اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعـظمي (154)- القبانجي وسط جماهير الاعـظمية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعـظمي

 يوميات حسين الاعـظمي (154)

 

-    القبانجي وسط جماهير الاعـظمية

-    بكاء الرجال ليس عيباً

          يحتفل الاعظميون سنوياً، بمناسبتيـْن جليلتيـْن على نفوس كل مسلم ومسلمة، وينتظرون ذلك بفارغ الصبر على الدوام، قدوم الاحتفال بهاتيـْن المناسبتيـْن الدينيتيـْن العظيمتيـْن هما، ذكرى مولد رسولنا الكريم محمد ابن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، وذكرى الاسراء والمعراج، التي اسرى فيها نبينا الكريم من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى. الذي يقام في الساحة الكبيرة لجامع الامام الاعظم أبا حنيفة النعمان إبن ثابت الكوفي (رض). ليستمعوا ويستمتعوا بكل فقرات الاحتفالين، وعلى الاخص بالمنقبة النبوية الشريفة، التي كانت على الدوام ضمن منهاج الاحتفاليـْن السنوييـْن الذي يتضمن إلقاء كلمات بالمناسبة وقصائد شعرية تعبـِّر عن المناسبتيـْن. حيث يقود المنقبة النبوية الملا الشهير بدر الاعظمي، يرافقه فيها أعظم قارئ مقام عراقي على مدى العصور، محمد القبانجي. وقد كانت هذه الاحتفالات غالباً ما تنقل تلفزيونياً عبر الهواء مباشرة..

 

          في إحتفالية المولد النبوي الشريف الذي صادف بالتاريخ الميلادي، يوم 16/5/1970. إحتفل الاعظميون كعادتهم في ذكرى المولد الشريف. وقد حضر الاحتفال كالعادة، الكثير من الوفود التي كانت تأتي في كل مناسبة من هاتين المناسبتين من جميع محافظات العراق، مُحمـَّلة بكلماتها وقصائدها لتشارك في إلقائها بالاحتفال. وفي هذا اليوم من إحتفال هذا العام للمولد النبوي الشريف، حضر نائب رئيس الجمهورية المرحوم الفريق الطيار حردان عبد الغفار التكريتي. راعياً للاحتفال وممثلاً لرئيس الجمهورية المرحوم احمد حسن البكر. وكانت الجماهير محتشدة وغفيرة جداً كالعادة، والمنقبة النبوية طبعاً من ضمن المنهاج، والجماهير تنتظرها بشغف بالغ، وقد وُضِعت في آخر المنهاج، وبعد إلقاء بعض الكلمات من قبل بعض الوفود القادمة وبعض المؤسسات الدينية الاخرى بالمناسبة، وقصائد شعرية لشعراء معروفين، وعلى الأخص الشاعر والداعية الاسلامي الحاج وليد الاعظمي، والشاعر د. رشيد عبد الرحمن العبيدي وآخرين. وهما من المشاركين الدائميين في مثل هذه المناسبات الدينية. وقبل أن تبدأ المنقبة. حان الوقت كما يبدو لمغادرة  نائب رئيس الجمهورية المرحوم حردان عبد الغفار التكريتي للإحتفال..! وبعد مغادرته، أحسَّ الاعظميون بقارئهم الكبير محمد القبانجي وقد أصابه الامتعاض من مغادرة المرحوم حردان والمنقبة النبوية الشريفة لم تبدأ بعد، فعملوا بصورة عفوية وتلقائية على التعويض وامتصاص الحالة التي أحسَّ بها استاذنا القبانجي. فاستمعوا إليه بشغف بالغ، واستمتاع ما بعده استمتاع، وودعوه بعد إكمال المنقبة وإختتام الاحتفال أعظم توديع، من منصة القراءة حتى السيارة التي كانت واقفة على بعد أكثر من مئة متر. وقد زُفَّ القبانجي الى سيارته من خلال جماهيره بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً..! وكنت أنا في كل هذه التظاهرة الكثيفة، قريباً جداً منه، وفي لحظة من اللحظات سمعته يستغيث وسط ضغوط الجماهير ويقول، إخواني أرجوكم دعوني أتنفس أكاد أختنق، إعطوني مجالاً، أشكركم، أشكركم، أشكركم..

 

       والصورتان الموجودة أعلاه، نادرة ولم يسبق أن نشرتها من قبل..! وهي تبيـِّن بصورة واضحة مدى الحشد الجماهيري من أبناء الاعظمية حول فنانهم العظيم محمد القبانجي في ذلك اليوم التاريخي 16/5/1970..

         ومما أتذكره في إحدى هذه الاحتفالات الدينية أيضاً، التي تـُمسي الاعظمية فيها عروساً فـَرِحةً مستبشرةً محبةً لله ودينه الحنيف. وأنا شابٌ يافع واقف وسط الحشد الجماهيري المعتاد في مثل هذه الاحتفالات، وكنت قرب شخص معروف في الاعظمية بكنيته، جعفر (أبو الخابور) او ابو الزوالي، الذي عُرف بعمله في بيع وشراء الزوالي (السجاد). وفي هذه اللحظات التي لم ولن تــُنسى أبداً، كان استاذنا القبانجي يؤدي مع الملا بدر الاعظمي فقرة المنقبة النبوية الشريفة كعادته كل عام، وكان الدور له في الاداء، وفي لحظة من هذه اللحظات أدرتُ وجهي مصادفة الى يساري حيث يجلس المرحوم جعفر ابو الخابور، واذا بي أراه يبكي وهو يستمع الى ملهم الجميع محمد القبانجي، وبصوت شبه مسموع..! لحظات أدهشتني كثيراً..! لكنها أثارت إنتباهي وإعجابي بنفس الوقت، كيف يبكي رجل بصورة علنية وهو في عمر السبعين من عمره تقريباً..!؟ لم أشاهد ذلك من قبل..! إنها لحظات خالدة ، يعبر فيها القبانجي في حقيقة الامر، عن تجربة كل إنسان عراقي، عن تجربة العراق كله، عن تجربة التاريخ التراجيدي (المأساوي) لهذا البلد المظلوم..! هكذا هي تعابير الغناء المقامي، حزن مهذب، عتب، شكوى، أخلاق سامية، رجولة، عنفوان، إستنكار، إحتجاج على كل الاقوام التي حكمت العراق على مدى تاريخ الفترة المظلمة التي مرَّ بها العراق بعد سقوط العباسيين (656هـ 1258م) . الذين أشاعوا الظلم والطغيان والفساد في هذا البلد العظيم، بلد الحضارات الانسانية العظيمة، وخلفوا كل هذه الاحزان العميقة في نفوس كل العراقيين...

          ومن وقتها ، أدركتُ أن بكاء الرجال ليس عيباً ..!

 

 

صورتان نادرتان أنشرها لأول مرَّة ، بعد مرور اكثر من ثمانية واربعين عاماً على ذكراها في يوم السبت 16/5/1970 وحسين الاعظمي ظاهر في يسار الصورتين

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.