المحافظه على بيئه نظيفه لأن النظافة من الإيمان حيث تكون العقول السليمة في الأجسام السليمة .

في احدى المحاضرات التي شاركت فيها ايمان التقت بهذا الشاب وقد تحدثا سويه ، تحدث كل واحد عن عمله ولكن ما أكبر المفاجئة التي كانت ، لقد كان هذا الشاب هو نفسه علي الولد الذي التقت به ايمان فترة مرضها في المستشفى .

إنه شعور لا يوصف ، جميل جدا أن يكون لشخصين ذكريات طفولة واحدة ، رغم أنها كانت مؤلمة ، وجميل أن تجمع الصدفة أشخاصا في فترات بعيدة في الحياة.

وتبتسم الحياة بلقاء علي وايمان ، وبما ان لكل واحد منهم حلم فان حلمهما كانا متشابهين كثيرا ، للاثنين حلم بغد آمن ، اثناهما يحلمان كيف يضعان كل لمسة صادقة في هذه الدنيا لتترك طابعا سليما على وجه الكرة الأرضية وعلى البشرية .

لقد أعلمت ايمان علي بأنها تعمل اليوم كطبيبة مسئولة في عيادة ، ولكونها ليست بعيدة عن أنباء وأخبار العالم ، كانت تحاضر لنساء البلد في مجالات مختلفة ، وتمدهم بالقصص والأمثال تحفظا ووقاية بالمحاضرات ، عن ضربة الشمس ، عن تلوث مياه البحر ، عن فوائد شرب المياه ، عن نظافة الجسم ، عن خطورة تعرض الجروح للهواء . وخطورة استعمال اللاسلكي .

كان علي سعيدا جدا بايمان لأنها نشيطة ومكافحة ، عدا عن ذلك كانت جميلة المظهر حسنة الخلق . كان يريد أن يسمع عنها الكثير ، ولضيق الوقت لم تحدثه تفصيلا أكثر . وبانتهاء اللقاء تبادلا أرقام الهواتف ودعته لزيارة قريتها وبيتها وأهلها .

لبى علي الدعوة في يوم عطلة من أيام الربيع ، وما أجمل هذه البلدة الطيبة التي لبست فستانها الأخضر المزكرش بالزهور الملونة .

استقبلت ايمان ضيفها ، فمن لا يعرف كيف كان أهل القرى يستقبلون ويستضيفون ضيوفهم . لقد حضرت والدة ايمان الذ وأشهى الطعام بمساعدة ابنتها ، الكوسا المحشية وورق الدوالي الملفوف والشوربة وصنية لحم محمرة ، والسلطات المنوعة والحلويات البلدية بمعنى ان كل التحضيرات كانت صنع محلي .

تناولوا وجبة الغداء وشكروا الخالق على هذه النعمة ، وبعد أن أنهوا طعامهم كان فنجان القهوة العربية في انتظار الجميع ، على الطاولة المستديرة تحت ظل شجرة الزيتون جلسوا ورشفوا قهوتهم السوداء .

ربما اختلطت مفاهيم أهل المدن وأهل القرى ، واستطاعت الألفة ان تقرب علي أكثر من ايمان في دفء تلك القرية الهادئة وفي حضن أزاهير الطبيعة والجداول الصغيرة.

لقد قام علي في تنظيم جمعية خاصة تعتني بأمور بيئية عدة ، مثل محاضرات توعيه ، وإشراك متطوعين في أعمال خيرية من تنظيف شوارع وفتح متنزهات ، وبناء ملاهي مناسبة للأولاد وحارب بشدة ظاهرة إقامة اللاسلكيات بين المجمعات السكنية ، لم تتجاهل ايمان تلك الجمعية ، حيث ساهمت في تركيزها وإدارتها مع علي ، جمعية اسمها " الخلود" وهدفها المحافظة على وجود الإنسان وبيئة جميلة من حولة .

ومن أجل الخلود قرر علي الارتباط بايمان ليكبر الحلم فيولد الحلم الصغير وتستمر الحياة .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.