كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (276)- التصميم وروابط الاداء/ جزء1

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (276)

 

التصميم وروابط الاداء / جزء 1

يفيدنا الكتاب والنقاد الموسيقيون وكذلك المثقفون من المهتمين بشؤون موسيقى وغناء المقام العراقي بملاحظتهم التي تنشر في الصحف او المجلات او الكتب. بوجهات نظر ثمينة تتعلق بمواضيع التوافق الادائي في الغناء وعملية البناء اللحني وصياغته وحبكته، وعن الطرق التي يتبعونها في الغناء وعن الانسيابية والتلائم في الاسترسال اللحني، وبصورة اكثر عمومية عن صعوباتها وما يتعلق بالتصميم او الهيكل المقامي بشكل عام.

 

ان تطبيق عملية التصميم في بناء الهيكل اللحني في اداء المقام العراقي، التي تعتمد على الربط فيما بين عناصر ومكونات المقام العراقي وعلاقاتها مع بعضها خلال عملية الاداء، تتعلق بعملية اكثر عمومية يمارسها المؤدي، منها التقطيع ومن ثم تنسيق المواد الاولية أي تنسيق الجمل اللحنية، وهو امر موكول الى مهارة كل مؤد. وان توزيع هذه العناصر على مجرى المقام العراقي المغنى واحداث التوازن بين القطع والاوصال والاجناس الموسيقية المختلفة والكلام والتكرار الشعري واللحني والتناوب، كل هذه الامور تعتمد على العلاقة الضمنية الصريحة التي يقيمها المؤدي بين مادة غنائه والسامع..! عندها يستطيع المؤدي ان يؤدي على هواه، ويبقى الجمهور صامتا مستمعا، فهناك اذن تفاهم ضمني بين المؤدي والسامع..!

 

لابد اذن، من ان المغني عندما يقدم نتاجه الغنائي للجمهور ان يكون هناك جمهور صاغ لعمله الغنائي، والا لماذا هذا النتاج..!!؟ ما يحدث بصورة عامة في الاداء عند المؤدي هو ان تتخذ العاطفة والخيال مركزا لانطلاقها واشعاعها، وبعكس هذه الحالة التي نتأملها، لا يكون هذا الينبوع العاطفي في المقام العراقي او في الغناء عموما، بل في المؤدي باعتباره يدعم حصيلته بدون ان يتطابق مع خيالاته. اما اذا اراد المؤدي ان يكون حاضرا في غنائه ومتفاعلا مع مستمعيه فان ابسط الطرق واكثرها شمولا هي ان يعبِّـر عن نفسه وخلجاته وهمومه ومشاكله الذاتية. باعتباره فردا بين افراد، والافراد هم المجتمع والمستمع الواعي المتذوق، ذو المشاعر الجياشة، ويتحد افراده بأن مشاكلهم متقاربة وهمومهم ومعاناتهم وما يحسُّون به تكاد تكون موحدة..! فاذا ما احسَّ المؤدي واستشعر بشجن واضح مؤثر مع مشاكله وهمومه، فبالتأكيد سيحسُّ به الجميع ويتفاعل معه الكل وسيكون حتما التفاعل موحدا فرحا او حزنا. عندها يضمن الفنان لنفسـه مكانـا رمزيـا يستطيع ان يرى فيه كل مكونات مادته الغنائية، ومن ثم السيطرة على مقاليد الامور الفنية، لان الذات في حقيقة الامر هي موضوع الاداء.

 

ان الغرض الاول من الفن والمهارة في الاداء الغنائي هو تنظيم وتهذيب النفس والمشاعر، والاسلوب هنا له مكانة مهمة، بل خطيرة وبه ايضا خلاص الحصيلة الغنائية، اذن لابد ان نكون شديدي الاحساس بالعملية الفنية والاعتبارات البنائية الغناسيقية في الاداء المقامي التي يجب على الاقل ان نتقنها كأصول تقليدية غنائية في المقام العراقي، ومن ثم التعبير من خلالها. وهي صفة مميزة نستطيع بواسطتها ان نعين حدود الموهبة الادائية وميزاتها في نواحي اخرى اولها الابداع والتطوير.

 

يترتب على هذه النظرة اذن، انه ليس فرضا على المؤدي ان ينشد الاعمال او المقامات الكبيرة من اجلها هي ذاتها، لانه في الحقيقة يجب ان لا يركز على حجم العمل الغنائي او على حجم المقام العراقي ان كان رئيسا او فرعياً، وانما على الاداء ودقته وصياغته الفنية.

 

ان الوعي الادائي للمقام العراقي كبير المسؤولية ودقيق الادراك، وقد عبَّـر عنه القبانجي ومن هم امثاله في المستوى، تعبيرا مصيبا، ونقطة الخلاف الكبرى بين القبانجي ومعاصريه، هو وعيه الناضج بعلاقة المؤدي بالسامع وتماسكهما، خلاف ما كان عدد كبير من معاصريه يرون ان المهم هو تطبيق الاصول التقليدية في اداء المقام العراقي حتى لو احتاج الامر الى عدم اصغاء المستمع اليهم.!!! ويتناظر هذا الحديث بمعظم جوانبه على المطرب الشهير ناظم الغزالي، الذي لم يكن الحكم على منزلته في الاداء المقامي من قبل الجماهير حكما عادلا دائما..! فهو في نظرهم لم يكن مقاميا محنكا بالرغم من ادائه لمجموعة جيدة من المقامات العراقية. والتي اداها بشكل مثير ساعد على احداث تطور كبير في فن الاداء المقامي في نواحيه الفنية والجمالية. وقد نجح فيها بشكل ملحوظ. وعلى كل حال فان الفنانة سليمة مراد التي اصبحت زوجته الاكبر سنا منه والاكثر خبرة والابعد تاريخا فنياً، كانت ولاشك تتفق مع ما توصل اليه من فن، ربما كانت وهذا ارجح الظن، المشجع الكبير له.

 

ورغم رحلات سليمة مراد وكذلك ناظم الغزالي خارج حدود الوطن، فان سليمة كانت مدركة وربما اكثر ادراكا من ناظم لواقع المجتمع العراقي ومتطلباته الجمالية، اما ان ناظم اخذ الكثير عنها فهذا امر وارد ومحتمل، بيد ان ناظم الغزالي لم يكن تلميذا لها، وانما كان فنانا حرَّاً مستقلاً.!؟ عالج فنه باجتهاده، اذ كانت الفنانة سليمة لها ميدانها الخاص، والشبه الواضح بينهما هو اشتراكهما في ميزة غناء البستات(الاغاني) وبعض المقامات العراقية وحرصهما الدائم على تقديم التراث العراقي بشكل عصري متطور. وقد استدعى بينهما هذا، معرفة بالمقاييس الادائية التي كانت سليمة قد فهمتها بوضوح اسبق كونها اكبر سنا واكثر تجربة، بيدَ ان ناظم كان قد فهمها بوضوح اكبر بفطرته المثيرة. وهذا يعني بأن اداء سليمة هو اداء معاصر ملائم لروح عصرها، وان تسجيلاتها الغنائية شاهدة على مدى نجاح ادائها الغنائي.

 

اما ناظم الغزلي فانه فنان ذكي وناجح الى حد كبير، ولما كان كذلك فانه لابد له من ان يذكرنا وفي مناسبات عديدة بقيمة المقاييس الفنية الادائية للغناء المقامي والتي اسبغ عليها تفسيراً اقرب الى العبقرية..! وبذلك يكون الغزالي المعبِّر الاصدق عن وجهة النظر المعاصرة بحق، بل وحتى المستقبلية..! ونحن نلمس الناحية الفنية والعاطفية في الاداء الغنائي المقامي لنتائج هذه المقاييس.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

حسين الاعظمي مقام الطاهر

https://www.youtube.com/watch?v=t1jrzNvPB7A