اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (264)- ورثة الانفتاح / جزء 1

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 يوميات حسين الاعظمي (264)

 

ورثــة الانفــتاح / جزء 1

     كانت رسالتي لشهادة الماجستير مكرسة للحداثة المقامية التي اجتاحت القرن العشرين. وكما هو معروف في الاوساط الفنية المقامية، كان رائدها ومثيرها الاول مطرب العصور المقامية محمد القبانجي..! فكانت هذه الحداثة هي الشغل الشاغل حتى اليوم، لكل الوسط المقامي من مغنين وعازفين وكتاب ونقاد وباحثين ومتذوقين. وعليه كانت حقبة انتصاف القرن العشرين (حقبة التجربة (هامش1)) هي الذروة التي تفجرت فيها ابداعات مقامية كثيرة نتيجة هذا الانفتاح الذي ساد القرن العشرين بصورة عامة، بعد الابداعات الكبيرة التي بدأها وفجرها مطربنا الكبير محمد القبانجي. ولعل الخمسة الكبار الذين تقارب ظهورهم في حقبة التجربة، واصدرتُ بهم كتابا خاصا اسميته في البداية بـ الاربعة الكبار في المقام العراقي، وقد صدر في الجزائر خلال كونها العاصمة العربية الثقافية 2007. ثم اعدتُ اعداد هذا الكتاب ثانية جاعلا منه خمسة كبار وليس اربعة..! وسيصدر قريبا ان شاء الله. والخمسة هم حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبد الرحمن العزاوي ومائدة نزهت..! 

 

     لقد ورث هؤلاء المغنين الذين برزوا في حقبة التجربة، اتجاه التنوير والانفتاح من الحقبة السالفة (حقبة التحول) وعلى الاخص من استاذهم محمد القبانجي، وصوروا بمواهبهم التعبيرية حياة الانسان العراقي خصوصا والعربي عموما في نتاجاتهم الغنائية في المقام العراقي، ومهما اختلفت وجهات النظر فيما بينهم. الا انهم اتفقوا جميعا على التعبير بكل الصدق عن فحوى حياتهم الاجتماعية، فعندهم الصدق في التعبير عن واقع الحياة شيء لايمكن سبر غوره، كذلك اتفقوا بما كانوا يهدفون في تعزيز المسالة التاريخية المتسلسلة عبر الاجيال لشكل ومضمون غناء وموسيقى المقام العراقي.

 

      ان محاولة تطبيق فحوى اساليب الطرق الغنائية السائدة، وعلى الاخص الطريقة القندرجية والطريقة القبانجية، بل وحتى ما تبقى من اتباع الطريقة الزيدانية الاسبق من هاتين الطريقتين، على التفاعلات التاريخية، هي في جوهرها سعي وراء توازن فني عام بين هذه الاتجاهات الجمالية والذوقية والفكرية لهذه الطرق الغنائية المقامية السائدة. وقد ذكرنا في سياق اخر المساهمة الفعالة في حل هذه المشاكل وموقعها التاريخي في تطور غناء المقام العراقي بصورة عامة، من قبل المغنين البارزين في حقبة التحول حتى حقبة التجربة وقد كان اكثر الناجحين في هذا الشان محمد القبانجي، في انجاز صورة شبه موحدة في غناء المقامات العراقية، فهو يدرك ويتحسس بتفصيل كبير اهمية المسارات اللحنية التاريخية وطابعها اللحني على مدى العصور، معيدا تصويرها في غالب الاحيان بطريقة غنائية أخاذة وموثوقة تاريخيا من حيث شكلها ومضمونها التعبيري المنظور على مر الزمن، ومع كل ذلك فانه من المسلم به ان لحقبة التجربة نتاجات غنائية مقامية بارزة برهنت على وجودها من خلال امكانيات مغنيها الاربعة الكبار حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبدالرحمن العزاوي وبعض المعاصرين لهم. وهنا يمكننا ان نعاود الاستماع مرة اخرى الى بعض نتاجات ورثة الانفتاح من الاربعة الكبار. فهذا مقام الاوج بصوت حسن خيوكة بهذه القصيدة ..

(حانَ التجلِّي وطابَ الوقـــــتُ بالرَّاحِ  /  فعاطنيها بكأسِ الانـــــسِ ياصاح)

         وهذا مقام المنصوري بصوت يوسف عمر..

(ومورد الخدين لفَّ بــــــبردِه ِ  /   غصنا وزرَّ عليه طرَّة بـــــنده)

 

   وكذلك الامر من سلم مقام الجهاركاه بصوت ناظم الغزالي بقصيدة ايليا ابو ماضي.

(أيُّ شيءٍ في العيدِ أَهدي اليـــــكِ  /  يا ملاكي وكــلُّ شيءٍ لديـــــك)

 

      وفي مقام الاورفة بصوت عبدالرحمن العزاوي نستمع الى هذه القصيدة للشاب الظريف هذا مطلعها ..

       (لي من هواك قريبه وبعـــيده  /  ولك الجمال بديــــعه وغريبه)

 

      وعليه فان الطريقة الوحيدة التي تستطيع هذه الحقبة (حقبة التجربة) ان تعبر بها عن نفسها وامكانياتها الابداعية والتطورية، هي الاقتراب بوعي من شيخها الابداعي الكبير محمد القبانجي لبلورة ابداعات جديدة كضرورة تاريخية وقوانين واقعية ومستقبلية اكثر من محسوسية بروح تاريخي واع، مع تعميمها الاجتماعي والاخلاقي.

 

       وفي هذا يختلف القبانجي باسلوبه وطريقته الغنائية عن سابقيه. من رشيد القندرجي والاسبق منه، فالطريقة القبانجية في اسلوبها المميز، هي مرة اخرى انطلاقة حقيقية من المحلية الى افاق اخرى خارج هذه المحلية. حيث يجعل الدراما اكثر تفاعلية في داخل هذه الطريقة، وقد زاد ان جعل من بعض المقامات في غنائه لها وخاصة المقامات الرئيسة او المقامات ذات الوزن الثقيل بصورة عامة. ملحمة من ملاحم التاريخ التعبيرية عن كل تراجيديا العراق المزمنة، وعليه  فانه يختصر ويختزل كل هذا التاريخ في مقاماته المهيبة ذات الجلالة والاحترام، في مقاييسها الفنية والتعبيرية وديناميكيتها التي تروي لنا كل التاريخ بصورة مستمرة. ومن هذه الناحية يتفق القبانجي مع منحى الطرق السابقة له في ذروة نتاجاتها، الا انه يتجاوزهم جميعا، ونحن نتذكر كتاباتنا السابقة عن الماسي التاريخية للعراق على مدى تاريخه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي..الخ وبذلك يعبر المغنون المقاميون على درجة عالية من الدقة بحيث نستطيع ان نتفاعل مع التاريخ والظروف المعاشة ومن ثم مع التطور والابداع الجمالي والذوقي والفكري، وابرز ما نجد عند المغنين الكبار، واقربهم الينا محمد القبانجي في ادائه الخطير بمقام المنصوري وباقي المقامات الاخرى ..

 

والى الحلقة الثانية من ورثة الانفتاح ان شاء الله.

 

هوامش

1 – هامش1 : حقبة التجربة – قسمتُ القرن العشرين في كتاباتي حول غناء وموسيقى المقام العراقي، الى ثلاث حقب زمنية تقريبية، فكانت -حقبة التحول- الواقعة في بداية القرن العشرين حتى منتصف الثلاثينات منه. وحقبة التجربة من منتصف الثلاثينات حتى منتصف الستينات منه. وحقبة النضوج من منتصف الستينات حتى نهاية القرن العشرين. 

 

اضغط على الرابط

محمد القبانجي / مقام الرست

https://www.youtube.com/watch?v=pXaWG-PTCpw

 

يوسف عمر / مقام المنصوري

https://www.youtube.com/watch?v=K-iYp7FTE-A

 

مائدة نزهت / مقام اللامي

https://www.youtube.com/watch?v=BQJxnuUuNow

 

ناظم الغزالي / اقول وقد ناحت

https://www.youtube.com/watch?v=N7FXENPBTzQ

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.