اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• كاتم الصوت... كاتم الرأي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

جاسم الحلفي

مقالات اخرى للكاتب

كاتم الصوت... كاتم الرأي

 

      لا تاريخ يجمع كاتم الصوت مع كاتم الرأي. فالأول سجلت براءة اختراعه على يد (هيرام ماكسيم) عام 1908، ومنذ ذلك التاريخ نفذ بواسطته الآلاف من جرائم الاغتيال.  فيما لم يحفظ لنا التاريخ اسم أول مستبد كتم رأي مواطنيه. ومع ذلك ظلت وصمة العار تلاحق كل المستبدين عبر التاريخ الإنساني الطويل، أولئك الذين كمموا الأفواه وأشاعوا العسف والاضطهاد واستعبدوا الشعوب الحرة. 

 

يتشابه كاتم الصوت وكاتم الرأي، مثلما يتشابه الإرهاب والفساد. فكلاهما ينفذان في وضح النهار، ويأتيان على حياة المواطن. الأول - كاتم الصوت- يسلب الحياة فورا، حال تنفيذ الجريمة. بينما كاتم الرأي يسلب المواطن حريته، فيجعل حياته صنوا للموت. فلا حياة إنسانية من دون الحرية.

 

القتل بكاتم الصوت  يتم سريعا، فيما القتل بواسطة كاتم الرأي أكثر إيلاما ويأخذ وقتا طويلا. كلاهما جريمتان يتم تنفيذهما دون رفة جفن. فمجرم كاتم الصوت يخفي شخصيته، كمسدسه ذي الكاتم الذي يخفي دوي رصاصات الغدر، فيما كاتم الرأي يعلن شخصيته، ويطلق صوته عاليا دون خجل. كلاهما جريمتان لا يمكن إخفاؤهما، فبإخفاء صوت الرصاصات لا تختفي الجريمة، وتكميم الأفواه هو بحد ذاته صوت صارخ يفضح المستبدين ويدينهم.  منفذ الجريمة بكاتم الصوت يهرب من الشرعية ويتهرب منها، فيما  المستبد وكاتم الرأي يحاول ان يطوع الشرعية وينفذ منها ويشوهها.

 

كاتم الصوت هو صفحة من صفحات الإرهاب، وواحد من أدوات الإرهابيين ووسائلهم لإخفاء الجريمة، بينما كاتم الرأي إرهاب فكري وسياسي من جانب، وفساد سياسي من جانب آخر. ذلك انه يلتف على باب الحقوق والحريات في الدستور ويشوهها، لذا تبدو خطورة كاتم الرأي اكبر، كونه يجمع الرذيلتين في وقت معا، الإرهاب والفساد.

 

كلاهما جرائم عنف، ينفذهما متطرفون. حامل كاتم الصوت جاهل او مرتزق، بينما كاتم الرأي واعٍ لفعلته المدانة، وهنا تكمن الخطورة.  الهدف المباشر للمنفذ بكاتم الصوت هو الشخصية كفرد، مع ان الهدف الأبعد هو إرباك مؤسسات الدولة والمجتمع.  بينما الهدف المباشر لكاتم الرأي هو المجتمع المدني والمجتمع السياسي. ويصح هنا قول المفكر بودريار " انه عنف آخر، عنف يؤدي الى الذعر من هذا وذاك، ويصدر ذلك الشعور الجمعي بالعودة الى الوراء".

 

إذن كلاهما، بالنتيجة، يشتركان في إعاقة بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحرة، ومؤسساتها الدستورية. الأول يهدف الى إبقاء الاحتلال رغم ادعائه بالمقاومة، والثاني يهدف الى تأبيد الاستبداد رغم تشدقه بالديمقراطية!.

 

 كاتم الصوت يخاف قوة الحياة، وكاتم الرأي يخشى قوة الحق.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.