اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (260)- المقام المصنوع

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 عرض صفحة الكاتب

يوميات حسين الاعظمي (260)

 

المقام المصنوع في رابطة الكتاب الاردنيين

     (محاضرة اخرى يستضيفني بها التجمع العراقي الثقافي في رابطة الكتاب الاردنيين في يوم الاربعاء الخامس عشر من تموز 2015. وكانت الامسية الثقافية هذه قد كرستُها حول مصطلح جديد تحدثتُ به في بعض كتبي الصادرة. فكانت هذه المحاضرة.)

 

 

        (ان ظهور جهاز التسجيل الصوتي، هذا الانجاز العظيم الذي فصل الحياة البشرية الى ما قبل هذا الابتكار، وما بعده ..! حيث شكل انعطافا مذهلا اثرى مجرى الحياة برمتها، الذي احدث ايضا انعطافة مذهلة في تطور الحياة البشرية وغيـَّرَ مجراها حتى يوم الناس هذا ..! فقد اثرى كذلك تطورا كبيرا في العملية الفنية والوعي الادائي المقامي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تماشيا مع تطور بدايات هذا الجهاز - جهاز التسجيل الصوتي - بصورة تدريجية بسيطة..! كذلك كان تاثير هذا الابتكار العظيم لجهاز التسجيل الصوتي ، مؤثرا في جميع مجالات ما يعني الفنون الجميلة على وجه العموم ..

         ومن الطبيعي ان يكون من السطحية والخطأ معا ، الافتراض بانه يمكن ان يتطور فنـَّاً من الفنون لوحده دون تطور الفنون الاخرى الموجودة في نفس الظروف الثقافية المعاشة. وقد بيـَّن لنا التاريخ الحديث، التطور النسبي للحياة الاجتماعية بكل نواحيها، وكم هي مهمة هذه التطورات، اذا تتبعنا بعناية عملية هذه التطورات رغم قلة المصادر والارشفة والتوثيق. ولعل ظهور المطرب المقامي الحاذق احمد الزيدان (1832 – 1912) بعد انتصاف القرن التاسع عشر في بغداد مطربا كبيرا في غنائه للمقامات العراقية، الذي اسس طريقته الفذة (الطريقة الزيدانية) وسط المنافسة القوية من قبل مغنين مقاميين معاصرين افذاذ، لعل ابرزهم استاذ الزيدان المطرب خليل رباز ابراهيم (1824 – 1904م) وحمد بن جاسم ابو حميد (1233 – 1298هـ) وفي ضوء هذه التطورات الفنية الشاملة للمجتمع العراقي، وان تكن في بداياتها، وللمرة الاولى بعد سقوط العباسيين، ليس غير أن يصبح واضحا، لماذا هذه التطورات الفنية في بغداد..؟ التي كان فيها المقام العراقي ابرز الفنون المهيمنة في الاوساط الفنية والثقافية منذ اواخر القرن التاسع عشر..!

       لقد كان لنقاد وكتاب ومتخصصي الغناء المقامي في القرن التاسع عشر نفاذ صبر، في حقيقة ان جميع كتاباتهم النقدية وملاحظاتهم الفنية التي وجهوها ضد التخلف الادائي الفني في عموم الغناء العراقي زمنذاك، لم تكن ذات نفع مباشر، لضعف الوسائل والامكانيات المتاحة للتطور السريع، وهو امر طبيعي، لطبيعة الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفنية على وجه العموم. ونحن اليوم لا نستطيع إلا أن ندرس ونبحث في هذا التطور البطيء نسبيا، بايجاز فيما يتعلق بتاثيراته بالحس التاريخي وفي شعور وفهم التاريخ، لان هذه الجوانب ذات اهمية كبيرة وحيوية لمشكلتنا مباشرة..!

       نحن معنيون بتجربة التاريخ الجماهيرية، معنيون بتجربة تساهم فيها كل فئات المجتمع الطبقية والثقافية والفنية..! على امل ان يكون استيقاظ حس بالتاريخ اكثر وعيا، ليؤثر في تجارب وافكار كل الجماهير..! وهو ما سار عليه نسبيا، التطور الفني للغناء العراقي بصورة عامة والمقام العراقي بصورة خاصة، الذي اظهر للوجود فنانين مقاميين بارزين امثال خليل رباز واحمد الزيدان وحمد بن جاسم ونعمان الاعظمي وقدو الاندلي وغيرهم ..

        ان طبيعة هذه العلاقة ينبغي ان تؤكد على نحو ما، بحيث لا يسود الاعتقاد عندما نتحدث عن تطور او تغير في فنون الاداء المقامي من خلال مضمونه التراثي بين جميع الالوان الغنائية في بلدنا العراق، باننا نقصد بان اداءاتهم المقامية كانت بالضرورة متأثرة بصورة مباشرة بالتغيرات والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلد، رغم ان مثل هذه التاثيرات موجودة بنسبة واضحة..! ان هذا التاثير الممكن اثباته من الناحية النظرية، ليس هو المهم، بل الطابع المشترك لردود الافعال تجاه الواقع المعاش، واذا كان المؤرخون والكتاب والنقاد الموسيقيون قد حققوا تأثيرا ملحوظا في هذه القضايا، فليس هذا التاثير سببا رئيسا، بل هو نتيجة للتطوارات والتفاعلات الحاصلة بين الكتاب والنقاد والمؤرخين والقراء من جهة، وبين المؤدين المقاميين من خلال اداءاتهم المقامية من جهة اخرى ..

       وهكذا كان غناء المقام العراقي مع الفرقة الموسيقية المرافقة له، لا يتميز بمستوى ادائي فني رفيع. فالثقافة الموسيقية، وربما حتى الثقافة العامة شبه معدومة لدى غالبية المجتمع المقامي..! وشاهدنا على ذلك، التسجيلات المقامية الاولى اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين. فدور الموسيقى يكاد يكون ثانويا في العمل المقامي ككل..! واهميتها محصورة في اعطاء الطبقة الموسيقية للمغني كي يبدأ الغناء، ويستمر المغني حتى النهاية وهو لايكاد يحاور أي موسيقي يرافقه..! ولكن بمرور الزمن وخلال فورة التقدم التكنولوجي في اجهزة الصوت ثم الصورة ووسائل الاتصال في النشر والتوزيع والحفظ. تغيرت الكثير من مستويات الانتاج والتسجيل الصوتي في الاعداد والتقديم نحو التطور الفني الايجابي، فاصبحت المقامات العراقية التي تسجل تتقدمها مقدمة موسيقية معدة اعدادا تقنيا وفنيا منظما، كذلك ترسيخ الدور الفاعل للموسيقى بالتوازن مع الغناء في حوار فني جميل ومنظم معد اعدادا مسبقا.  

       وهناك امثلة كثيرة شاهدة على هذا التطور الغناسيقي في تسجيلات المقامات العراقية الصوتية والمرئية، الذي اطلقت عليه مصطلح جديد (المقام المصنوع) ومن هذه الامثلة، نأخذ مقام الرست للمطرب حسن خيوكة الذي يصور التفاعل الذوقي بين الموسيقى والغناء، واعطاء الدور الطبيعي المميز للموسيقى مع الغناء، وهو يوضح بجلاء هذه الوحدوية الممتزجة ذوقيا لكل فئات الشعب عند سماع مثل هذه التفاعلات المقامية الصادقة، باسلوب تاريخي حقيقي، وهو يذهب الى ما هو ابعد من ذلك، حيث كانت كل مقامات حسن خيوكة المسجلة بصوته من نتاجات المقامات التي اسميناها بـ (المقامات المصنوعة او المقام المصنوع) التي برزت في حقبة التجربة (هامش1) واعني بذلك، المقامات المعدة اعدادا غناسيقيا جديدا، الا ان حسن خيوكة بوصفه احد ورثة الطرق الغنائية السابقة رغم ابداعاته المضافة، وبوصفه مغنيا متمكنا في الغناء المقامي، فانه يرى ويبين بتجسيد واضح، كيف تنصهر اذواق مختلفة من فئات الشعب في خط عام من الذوق والاستمتاع..! وكيف اوضح بصراحة بان الصدق في التعبير هو السبيل الارجح، وهو العامل المشترك لعموم الاذواق، وهو الفرصة العظيمة لضمان الوصول الى حالة التطور والوعي بفنونا الغنائية. وبهذه الحالة يتكشف التفاعل الحقيقي بين الاعلى والادنى من ابناء الشعب الذين يؤلفون مجموع الحياة الشعبية..!

      ان صور الجمال والذوق للحياة الشعبية، ترسم تماما بذات الطريقة التي ترسم وتصاغ بها المقامات العراقية بنجاح في نواحيها الفنية والتعبيرية، ومن المسلّم به ان مغني هذه المقامات المصنوعة هم الابطال الحقيقيون لقيادة نتاجاتهم المقامية الناجحة.

      ونرى بوضوح ان لمسات من هذا القبيل من التعابير، تظهر بوضوح بالغ عند مزج المغنين الكبار ما بين الروح الشعبية والتعبير عن العراقة التاريخية لمادة غنائهم _ المقام العراقي _ ولدى المغنين الكبار يكون هذا النجاح ظاهرا دائما باسلوب حاذق، وهكذا تصبح نتاجاتهم المقامية على مستوى ادائي عال، ويبدو ان لسان حال اهدافهم في تصوير الازمات الذوقية والجمالية في حياة الشعب، هو اظهار الوجود الانساني الذي يكون مطلقا من عقاله في ممثليه المهمين من المغنين المقاميين من هذا النوع الشامل في امكانياتهم ومستوياتهم.)

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

يوسف حريش / مقام النوى

https://www.youtube.com/watch?v=s4ezhLVmeRE

 

رشيد القندرجي / مقام الاوج

https://www.youtube.com/watch?v=vrSG1oo6yPA

 

يوسف عمر / مقام حجاز كار

https://www.youtube.com/watch?v=oE_yCrmYHZ0

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.