اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• قصة قصيرة : خريف الغربة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

رحيم الحلي

 

 مساهمات اخرى للكاتب

·        قصة قصيرة : خريف الغربة

 

في مزرعة صغيرة مسيجة بجدران طينية عتيقة ، جلس الغريب على حافة النهر ، يسترجع شريط احلامه ،  نظر الى الافق الاخضر وقد حجبته شجيرات خضراء متنوعة ، توزعت بينها بيوت النحل وهي عبارة عن صناديق خشبية صبغت باللون الاخضر فيها فتحة صغيرة لدخول النحل ، احب هذه المخلوقات الغريبة رغم انه كان يخاف لسعاتها ، دار في رأسه شريط الماضي القريب ، صورة شقيقه وهو يوصله الى السيارة الكبيرة التي حملت أثاثه وأفراد اسرته ذاهبة به الى عمق الصحراء ، بينما انتظر اخوه انطلاق السيارة بلهفة ، وهو يقول لابد ان يرحل هذا المجنون الذي خرب عيشتنا الهانئة ، انه متمرد لعين ومغرور يرفع انفه للسماء ، لايعرف المجاملة ولايتنازل ، لابد ان تتنازل كي تعيش ، ثم التفت الغريب صوب النحلات وقال في نفسه : اف انها تحجب الافق حين تحلق في كرنفالات احتفالية لايدرك معناها ، ثم يفكرمتعجباً كيف استطاع هذا الصندوق الصغير ان يتسع لهذه الاعداد الغفيرة ، تذكر وطنه ومدينته وبيت والده الذي لم يتسع لزوجته وابنتاه الصغيرتان وله ، تذكر كلام شقيقه وهو يقول له : هل عدت من المنفى لتنافسني على هذا البيت الصغير ، احب هذه المخلوقات المتعاونة التي نسقت اعمالها بشكل عجيب بعيداً عن الفردية ، قال مع نفسه وهو يتذكر اسرته :

- ياليتهم خلقوا من طينة النحل ثم استدرك قائلاً مع نفسه

- لكنهم في تلك الحارة الملعونة سيتحولون الى ذباب .

 انتبه الى سرب الاوز الذي سبح في بركة الماء الصغيرة والتي بدا مائها ازرقاً بلون الاحجار التي غلفت جدرانه ، كانت هذه الاوزات تطرد احد الاوزات الصغيرات التي تعودت الذهاب الى قفص الطيور البيضاء ، التي حرص صاحب هذه المزرعة على اقتنائها ، تعودت هذه الاوزة الصغيرة على الدخول الى اقفاص الطيور والتقاط الطعام ، لكنها حين كررت فعلتها وعادت الى فصيلها تعرضت الى صياح الاوزات ولضربات قاسية من مناقيرها الحادة  ، احس برغبة مفاجئة في البكاء فهو احياناً يتذكر اصدقائه الذين رحلوا بشكل فجائعي ، انه يستذكر احدهم كل يوم ، يدير ذلك اليوم اشرطة الذكريات حتى ينفصل عن واقعه ، ثم يظل يتحدث لوحده معتقداً ان صديقه المحتفى معه في المزرعة ، فيذهب الى خابية النبيذ ، ويملأ إبريقاً كبيراً ، وعند بركة الماء البيضوية التي غطتها عرائش الكرم ، وعلى طاولة خشبية صُنِعَتْ من جذوع الاشجار ، وَضع كأسين له ولصديقه المحتفى ، كان شديد الحزن رغم انه يعيش في هذه المزرعة الجميلة ، التي اهتم بها صاحبها المهندس الزراعي و زين مدخلها واسوارها بانواع الورود ،  واختار الوانها المتناسقة بعناية وخبرة وذوق ، فبدت تلك المزرعة وكأنها قطعة من الجنان التي حلم الانسان بالدخول اليها ، كان صاحب المزرعة يتعجب من هذا الغريب الذي عرف قصته وتعاطف معه فقد غادر وطنه المتخم بالاوجاع والقسوة ، حيث قدم له مايشتهي من الطعام والشراب والكتب ، لكنه لم يستطع ان يقص جذور احزانه ، فكثيراً مايراه يتحدث مع نفسه بصوت عالي ويرفع كأسه ويطرقه بالكأس الاخر ويواصل حديثه ، الذي بدا مضطرباً مشوشاً ، لايخلو من العتاب والشجار احياناً ، ثم قال ماذا عساني اصنع له كي ينسى اوجاعه ، وذات يوم خريفي وجده طافياً على ماء البركة .

حتى لو عشت في الجنان ، ستظل غريباً ، وستظل حزيناً متورم القلب تطفوا مثل خشبة فوق الماء ، ستحملك الاسماك التي سُحِرتَ برقصاتها وبألوانها الفرحة ، سينطفيء توهجها وترفعك بزعانفها كعريس متوج ، اما ورد الحديقة سينام مذعوراً خائفاً ، فقد غاب خليله ، في تلك اللحظة فقط ستنطفيء اضواءك وستنتهي احلامك ولن تسمع صدى القذائف ولا انين المعذبين ، وهناك ستحلق صوب اصدقائك البعيدين بأجنحة احلامك النزقة ، الملونة بالوان حمراء وبرتقالية ، لم تخلق لهذا العالم الرديء ، فهناك ينتظرك عالمك الوردي الذي عجزت ان ترسمه هنا ، رغم كل هذه الاصباغ الجميلة وكل هذا الريش ، صرت زورقاً تهزه انسام الخريف ، وهاهي وريقات الاشجار الساقطة مثل سنوات عمرك ، التصقت بثيابك وسترحل معك ، دع هذا العالم لغيرك ، ربما انت لاتستحقه او هو لايستحقك ، وافرش علينا كل متاعك المتهالك وسنهديك كل افراحنا المبعثرة وحلوانا ، خذها متاعك في الرحلة ، وقارورة مائك  هي عسل محبتنا ، ارحل الى نجمك البعيد في ذلك النيزك الضاج بالاضواء الليزرية ، فهناك ستجد حانتك الجميلة واصدقائك المخلصين .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.