اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (686)- يوسف عمر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (686)

 

يوسف عمر

      يتراءى للمرء من الوهلة الاولى، ان شخصية الفنان الكبير يوسف عمر شخصية عفوية بامتياز..! عفوية بسيطة في تفكيرها ومشاعرها وسلوكها..! بيد انها في حقيقة الامر عكس ذلك تماما..! فخلال تجربة علاقتي الشخصية بهذا الفنان الكبير في الخمسة عشرة سنة الاخيرة من حياته، وجدت فيه ما يختلف كل الاختلاف عما يتصوره غالبية الجماهير عن هذا الرجل الفنان الكبير..! فقد امتلكت هذه الشخصية المثيرة في كيانها الحقيقي الذي لايبدو واضحا للعيان بأنها كذلك..! امتلكت كارزما نادرة ومثيرة وذكية في عمقها الحقيقي للشخصية. وهكذا نرى ان يوسف عمر بما عرفنا عن شخصيته في المجتمع انسانا وفنانا في ثقافته وعلمه الذي اقام فيه المجتمع العراقي ولم يقعده. وما زلنا نقول عنه ونطلق عليه بأنه انسان عفوي تلقائي بسيط في كل شيء..! بل يقال عنه ايضا انه رجل امّي..! ولكن الامر يبدو انه ليس كما يقال ويطرح بالضبط..!

     ان الفنان يوسف عمر، فنان طبيعي، عالِـمٌ في شؤون المجتمع، واعٍ بما يحيطه من علاقات، واعٍ بما يطلب منه في تسيير تجربته الفنية، بالرغم من انه تركها على طبيعتها دون ان يتدخل في ترويجها او تسويقها للجماهير، وهكذا جاءت شهرته التي حصل عليها هبة من السماء ودون ان يحسب لها اي حساب..! 

 

          منذ تأسيس معهد الدراسات النغمية العراقي عام 1970، أثار إنتباه الاوساط الغناسيقية في العراق، وأصبح المعهد ملاذاً ومركزاً غناسيقياً مهمَّاً لكل الوسط الفني في عموم  البلد، رغم تخصصه في غناء وموسيقى المقام العراقي فقط..! وعليه بدأت تـُعقدُ وتــُبنى الآمال الفنية عليه، في إعداد المواهب الفتية في الغناء والموسيقى المقامية. فكان كثير من الفنانين المعروفين يتردَّدون على هذا المعهد الفتي، خاصة والمعهد كان بين الحين والآخر يقيم الامسيات داخل المعهد وخارجه في شتى المناسبات الطلابية والوطنية. حتى وصل الامر في بعض الأحايين الى أن يشارك بعض الفنانين المعروفين من خارج المعهد بهذه الأماسي ..!

         لعل الفنانين من الوسط المقامي، كانوا الاكثر حضورا ومشاركةً من بعضهم الى المعهد بين الحين والاخر..! ويمكنني ان اتذكر البعض من هؤلاء الفنانين كالمطرب المقامي يوسف عمر وعبد الرحيم الاعظمي ومجيد رشيد وعبد الرحمن خضر والحاج هاشم الرجب وحمزة السعداوي وحسن البناء ويونس يوسف وشهاب الاعظمي ومجيد العاني وغيرهم،

 

يوسف عمر الرجل الذي كرس حياته الغنائية في اداء المقام العراقي، حيث غنى معظم المقامات كبيرها وصغيرها، بل كل المقامات المتداولة في بغداد..! وقد اجاد ونجح في جميعها على وجه التقريب، واداها بنضوج فطري ترافقها خبرة طويلة في الممارسة، اضافة الى الموهبة التي يتمتع بها. ان المقامات التي غناها يوسف عمر تكشف النقاب عن امكانية مؤثرة في الجماهير، وقد امتاز يوسف بطريقة اداء واسلوب غنائي تعليمي واضح المعالم ودراسي، جاء بالفطرة دون قصد منه. أي ان طريقته الغنائية السهل الممتنع كما يقال في الادب. ولعل هذه الميزة التي انفرد بها يوسف من اهم اسباب نجاحاته في الاداء وبناء مجده الذي لم يكن يوسف قد حسب له حسابا بالمرة.

 

     بهذه السهولة الادائية، كان يوسف عمر قريبا لابسط المستمعين ثقافة، وقد كنتُ شخصياً أستعين بالكثير من تسجيلاته خلال تدريسي للمقام العراقي في معهد الدراسات الموسيقية، باعتبارها نموذجا غنائيا واضح المكونات ودون تعقيدات، وقد اعتمد يوسف عمر في اسلوبه هذا على تبيان عناصر المقام العراقي واجزائه في تسلسل واضح وجيد في معظم الاحيان، والسامع يستطيع من اول وهلة ان يتتبع سير او تشخيص محتويات المقام العراقي الذي يسمعه بصوت يوسف عمر..! وعليه فقد حصل يوسف عمر على مستمعين من كافة المستويات بمزيد من المتعة.

 

قد يتساءل جمهور المقام العراقي عن امكانية ظهور يوسف عمر كمؤدٍ للمقامات بدون القبانجي..!؟ او هل ان يوسف عمر ظهر بأفول نجم محمد القبانجي..!؟ اني اشك في هذا..! ان اساليب التذكير المبنية في داخل اداء كل منهما توضح لنا الميزة الفارقة بينهما من خلال ادائهما للمقام العراقي وما يصل الى السامع، ذلك على الرغم من ان كثيرا من فن يوسف عمر وصفاته الادائية وطريقته التي بنى عليها اداءه للمقام العراقي، كان قد استقاها من استاذه القبانجي، الا ان يوسف ليس بسارق افكار او اساليب وطرق  غيره، ليس بسبب اسلوبه الادائي المستقى، وانما لأن السامع يشعر انه يسمع شيئا يختلف عما يسمعه في مقامات استاذنا محمد القبانجي. على الرغم من وجود كثير من اوجه التشابه في بناء المسار اللحني وتطبيق الاصول المقامية بينهما، الا اننا نلاحظ ان هناك اسبابا اخرى لنجاح يوسف عمر في ادائه منها فارق الزمن. فالقبانجي برز في النصف الاول للقرن العشرين، اما يوسف عمر فانه ظهر بعد منتصف هذا القرن. ولا شك ان هذا الفارق الزمني في العصر الحديث يعتبر فارقا زمنيا كبيرا، للتطور السريع المستمر في الزيادة الحاصل لشتى مجالات الحياة. فالتعبير عن روح عصر كل منهما يختلف بطبيعة الحال، مع اضافة ان القبانجي ارستقراطي الطبع في حضوره الادائي بينما يوسف عمر شعبي الطبع في حضوره الادائي. ولعل هذه البساطة في اداء يوسف عمر جعلته ايضا، قريبا الى اسماع الجماهير بشكل ملفت للنظر..!

 

ومن خلال هذه الميزة التي يتمتع بها يوسف عمر في ادائه الذي اطلقنا عليه صفة الشعبية. فانه يعتبر اقرب المؤدين قاطبة من التعبير الادائي للروح البغدادية. واخيرا فان كلا من القبانجي وتلميذه يوسف عمر يتمتعان ببراعة احترافية جيدة.

ومن ناحية اخرى فقد امتاز يوسف عمر كما ذكرنا آنفا بالروح المعبرة عن البيئة البغدادية في كل ادائه، وكذلك تميز بنقله للاصول والشروط المقامية من حيث مساراتها اللحنية وتعبيراتها من السابقين الى اللاحقين بكل امانة واتقان، ولم ينقص منها شيئا وكذلك لم يضف إليها جديدا..! سوى انه عبر عنها باسلوب جمالي فذ استمع إليه الناس المعاصرون. وامتاز يوسف عمر ايضا بحفظه المثير للقصائد والزهيريات والابوذيات والاغاني الكثيرة، على الرغم من كونه لم يتعد المرحلة الابتدائية في الدراسة..!

وكذلك امتاز صوته بمساحته الكبيرة التي تتسع لمدى لحني لاكثر من اوكتافين، وعليه فان صوته متكامل بالنسبة للمساحات التي يحتاجها اداء المقام العراقي وهي بلا شك مساحات واسعة جدا، فنوع صوته هو من فصيلة (التنور).

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

يوسف عمر / مقام الابراهيمي

https://www.youtube.com/watch?v=8f-cUcF3tkc&ab_channel=badransadoon

 

 

في باب معهد الدراسات النغمية العراقي يقف في اليمين حسين الاعظمي ويوسف عمر ومحمد كمر ومحمود زازة وشعوبي ابراهيم 1975.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.