اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعـظمي (1) - البيئة والمحيط

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يوميات حسين الاعـظمي (1)

 البيئة والمحيط

       كان لنشوئي في اسرة عربية دينية محافظة، تحب الدين وتلتزم بكل اخلاقه ومبادئه السمحاء. وتحب التراث، تحميه وتحافظ عليه، وتستلذ بتعابيره التاريخية العريقة، تمارس الشعائر الدينية بكل تقاليدها دون احتراف، كذلك نشوئي في حي السفينة من مدينة الاعظمية التي يمكث فيها مرقد الامام الاعظم ابا حنيفة النعمان ابن ثابت الكوفي (رض). وكما يؤكد ذلك علم الفولكلور، فان اي منطقة فيها مرقد ديني كبير، (أي دين) فاول ما يلاحظ هو إلتفاف ابناء المنطقة واهتمامهم بالاداءات الدينية، وحبهم وولعهم بالتراث الديني والدنيوي، وكل الظواهر التاريخية والتقليدية الاخرى. وغالبا ما يطلق على مثل هذه المناطق الدينية مصطلح (منطقة محافظة) وهي فعلا مناطق محافظة على الدين والاخلاق والتراث والاصالة والتسامح. ومدينة الاعظمية، واحدة من هذه المناطق التي تتمتع بمرقد ديني كبير، وولع ابنائها بالاداءات الدينية والدنيوية المتمثلة باداءات المقامات العراقية..

       تقع مدينة الاعظمية مباشرة من الناحية الجغرافية على نهر دجلة الخالد، الذي يحيطها من معظم الجوانب، جاعلا منها شبه جزيرة تتمتع بالاجواء الجميلة والهواء العليل، وبيت اسرتي واهلي كان يطل مباشرة على النهر، وهو أمر له اهميته الكبيرة في طرح اهوائي وميولي الفنية، وبناء اسس طموحاتي من خلال ما تنتجه مثل هذه البيئة والمحيط، اللذان يمكن ان تترعرع فيهما وتنمو المواهب الفتية والاهواء الفنية الطفولية والشبابية، ولم يكن يمنعني شيء من السباحة في النهر، فالقضية بالنسبة لي اسهل ما يكون، فسلم شرفة البيت المطلة على النهر يوصلني مباشرة الى الشاطئ في ثوانٍ معدودة، وفي ذلك متعة ما بعدها متعة..! سباحة دائمة وفي معظم اوقات اليوم، مصارعة، لقاء ابناء الحي، التجوال في النهر عبر الزورق، من ثم الغناء والسفرات القريبة بين مناطق السباحة، وعلى الاخص كانت الى منطقة بلاسم الياسين. وساحة نادي الكاظمية الرياضي، الواقع على نهر دجلة في الجهة المقابلة لمنطقتنا من الاعظمية، فكان عبورنا نحن الاصدقاء وابناء الحي، الى نادي الكاظمية شبه يومي، اما سباحة او في الزورق، حيث نلعب كرة القدم في ساحة النادي، ثم نعود في غالب الاحيان سباحة الى جهتنا في الاعظمية تاركين البعض منا ليعبروا في الزورق..!

       ايام تبدو عصية على النسيان، حيث لم تأتِ ايام اجمل منها حتى اليوم، رغم ان الله سبحانه وتعالى قد منَّ عليَّ بالسفر الدائم منذ اكثر من خمسة واربعين عاما والتجوال حول بلدان العالم، التي وصل عددها الى اكثر من سبعين بلدا..! موزعة في القارات الخمس، ومشاهدة ما لم يكن في الحسبان، اجمل بقاع الارض والتمتع بها وقضاء الاوقات الجميلة والذكريات الراسخة في العقل والخيال. والتعرف على الكثير من الاصدقاء ومن جميع الجنسيات التي مررنا ببلدانها، والتفاعل الحضاري والثقافي الذي كنا نعيشه خلال كل التجربة الفنية الغنية بمضمونها العلمي والمعرفي والثقافي، كل ذلك لم يستطع ان يمحي او يتجاوز حلاوة تلك الايام الخوالي الراسخة في الاذهان والمشاعر والذكريات الحالمة التي مررنا بها ايام الحداثة والشباب في مناطقنا، بالرغم من بساطة وسهولة تلك الايام والحمد لله على كل شيء..

      في مثل هكذا بيئة ومحيط، تنمو وتزدهر وتبرز الامكانيات الذاتية لدى الانسان، وتظهر الى الواجهة الكثير من المواهب التي منحها العلي القدير الى مخلوقاته البشرية، فكان قدري وولعي وهيامي في موسيقى وغناء المقامات العراقية، تراث الاباء والاجداد، والمحافظة عليه للابناء والاحفاد. هو ديدني منذ هذه البواكير من الحياة عفويا وعقليا. وامتلكت تعابيره شيئا فشيئا، ليمسي بمرور الزمن ثقافتي المحببة وهويتي الخاصة بين الناس، حتى جرني القدر بعدئذ لزيارة المتحف البغدادي، حيث تقام فيه اماسي موسيقى وغناء المقام العراقي مساء كل جمعة من كل اسبوع..    

 

نكمل حديثنا في حلقة قادمة ان شاء الله

وللذكريات شجون

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.