كـتـاب ألموقع

• "الزيارات الأستباقية"

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

جاسم الحلفي

 

 مقالات اخرى للكاتب

·        "الزيارات الأستباقية"

 

ليست الجملة التي اخترناها عنواناً، هي الوحيدة التي أنتجها "الفكر السياسي" اليومي في العراق. فهناك عشرات الكلمات والمصطلحات الأخرى أنتجت وتم تداولها خلال الأشهر السبعة الأخيرة، وهي تعبر بهذا الشكل او ذاك عن طبيعة وحجم الأزمة وعمقها. وقد بينت بشكل جلي عجز "الفكر السياسي" المهيمن عن إيجاد مخرج ما، يضع الأمور في مكانها الصحيح، ويزرع املآ يطمئن أفئدة العراقيين وهم يتطلعون إلى رؤية بلدنا وقد عادت إليه العافية. هذا في حال كف المتنفذون عن لعبة دفع العراق الى حافة الهاوية أكثر فأكثر. ولكن الأمر المؤسف هو ان هؤلاء لم يتخلوا حتى هذه اللحظة عن لعبة الصراع على السلطة، والتي يعبرون عنها علنا بعبارات لبقة، مثل "حكومة الشراكة الوطنية" "المشاركة في القرار السياسي" "الاستحقاق الانتخابي" "حق الكتلة الكبيرة" في حين يتحدثون اثناء الجلسات الخاصة، عن الامتيازات، والميزانيات، وما تمنحه السلطة من هيبة ونفوذ، وما توفره من إمكانيات تتعدى الدورة الانتخابية الحالية الى الدورة الانتخابية الثانية وربما ابعد من ذلك.

 

ان ذهنية الفكر المتنفذ، ذي النزعة التسلطية، الممهدة للاستبداد، والتي ساهمت، الى جانب عوامل أخرى، في استفحال الأزمة، هذه الذهنية تدور حول الأزمة في جل  مشاريعها، دون ان تبحث في سبل إخراج العراق منها - من الأزمة - عبر الطرق الدستورية. والأنكى من ذلك ان القوى التي تمثل هذه الذهنية خرقت الدستور في أكثر من باب ومادة، وتمترست خلف هذه الخروقات، وهي تنطلق في كل ما تطرح من مصالحها الشخصية والحزبية وما تمليه عليها علاقاتها الإقليمية. لذا لا يمكن  لها ان تجد حلا يضع العراق على طريق التقدم والبناء. فيما صاغ الفكر المعارض لها كلمة "استعصاء" للتعبير، بإيجاز شديد، عن عجزها وتراجع قدرتها عن إيجاد حل، انطلاقا من فرضية ان الذي يبحث عن امتيازات شخصية، لا يمكن ان يضع مصلحة البلد فوق مصالحة الشخصية.

وعودة الى جملة العنوان، التي أنتجها الفكر اليومي لمعارضة نهج دفع البلاد الى حافة الهاوية، هذه السياسة التي تسير عليها الكتل المتنفذة، دون النظر الى مصلحة الشعب. فقد انتج هذا  الفكر خلال الأسبوع الأخير فقط مفاهيم من قبيل "الاحتلال الدبلوماسي" "المحاصصة الإقليمية".  هكذا اذن وبدلا من "الاحتلال العسكري" المكشوف، والذي تحدثت عنه المعاهدة العراقية- الأمريكية، واستبشرنا خيرا بإعادة انتشاره في مواقع وثكنات خاصة مؤقتا، وصولا الى إخراج آخر جندي محتل من ارض العراق العزيزة، فقد أعاد الينا المتنفذون، الاحتلال المذل مرة أخرى بصيغة "الاحتلال الدبلوماسي" من خلال طلب تدخل الجانب الأمريكي في تفاصيل صراع تشكيل الحكومة، التي استعصت على التشكيل!. فيما يستعد المتنفذون الى إجراء تحوير في طبيعة "المحاصصة الطائفية" التي بنيت على نظام المخاوف. ان هذا التبرير المأزوم لتقاسم السلطة وتوزيع النفوذ فيما بين القوى المتنفذة، أفضى ويفضي في نهاية المطاف الى "محاصصة إقليمية"  بين عواصم، لا يظهر سلوكها حرصا على العراق يتناسب مع الإخطار. والمفارقة المثيرة للانتباه ان هذه العواصم تكرر بمناسبة وبدونها أثناء "الزيارات الأستباقية" التي قام بها المتنفذون، على "أهمية حل مشاكل العراقيين فيما بينهم داخل وطنهم"!!، في حين تستقبل تلك العواصم الوفود التي تمثل القوى المتنفذة عندنا وتعطي لكل وفد  "بالسر" ما يطرب مسامعه من كلام ووعود!

ويبقى المواطن العراقي يصح عليه المثل " أواعدك بالوعد واسكَيك بالكمون".