كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (286)- الشكل والمضمون

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 يوميات حسين الاعظمي (286)

 

الشكل والمضمون

كما عبَّـرتُ سابقاً، ان المؤدي المقامي مهتم في الحقيقة بأداء المقام العراقي بأصوله التقليدية، وهي أصول عريقة مخضرمة بلا ريب، وحتى الجماهير كانت ولا يزال كثيراً منها لا يهمها ان كان صوت المؤدي جيداً ام لا..! بقدر ما يهمها ان يؤدي الاصول التقليدية الصارمة كاملة..!يرافق ذلك حين يأتي اسلوب المؤدي غير فني غالباً، بل تقليدياً اصولياً فقط. لان مفهوم الاسلوب الحقيقي الناجح يحتوي في ثناياه على وحدة الشكل والمضمون. وحدة الكلمة واللحن. وحدة الاداء وجمالية الصوت والاداء والتعبير. وعليه فقد اصبحت هناك فجوة جمالية وفنية بين ما كان عليه الاداء، وبين ما عليه الان وفي المستقبل. ذلك ان المفاهيم كانت تدعو الى الالتزام بشكل ومضمون الاداء المقامي من حيث اصوله المتعارف عليها تقليدياً كمسارات لحنية وتعابير كلاسيكية، لذلك يمكننا القولان دراسة وتحليل الاساليب الادائية لغناء المقامات العراقية تكاد تكون مستحيلة دون الادراك والفهم الفلسفي لجمالية الرباط الذي يجمع بين الشكل والمحتوى في وحدة واحدة، مع ضرورة انتباهنا الى البحث عن العلاقات التي يقترب بها المقام العراقي من الالوان الغنائية الاخرى خصوصاً والفنون الاخرى عموماً. وزيادة في التأكيد على العنصر الجمالي وتعبيراته المرحلية في كل زمن، مع وجوب وجود التتابع والروابط المتبادلة بين الاساليب فيما بينها.

 

يبدو لي ان الدراسة التحليلية والبحث العلمي عندما يتعلق امرها بالمؤدي المقامي او نتاجاته الغنائية كلها، أحادي الجانب فقيراً اذا لم نضع او نؤكد علاقة الاسلوب بالقضايا الاخرى مثل الفكر والثقافة والاحساس..! واذا لم نجعلها تحتل مكاناً في غاية الاهمية. لان الفكر والثقافة والاحساس الدقيق الذي يمتلكه المؤدي هو الذي يخلق الديناميكية في بناء الاداء الغنائي المطلوب.

 

انني عندما اتكلم عن طريقة المؤدي الغنائية، لا أقصد من ورائها الاقلال من شأني أنا كواحد من مؤدي المقامات العراقية أومن شأن مؤد آخر..! وهذا كما يبدو لي مبدأنقدي بالفعل. لان النقد تنحصر مهمته في توضيح مكامن القوة والضعف في الاداء بكل مقوماته، ليتسنى بالتالي الاخذ بالمبدأ الصحيح لمعرفة اسباب الاخطاء، معتمدين أيضاً على معرفة طابع تفكير ذلك المؤدي وثقافته دون الاقلال من الشأن او تعرية الاخطاء وبالتالي أشعار المؤدي بالخجل…!!

 

ولابد للناقد عموماً أن يأخذ بعين الاعتبار موضوع الادراك العميق للرابطة التي تربط بين المسار اللحني للمقام العراقي والفكرة المعوَّل عليها في الاداء وتعبيراته وانعكاسات المؤدي الناتجة من ظروف نشأته في المجتمع وتجربته الحياتية ونظرته لها، التي تنعكس تماماً في النهاية على موضوع ادائه وتعبيره واستخداماته لكل المقومات المطلوبة والتفاعل الذي يحصل مع المجالات الاخرى.

 

من ناحية اخرى فأن الشكل الادائيللمقام العراقي الحالي عند كثير من  المؤدين، لا يلبي حاجة ملحة لمضمون الغناء المقامي في بغداد، حيث امست هناك فجوة واسعة بين شكل ومضمون غناء وموسيقى المقام العراقي، ورغم هذه الفجوة في التعبير الادائي لشكل المقام العراقي ومضمونه، الا ان كليهما ايضا لا يزالان متأخرين عن مواكبة شكل ومضمون روح العصر الذي نحن فيه..! والتي لا تزال وسائل الاعلام السمعية والمرئية تعرض غناء معظم هؤلاء المؤدين المعتمدين على طرق ادائية سابقة بشكل ببغاوي.

 

فلابد اذن من نهضة علمية وفكرية وذوقية متحضرة لتطوير اسلوب عرض طرق اداء المقامات العراقية في حاضرنا وغدنا، معتمدين على دعامة الملاحظة والتحليل والنقد التي ترمي الى تصوير وتقديم المقام العراقي بلا مبالغة او تقصير..! كذلك معتمدين ومستفيدين من تجارب تطور الفنون الاخرى وتجارب الشعوب في تطوير تراثها التي بثت فيه الدلالات بموازنة رصينة بين الشكل والمضمون..! لان الشكل الجديد لابد ان يبرر وجوده بمضمون جديد. ان المضمون هو ما يؤديه ويعرضه الشكل وما يحمله الى النفس من احاسيس ومشاعر.

 

لذلك نرى ان كل ابداع وخلق جديد في الفنون او غير الفنون، لابد ان تصحبه معارضة، بل معركة، وهذا الابداع او التجديد لا يثبت ولا يستمر الا بعد ان يخرج من المعركة ظافرا منتصرا..!

 

لقد كانت محاولات المؤدين المقاميين القدامى عملية فنية هدفت الى تنظيم المقام العراقي التقليدي، وقد ظلت تلك المحاولات محلية الابداع داخل اطار فورمالمقام العراقي، وقد بقيت محلية تماما..! فكانت خطوات اولى افادت مسيرة التجديد والابتكار في المقام العراقي شكلا ومضمونا على مرِّ الزمن، حتى قدِّرَ لهذه المحاولات ان تنضج عند مطربنا الكبير محمد القبانجي في النصف الاول من القرن العشرين، الذي استعان لاول مرة بمحتوى تعبيري غير محلي، ابدع في تعريق بعض المسارات اللحنية الجديدة غير المحلية التي ادخلها في ادائه للمقامات العراقية كما هو واضح في مقام الاورفة حين يغني:

(كف الملام فما يفيد ملامي/الداء دائي والسقام سقامي)

نعم ابدع في تعريق (هامش1) هذه الجمل الادائية وقدمها على شكل مقامات عراقية جديدة لها كيان جديد.

 

كان المقام العراقي في ادائه الكلاسيكي يخضع لقوانين فنية معينة يفرضها العقل والاتزان والاستقرار، ثم بدأ هذا الثبات يتزعزع ويضطرب من خلال النزعات التجديدية التي تمتع بها بعض المؤدين المقاميين الكبار.اذ عم الاداء المقامي شيء من التنويع والتغيير داخل المضمون الادائي لموسيقى وغناء المقام العراقي.

ان المقام العراقي بشكله ومضمونه التقليدي قد استهلك ونفذت قواه واصبح متأخرا ولا يستوعب متطلبات التعبير العصرية..! على الرغم من ان جهابذة المؤدين الكلاسيكيين ظلت امكاناتهم وقابلياتهم وتأريخهم لا يطالها سوى الاحترام، يقابلهم رثاء اجماعي للذين واصلوا عملهم الادائي وقلدوهم دون الاتيان بعمل جديد يسجل لهم..!

 

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

هوامش

1 – هامش1: التعريق-يقصد به جعل الجمل الغنائية العربية التي ادخلها القبانجي في المقامات العراقية، عراقية المضمون التعبيري. أي انه اخذها جامدة بدون تعبير ، وهو الذي اعطاها تعبيرا عراقيا..!

 

اضغط على الرابط

عمر رعد مقام اللامي

https://www.youtube.com/watch?v=pJWAz5YeUDA

 

طيف القطر مقام النوى

https://www.youtube.com/watch?v=4SfcUC2YmIk