كـتـاب ألموقع
• مذكرات مترجم : الحلقات الثامنة والتاسعة
حبيب محمد تقي
مذكرات مترجم : ( الحلقة الثامنة ) .
تجربتي مع طالبي اللجوء والمقيمين العراقيين و العرب في مملكة السويد .
*( السجون في المملكة السويدية ، (( سجون ، النجوم الخمس ، في الفردوس)) ، ونصيب الجالية العربية من هذه النجوم الفردوسية الخمس ) :
ليست فقط بشهاهدتي الشخصية ، والمبنية على مشاهدات و زيارات حية و ميدانية للسجون في المملكة بحكم عملي المهني . بل وبشهادات وبتقارير ووثائق ، جهات الرقابة الدولية ، والمتمثلة بالمنظمات الحقوقية والأنسانية ، الرسمية منها وشبه الرسمية ، سيما منها الخاصة برعاية شؤون المعتقلين والسجناء ، والمتفرعة من مؤسسات هيئة الامم المتحدة ، أو تلك التي تعرف بمنظمات ( المجتمع المدني ) ، والتي لها دور وحضور ، كمراقب ومتابع ، وفي أماكن عديدة ، من كوكبنا . والتي يهمها متابعة وملاحقة ومراقبة ، كل شاردة وواردة تخص حقوق الأنسان في بلدان العالم كافة . وبشهادة هذه المنظمات المحلية والأقليمية والدولية ، ذات العلاقة والصلة ، توكد تقاريرها ومسحها ، ووثائقها ، المعلنة وبشفافية ، على خلو المملكة تماما ، من سجون و سجناء ( الرأي ) ، فلا يوجد في المملكة ، سجونا لسحق هامات المعارضين من ابناؤها . والسجون وجدت وتوجد في المملكة ، كأصلاحيات ومراكز أعادة تأهيل ، تختصر على الخارجون على القوانين والنظم والتشريعات المدنية المعمول بها بدول العالم المتحضر، من مرتكبي الجنايات والجنح المدنية ليس إلا .
أما حال السجون في المملكة . حال يحسد عليه من كل سجناء ومعتقلي دول العالم ، شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا ، وبلا أستثناء . سجون مثالية ونموذجية بكل ما تحمله ، هاتين الكلمتين من معاني و مدلولات بالغة . وبلا أدنى مبالغة ، سجون ، ليس لها تؤم ، وفي أي بقعة من العالم ( سجون نموذجية و نادرة ) . ومن الأجحاف والتجني أن توصف بالسجون ، بل هية حقاً ، أصلاحيات متخصصة لأعادة وتأهيل المنحرفين والخارجين عن طاعة القوانيين واللوائح المدنية . تجسد بحق وحقيقة ، ترجمة واقعية لمفاهيم آدمية وأنسانية راقية ، تصب في صميم الأصلاح ، والغاية أعادة التأهيل ، لتلك الشريحة التي أجبرتها ظروف قاهرة ما ، على الأنحراف والتصادم مع القوانين المدنية ، المنظمة للمجتمع . وعلى هذا الأساس ، تتعامل معه ، المؤسسات الحكومية المختصة للمملكة على أن السجين ، وأي سجين كائن ما كان ، هو أنسان ، أنساق للخطأ ، بأرتكابه جرماَ ما ، قابل للأصلاح ، لمجرد أعادة تأهيله . وأقسم بقدسية القلم الذي أسطر به تلك المشاهدات الحية والميدانية ، والذي لامكان للنفاق فيه ، أنك أذ ما أستثنيت الأسوار المحيطة ببقعة تلك السجون لتصورت نفسك ، بمنتجع سياحي ( خمس نجوم ) وبأمتياز . ولا أبالغ مطلقاً ، أذ قلت أنها تتجاوز المنتجعات السياحية ، من حيث الغرض والوظيفة التي تقوم وعلى أكمل وجه بها تلك الأصلاحيات ، والتي لاغنى عنها في ظل حاجتنا الماسة ، لتسيد القوانيين والتشريعات العادلة والمنظمة للمجتمع أياً كان ، وعلى أي منظور متوسط أو حتى بعيد .
لا أريد الاسهاب أو الوقوف طويلا ، عند وصف هذه الأصلاحيات النموذجية ومن الداخل ، في المملكة . لأن لب موضوعنا يتمحور ، حول نزلاء هذه الأصلاحيات ، من أبناء الجالية العربية . وعلى هذا الأساس سأختصر قدر المستطاع في وصف مشاهداتي الميدانية والحية لتلك ( السجون ) أو الأصح تلك الأصلاحيات ، ووصفها بأمانة من الداخل .
بدءاً بمواقع تلك السجون ، فأول ما يدهشك ، في تلك الصروح المشيدة بأتقان متناهي ، المواقع الطبيعية الساحرة والخلابة التي أختيرت لتلك الأصلاحيات ، من خضرة الطبيعة الزاهية ومياه البحيرات العذبة و المنسابة والمحيطة بهدوء حولها ، وبالوجوه والمظهرالحسن ، للكفاءات من العاملين في داخل تلك الأصلاحيات ، سواء من نساء أورجال . مروراً بالبناء المعماري والهندسي لتك الأصلاحيات والتي تتميز بالحداثة والعصرنة ، والأدامة والصيانة ، والتي تنم وتدل على مبلغ الأهتمام الكبير والرعاية الفائقة بها كمؤسسات حيوية ، لا غنى عنها في المجتمع السوي . وكما ذكرت ذلك في موضع سابق ( لولا الأسوار المحيطة بها ، لما أستدليت عليها كسجون أصلاحية ) . وحتى تلك الأسوار ، تفنن المهندسون والفنييون في تشيدها ، إذ تعتمد على نظام الأتمتة في فتحها وأغلاقها وحراستها. فليست بحاجة لأدوات الرعب المعمول بها حتى يومنا هذا في معظم سجون ومعتقلات دول العالم ، من كلاب بوليسية للحراسة ولا أبراج مراقبة مدججة بقاذفات الرعب والموت . والزائر لتلك الأصلاحيات يفتش آلياً عبر الممرات المغناطيسية ،المعمول بمثيلاتها في المطارات الدولية . وتتميز مساحة الأصلاحية بكبر فضاءاتها ، التي تتسع لمرافق عديددة في داخلها . بدءاً بالأبنية السكنية بطابقين أوثلاث والمقسمة الى مجموعة غرف ( تعرف بالزنزانة ) ، يبلغ عددها حوالي ، من مئتين الى ثلثمائة زنزانة . وكل زنزانة معدة لنزيل واحد . فلكل نزيل غرفته الخاصة به ، وتلك الزنزانات مكيفة ، صيفاً وشتاءاً ، ومجهزة ( بتواليت ومغسلة ) ، وتلفاز بالأضافة الى خزان ملابس . وفي العادة يتوسط مبنى الأصلاحية ، قاعة واسعة الى حد ما ، وهو المطعم الذي يتجمع فيه النزلاء كافة ، لتناول وجباتهم الرئيسية الثلاث . بالأضافة الى وجود قاعات معدة كورش للعمل وللتدريب المهني ومجهزة بألآت ومعدات غاية في الحداثة والتطور . أيضاً تحتوي الأصلاحيات تلك ، على صالات شتائية مغلقة ، لممارسة مختلف الأنشطة الرياضية ، هذا بالأضافة الى الملاعب الصيفية المفتوحة لنفس الغرض . ولا تخلوا هذه الأصلاحيات مطلقاً ، من وجود قاعة خاصة للكتب والمجلات والجرائد ، على أختلاف لغات نزلاء تلك الأصلاحيات ، بما في ذلك كتب ومجلات وجرائد باللغة العربية ، وللنزيل الحق في الحصول على أي كتاب أو مجلة او جريدة يشاء ، وحتى في حال عدم توفر هذا الكتاب أو ذاك في مكتبة الأصلاحية ، يتم أستعارتة للنزيل ، من خلال حجزه من مكتبات من خارج الأصلاحية ، بغية توفيره للنزيل هذا أو ذاك . كما تتوفر الفرصة لنزلاء الأصلاحية ، وخصوصاً الشباب منهم ، في إستغلال تلك القاعات والمجهزة بأحدث تقنيات الأنترنيت ، لأستكمال دراستهم الثانوية أو الجامعية عبر المراسلة من خلال ، تقنيات الأنترنيت المتوفر والمتاحة في قاعات المطالعة ، في هذه الأصلاحية أو تلك . والى جانب المكتبة ، الملحقة بالأصلاحية ، هناك قاعة أضافية مخصصة ، للقاءات والأجتماعات الموسعة وللمحاضرات والندوات ، وتستخدم أيضا من قبل بعض القساوسة وآئمة المساجد الذين يزورون تلك الأصلاحيات ويلتقون بنزلاءها وبأنتظام ، لتلبية أحتياجاتهم الدينية والروحية . أو اللقاء بوفود وممثلي الجمعيات والمنظمات التي تعني بشؤون المساجين . للأطلاع على أحوالهم وللأستماع الى معاناتهم . وأضافة لتلك القاعات ، هناك غرف أكبر حجما مرفقة بالأصلاحية بعضها يتسع لعائلة من طفلين ، وهي معدة لأستقبال الزوار ، الذين يودون الأنفراد بسجينهم وتبادل الحديث معه ، دون تطفل من أحد ، ودون وجود لأجهزت رقابة أو تصنت . وفي بعض تلك الغرف تتوفر فيها اللعاب للهو الأطفال الزائرون لأحد ذويهم في الأصلاحية . كما تتوفر في الأصلاحية وبشكل دائم عيادة طبية مؤلفة من معاون طبيب وأخصائي أجتماعي ونفساني ، زد على زيارة الطبيب في مواعيد منتظمة للعيادة الدائمة في الأصلاحية ، وهذه العيادة تقدم كل أشكال الرعاية الصحية ، سواء العضوية منها أو النفسية وبما فيها الرعاية بالأسنان . وعند الحاجة لأجراء عملية جراحية لنزيل ما في الأصلاحية . لاتتأخر عيادة السجن في تحويل الحالة بشكل طبيعي الى المستشفيات المختصة ، لأجراء ما يلزم مجاناً وعلى حساب مصلحة التأمين الصحي والأجتماعي ، التابعة للدولة ، بغض النظر عن صغر أو سعة أو تكلفة التدخل الجراحي لهذا السجين أو ذاك .
أما العاملون في هذه الأصلاحيات فهم أناس على درجة عالية من الخبرة والكفاءة ومعظمهم يتمتع بحسن السيرة والسلوك والأستقامة . وغالبيتهم أعدوا لهذا العمل بعد المرور ، بعدد غير قليل من الدورات التعليمية والتدريبية ، قبل وبعد أعتمادهم الوظيفي . وغالبيتهم تلقى دروساً مستفيضة بحقوق الأنسان السجين ما لهو وما عليه . ولم تسجل أي حالة خرق ولو واحدة بحق العاملين في هذه السجون .
التتمة في الحلقة التاسعة ، والتي ستكرس حول طبيعة السجناء أنفسهم في هذه الأصلاحيات ، سيما منهم أبناء الجالية العربية .
٢٨ / ٦ / ٢٠١٠
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مذكرات مترجم : ( الحلقة التاسعة ) .
تجربتي مع طالبي اللجوء والمقيمين العراقيين و العرب في مملكة السويد .
( الأسباب والبواعث التي ساقت البعض ، من أبناء الجالية العربية ، الى سجون المملكة السويدية ) :
للأجرام وبكل أشكاله وألوانه و أوزانه وأحجامه ، والذي تتصدى له القوانين ، الرادعة ، المدنية ، والوضعية ، والمعمول بها ، في غالبية دول العالم ، بما فيها المملكة السويدية ، أسباب وبواعث محركة ، تدفع الجاني هذا أو ذاك الى الأقدام عليه وأرتكابه ، سواء بأرادة كاملة منه أو تحت تأثير ظروف ضاغطة تدفعه وبقوة للأنسياق وراءه . وتلك البواعث والأسباب الضاغطة و الدافعة ، لأرتكاب الجرم هذا أو ذاك ، تتفاوت وتختلف بأختلاف و تنوع مرتكبي الجرم أنفسهم . وبعض من هذه الأسباب المحفزة لسلوك الجرم ، مردها ، عوامل أجتماعية بحتة ، تتصل بالفقر المادي والروحي والموروث الثقافي والتربوي والنفسي للجاني . ومنها مرده الى عوامل وأسباب سياسية . فالتناقضات التي تحدث داخل المجتمع ، وأي مجتمع كان ، أقطاعياً كان ، أو رأسمالياً خالصاً ، أو البين بين ، سواء كان هذا المجتمع ، هجيني مزدوج ، بين الأقطاعية والرأسمالية ، أو الرأسمالية والأشتراكية . ففي خضم تناقضات التطور، في تلك المجتمعات ، تقود و تفضي ، الى أشكال من الصراعات صعودا ونزولاً ، فتتجسد الجريمة فيها ، كتعبيرا عن ردت فعل لجانب ، من جوانب هذا الصراع الناشئ ، كحتمية قدرية ، بسبب من سنن وأفرازات هذا التطور ، المدفوع الثمن وللأسف، ( بعرق وبدم الضحايا من بني البشر ) . فالأجرام ، أياً كان ، لايتصل بأي حال من الأحوال بعوامل الوراثة الجينية ، كما يزعم البعض من المتعنصرين ومنظريهم . فالجرم لايولد مع ولادة الأنسان ، بل هو جنوح ومسلك أجتماعي منحرف و مكتسب ، وهو أيضاً قابل للعدوى ، لذا ينبغي التصدي له ، والتعامل معه كحالة مرضية سرطانية أجتماعية قابلة للتعاطي معها وعلاجها ، على مراحل . لذلك وجدت السجون ، لتكون جزء من هذا العلاج . وهذا الجزء من العلاج ليس ذي قيمة وفاعلية ، إذ بقيت السجون ، مجرد أماكن لحجر الحرية الشخصية للجنات . ولتفعيل دور تلك السجون الحيوي في معالجة الجريمة ، يتطلب الأمر ، أن تلعب تلك السجون دور أصلاح الجاني وأعادة تأهيله الى مجتمعه ، و بممارسة حياته الطبيعية والسوية فيه .
وبناءا على هذا الأدراك ، و الفهم الصحيحين ، والمطلوبيين ، للدور الحيوي والمهم للسجون ، في معالجة ظاهرة الجريمة المتنامية والحد منها قدر المستطاع ، شيد ساسة المملكة الغيورون سجونهم ، و وضعوا نصب أعينهم ، تلك الأهداف والمقاصد ، السامية والنبيلة المشار إليها أعلاه ، قولاً وأفعال . على النقيض تماماً ، من ما جرى ويجري في السجون المخزية لساستنا العرب ، والدور الدوني الذي تضطلع به . في حجر الحريات ليس إلا ، دون أدنى أكتراث أو مراعات ، لأفكار وتطبيقات أعادة التأهيل والأصلاح المطلوبين أنسانيا ، وليس أعلامياً زائفاً، لهذه الشريحة ، وهذه الشريحة الضحية لأقدارها والمنحرفة أجتماعياً بالتحديد .
وبالأستنادا الى أحتكاكي ، بهذه الشريحة من سجناء الجالية العربية ، في سجون المملكة ، والأطلاع على تفاصيل دقيقة ، تخص سلوكهم الذي ساقهم الى أرتكاب الجرم ، وبالرجوع الى تعاملي مع الشرائح الأوسع خارج نطاق ، أسوار تلك السجون من أبناء نفس الجالية . وأطلاعي على ظروفها ، الخاصة والعامة و طرق وأساليب حياتها ومناحي تفكيرها ورؤاها . أستناداً الى كل هذه المعطيات ، الملم بها عن خبرة عملية وميدانية مع أبناء جلدتي على أختلافهم وتنوعهم . وجدت أن أسباب وبواعث مسلكياتهم المنحرفة ، والتي ساقتهم سوقاً الى زنزانات الأصلاحية ، هي ذاتها التي أوضحتها في مقدمة هذه الحلقة من مذكراتي . دوافعها ومحركها ، تصادم أجتماعي مئة بالمئة ، ناتجة عن خلل ، أفقدهم التوازن ، وأطاح بهم . والخلل هذا ، يكمن في أوضاعهم المادية ، والروحية ، والثقافية ، والتربوية . وبسبب من قصور هذه الشريحة وعجزها عن أنتاج وأبتداع مسالك راكزة وسديدة توجه بوصلة حياتها ، وتمضي بها ، وهية متصالحة مع النفس ومع الأخرين ، بغية الوصل الى بر الأمان ، وبأقل الخسائر الممكنة ، في رحلة العمر الحلوة والمرة و القصيرة على وجه الأرض . وأضيف على ما ذكر ، من أسباب ، قادة هذه الشريحة الى السقوط في براثن الأنحراف ، أنها هاجرت الى المملكة ، وهي تتسلح باليسير القليل ، من زاد الثقافة والعلم والمعرفة بديناها ودنياها القليل القليل القليل . وللأسف هم نفسهم ( أي تلك الشريحة من أبناء جلدتي ) ، التي تلعن ليل نهار عتمة المهجر ، بدل من أضائت شمعة فيه .
للموضوع تتمة لاحقة في الحلقة العاشرة من سلسلة هذه المذكرات .
١ / ٧ / ٢٠١٠
حبيب محمد تقي
المتواجون الان
852 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع