كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (278)- الموسيقى في القرن العشرين/ ج1

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 يوميات حسين الاعظمي (278)

 

الموسيقى في القرن العشرين / جزء 1

      سادت القصائد والتعابير الصوفية في اداءات المقام العراقي منذ القدم وحتى اليوم في غناء وموسيقى المقام العراقي، نظراً للعلاقة الوثيقة بين اداء المقامات العراقية واداءات الشعائر الدينية في الاذكار والتهاليل والمناقب النبوية الشريفة التي بسببها حوفظ على هذه الاداءات اللحنية المتعاقبة على مدى التاريخ كما هو معروف.

 

      أما بالنسبة الى التجديد والابداع، فانه يمكننا من أن نؤشر بعض الاسماء من المؤدين الذين تميزوا عن الكثير من اقرانهم بالخروج من محيط المحلية والتقليدية الصارمة ومن ثم تلوين الاساليب الادائية ببعض من المسحات التجديدية والابداعية، أبرزهم المؤدي والمطرب الكبير محمد عبد الرزاق القبانجي، الذي يعد بحق رائد الطرق الحديثة في تجديد وتطوير الاساليب الادائية للمقام العراقي. وذلك بالرغم من وجود بعض الابداعات من قبل المؤدين الذين سبقوه. بيد أن القبانجي كان ذا افق اوسع في هذا المجال، وتميز عنهم بأنه اول من خرج في ابداعاته عن محيط المحلية..! اذ تأثر ببعض أساليب الاداء الغنائي للبلدان المجاورة. لكننا نستطيع أن نؤشر أيضاً وبقوة في ظل ظروف تلك الحقبة أن الالتزام الاكثر اهمية للمؤدين بل وحتى المستمعين كان ينصب في تطبيق الاصول التقليدية للمسارات اللحنية لاداء المقامات العراقية، ولم تكن الثقافة او مجالاتها كافية للاهتمام بالنواحي الاخرى المطلوبة في تقويم اسس الاداء السليمة.  

 

من الاسماء الاخرى التي جددت في اساليبها الأدائية، حسن خيوكة الذي يمتاز بأهدأ أداء عرفه المقام العراقي، والذي ادى المقامات بطريقة متزنة سماتها الرخامة والحسن العميق والخيال العاطفي. وكان المؤدي الشهير ناظم الغزالي هو الآخر من الاسماء البارزة في التجديد والابداع الذي يعد بحق من أفضل مؤدي العراق والوطن العربي من حيث الاداء الفني في القرن العشرين..! فقد كان شديد الاحساس بجمالية ادائه وتلويناته بين القوة والضعف والبدء والضغوطات والمد والقطع داخل الجملة الادائية، وبروح غنائية متحضرة امتلك فيها لب الجماهير بشتى فئاتها واعمارها، وبذلك فقد اقترب كثيرا من جعل المقام العراقي غناءا جماهيرياً..!

 

       هناك اسماء اخرى كثيرة مثل زهور حسين التي اضافت تعابير جديدة في الاداء المقامي، رغم انها لم تؤد المقامات كاملة..! وكذلك بالنسبة لسليمة مراد التي ساعدت شهرتها على تناول المقامات سماعا لدى الجماهير، والكبير يوسف عمر الذي تميز باسلوبه البيئي المعبر عن بغدادية التعبير المقامي بكل دقة.

 

كانت الثقافة الادائية في الغناء والموسيقى عموما في العراق والوطن العربي اواخر القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين متواضعة وبسيطة في مفاهيمها، حيث كانت التقليدية كما قلنا هي السمة الغالبة للعاملين في مجال الفن الموسيقي بشكل عام. ولكن في خضم التطور السريع للعلوم التكنولوجية، بدأت روح جديدة تبعث لاظهار الامكانيات الفنية للفنانين الموسيقيين والمغنين رافقتها المثل المستنيرة للتعابير الادائية سواء في الاداء التراثي او الأغاني التي بدأت تكتب وتلحن وتؤدى من قبل اناس معلومين لتصل الى مختلف فئات الشعب. ورغم ان هذه الفترة نراها بأنها بداية المرحلة التجارية للفن الغناسيقي..! الا انها امتازت بوجود تذوق حيوي للاداء التراثي يدلل على ان هناك بقية من قوة  عهد الرواد الذين امتازوا بالسمو الروحي في تعابيرهم الحسية والخيال العاطفي المهذب. ولكن لابد من الاشارة ايضا الى ان هذه الحقبة من بداية تطور اجهزة الحفظ والنشر والتسجيل. تعتبر في نفس الوقت حقبة بداية تزعزع العلائق التي تربط الناس مباشرة بالمأثور الشعبي الاصيل..! ومنذ ذلك الوقت بدأت حواجز الذوق في سماع الموسيقى والغناء تزعزع ثوابت التقاليد الادائية التراثية خضوعا لمتغيرات وتحولات العصر في تلحين وكتابة واداء الالحان الجديدة المستقاة اصلا من التراث الغناسيقي. مما جعل التذوق التقليدي في سماع الغناء والموسيقى التراثية ينحسر ليتكون بعدئذ نمط جديد من التذوق لدى جمهور شاعت تسميته بجمهور (النخبة)..! ورغم ان هذا الجمهور تشكَّـل من كل فئات الشعب الاجتماعية، الا اننا لا نطمح على الاطلاق ان يبقى الاداء المقامي اسير هذه النخبة من المتذوقين في المجتمع، فلابد اذن ان نعمل بكل جهد ومثابرة الى جعل الاداء المقامي ملكا لاذواق كل فئات الشعب الجمالية، وليس الى نخبة ذوقية منه، وعليه فان هذا الوضع يفرض علينا اللحاق سريعا بركب الحضارة وتطوراتها ومواكبة التغيرات والتحولات العظيمة التي نعيشها في عصرنا الراهن والتعامل بشكل منسجم مع روح العصر لكي نستطيع ان نصل بمستوى تعابير الاداء الغنائي التراثي الى محاكاة المتلقي الحالي. وطبيعي ان هذا الموضوع يتطلب الكثير من المستلزمات الثقافية والذوقية لتضييق الفجوة التي اصبحت عميقة بمرور السنين بين التعابير الادائية التراثية وبين تعابير الاداء المطلوبة في عصرنا الراهن في عنصرها الجمالي والذوقي. وقد أستثني من كل المسيرة الادائية المقامية خلال القرن العشرين المطرب الحضاري ناظم الغزالي الذي تمتع بفن راق في الاداء اوصل به المقام العراقي الى اسماع كل العراقيين، بل كل العرب في وطننا العربي الكبير، فكان سفيرا للغناء العراقي بحق، حيث عبر عن مرحلته وما تلاها اصدق تعبير..!

 

من ناحية اخرى لم يكن الحكم جيدا على جودة الاعمال الغنائية والموسيقية في تلك الحقبة الزمنية، من زاوية تطور الناحية الفنية وقيمها العلمية في اداء هذه الاعمال، بل كانت النظرة سائدة بالاهتمام الزائد بقواعد التقليدية الغناسيقية المحلية التي يؤدى بها المقام العراقي، حيث وصل الامر الى حد ان المؤدي الذي يطبق الاصول التقليدية بشكل جيد يحسب في خانة المؤدين الجيدين حتى لو وصل الامر الى تواضع موهبته الصوتية، بل حتى لو لم يكن ثمة مستمع اليه…!!!

 

 

والى الحلقة الثانية من الموسيقى في القرن العشرين ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

حسين الاعظمي حفلة الاوبرا السلطانية

https://www.youtube.com/watch?v=SOduOjdtRuk