اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

النضال من أجل المبادئ والقيم ليس تهورا ولا مشروع قتل!// محمد علي الشبيبي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

النضال من أجل المبادئ والقيم ليس تهورا ولا مشروع قتل!

محمد علي الشبيبي

لوند 29/12/2016

 

تعقيب على آراء طرحها الاستاذ والصديق الأنترنيتي الطيب مصطفى العمري في مقالته، وأرى أن مناقشتها ضرورة لنشر الوعي لأن ما طرحه الأستاذ الفاضل مصطفى العمري يعكس موقفا سلبيا من النضال الوطني ويستحق ذلك. وللأسف أن مثل هذه الاراء تجد لها صدى عند البعض على صفحات التواصل الاجتماعي. وكنا نجابهها عندما يطرحها علينا مسئولو الاجهزة الأمنية أثناء الاعتقالات والتحقيق لغرض تثبيط عزائمنا بحجة أن الشباب يجب ان يهتم بالدراسة بينما هم (المتنفذون في السلطة) يسرقون وينتهكون الكثير من حقوقنا كشباب وطلبة.

 

أثار الصديق الاستاذ مصطفى العمرى مجموعة ملاحظات وتساؤلات وأفكار من خلال قراءته لكتابي (ذكريات الزمن القاسي) بمقالته التي نشرها بتاريخ 27/12على مجموعة مواقع الكترونية وعلى صفحته بالفيس بوك أيضا وأرسل لي نسخة منها نشرتها على صفحتي بالفيس بوك(1). ومبادرته هذه تستحق التثمين والشكر بغض النظر عن رأيي بما أثاره من ملاحظات وآراء، وأني أقدر عاليا تعاطفه الصادق مع معاناتي ومعاناة عائلتي فهذا تعبير عن إنسانيته الراقية. ولكن الاختلاف في أحكامنا وآرائنا لا يفسد للود قضية كما يقال، فأرجو أن يتحمل ويتفهم مقالي هذا فهو موجه للشباب قبل أن يكون موجها له! وقد سرتني أريحية الاستاذ مصطفى العمري عندما أخبرني برغبته في الكتابة عن الكتاب وطلب ان أمنحه الحرية في طريقة وأسلوب تناوله، وهكذا وعدته دون تدخل في طريقة تفكيره ورأيه بالكتاب، ولكن هذا لا يمنع من التعقيب وتوضيح موقفي ببعض طروحاته (وطروحات بعض المعلقين على مقاله) التي جاءت من خلال توقفه عند بعض الجوانب من الذكريات. فبعض أحكامه وآرائه تستحق المناقشة لأنها تدعو الى الاستكانة وعدم مقاومة الظلم! فملاحظات من يقف بعيدا أو محايدا عن الصراعات والمواقف السياسية لها أهميتها على الأقل بالنسبة لي فهي تمنحني فرصة أن أكتشف طريقة تفكير الاخرين وأسلوبهم في المساهمة في عملية النضال من أجل عراق أفضل.

 

نعم فعلا كتبت عن اعدام عمي الشهيد حسين الشبيبي (صارم) بطريقة لا تميل الى التوثيق -كما يذكر-لأني سبق وتناولت حياة الشهيد في مقالات نشرت على المواقع الالكترونية والصحافة (طريق الشعب والمدى) وتركت الحديث عن هذا لضمه لكتاب أخطط لنشره يتناول نضال أسرة الشيخ محمد الشبيبي وأبنائه. ومن يرغب أن يطلع على جانب من حياة الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم) يمكنه فتح الرابط التالي:

 

http://www.al-nnas.com/THEKRIAT/15shb.htm

 

ذكر الاستاذ مصطفى العمري: (أشعر ان ردة فعل الكربلائيين و النجفيين مع عائلة الشبيبي كان فيها غلظة مفرطة .....). أجد ان الاستاذ مصطفى اصدر حكما سلبيا وعممه على الكربلائيين والنجفيين، ففي كتابي لم أوجه هذا الاتهام بل تطرقت وانتقدت بشدة مواقف البعض السلبي مثلما تطرقت وقيمت عاليا المواقف الايجابية في كلا المجتمعين، وهذه ظاهرة نجدها في كل المجتمعات، ولا أدري لماذا لفت انتباهه فقط الموقف السلبي ليعممه، لأن التعميم هو ما أوقعه ببعض الاحكام الاخرى الخاطئة.

 

كما أحب أن اضيف توضيحا ان الموقف العدائي من جدي الشيخ محمد لم يكن فقط بسبب إعدام أبنه، حتى لا يتصور القارئ الكريم أن موقف الشيخ محمد الشبيبي من النظام الملكي موقف شخصي ليس له علاقة بالموقف الوطني ... فللشيخ مواقف صريحة معادية للاستعمار الانكليزي منذ بداية الاحتلال البريطاني للعراق اي منذ يوم ولادة أبنه الشهيد حسين. حيث تصدى في سوق الشيوخ (عام 1917) للمحتلين من على منبره الحسيني محرضا رواد منبره لمقاومة الاحتلال وفاضحا بعض النفوس الضعيفة من (شيوخ) المدينة الذين ارتضوا أن يبيعوا انفسهم للمحتل. وقد سبق وان نشرت مقالا عن موقف الشيخ من الاحتلال البريطاني عام 1917 في سوق الشيوخ (المقال نشر في مجلة الثقافة الجديدة العدد 4 سنة 1969)، وبسبب هذه المواقف الوطنية من الاحتلال البريطاني ومؤامرة المحتل عليه بالتعاون مع بعض العملاء أضطر أن يغادر سوق الشيوخ ويعود الى النجف. وقد جاء إعدام ابنه وما يعانيه المجتمع من ظلم وفقر ليعطيه قناعة أكبر وأقوى بضرورة الوقوف بصلابة ضد النظام الملكي ومعاهدات الاستعمار والتبعية وجور الاقطاع. وقد سخر منبره الحسيني بذكاء وجرأة مستفيدا من ثورة الحسين (ع) ونهجه في مقارعة الظلم لتوعية رواد المنبر ومحبيه من متابعين. كان أكثر ما يغيض السلطات أيام الحكم الملكي منبره الحسيني، ولهذا بذلت السلطات الأمنية جل جهدها لمنعه من نشاطه المنبري، فمنع من زيارة الاهواز في ايران، ومن إقامة منبره في السماوة وبعض المدن، وحتى في النجف ... وعندما عجزوا عن ثنيه عن أسلوبه في التحريض ونشر الوعي الوطني دبروا له تهمة الإساءة للملك وتقديمه للمحاكمة في مدينة الرمادي بعيدا عن مدينة إقامته في النجف وهو في نهاية عقده الثامن! كل ذلك للضغط عليه ولكن الشيخ الجليل بقي صامدا يمارس من على منبره نشر الوعي الوطني ولم يهتز لممارسات التحقيقات الجنائية -الاجهزة الامنية-.

 

يقول الاستاذ مصطفى العمري في مقالته: (أكاد أجزم ان تأثير الهجمة على بيت الشبيبي هي من جعلت الشاب محمد (صاحب الكتاب) يندك إندكاكاً غير مدروساً في الحزب الشيوعي. أعتقل صاحب المذكرات وهو في عمر السابعة عشر , زمن الحكم الملكي , ثم تتالت عليه الاعتقالات في زمن قاسم و عبدالسلام حيث نقرة السلمان , الى الحقبة البعثية....) أولا للتصحيح أني اعتقلت لأول مرة في زمن الشهيد عبد الكريم قاسم عام 1962، وليس أيام الحكم الملكي كما يذكر في مقاله. ولكن عمي الأصغر الراحل محمد علي -أسم مركب- هو من سجن 12 عام أيام النظام الملكي، وهذا ما أوقع الاستاذ العزيز بالخلط بين اسمي واسم عمي!.

 

لا أخفي أن الجو العائلي وتاريخ العائلة الوطني منذ ثورة العشرين كان له التأثير الأول على انحيازي وانتمائي، وهذا ليس غريبا علينا فجميعنا نتأثر بالجو العائلي وهذا واضح حتى في الانتماءات الدينية والمذهبية ماعدا بعض الاستثناءات. أضيف الى ذلك هناك أسباب أخرى وهي البيئة الاجتماعية المحيطة بنا بدءا بالمحلة الى المدرسة والمدينة ... وهكذا نجد في العراق مناطق محسوبة على اليسار وأخرى على القوميين وثالثة على الاسلاميين والقوميين. فالإنسان بفكره وعواطفه هو نتاج بيئته ... كما أن هناك شخصيات شيوعية لها كاريزما متميزة (مواقفها الوطنية الشجاعة، مصداقيتها ونزاهتها، تواضعها، ثقافتها، حكمتها، قدرتها على القيادة ...الخ) تصبح قدوة للآخرين وهذه الشخصيات لها تأثيرها القوي في تحديد ميول الشباب وانجذابه للحزب. أضف الى ذلك الاطلاع على برامج وسياسات الاحزاب ومقارنتها بالواقع ومدى واقعيتها وانسجامها مع الشعب، و مصداقيتها في النضال من أجل تحقيق برامجها. وخلال الانتماء تأتي الجهود من أجل تنمية ثقافتنا الحزبية والسياسية في جميع المجالات.

 

يصف الأستاذ مصطفى العمري نشاطي السياسي بالتصرف الصبياني والمتهور!؟ لذلك سأستعرض باختصار الاسباب وراء دخولي المتكرر للسجن -في حقب الجمهوريات الثلاثة الاولى(2)- لأن القارئ الكريم لا يعرف على اي اساس بنى الاستاذ مصطفى استنتاجاته الظالمة التي أوصلته لخلاصة القول بأن مواقفي صبيانية ومتهورة!؟ فلم يكف ما أصابني من ظلم وحيف من الانظمة الاستبدادية فزادني صديقي ظلما آخر بوصف نضالي بالصبياني والتهور.

 

الغريب أن الاستاذ العمري وصف مواقفي بالصبيانية مرة وبالمتهورة مرة أخرى، دون أن يتناول بالنقد سياسة الحكومات الدكتاتورية (الجمهوريات الثلاثة الأولى)، وتناسى أن نظام الحكم وأسلوبه الدكتاتوري هو المسؤول الأول والأخير عن كل الويلات التي لحقت بالشعب. والأستاذ مصطفى يرى حيث يقيم -في امريكا- وكذلك الحال في أوربا كيف تكون التأثيرات الإيجابية لتحركات المعارضة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ونشاطاتها الاحتجاجية وتظاهراتها من أجل حياة أفضل. وكل هذه الاحتجاجات والتظاهرات تحدث دون مطاردات وسجون وتعذيب وفصل وظيفي ولن يصفها أحد بالتصرفات الصبيانية او المتهورة. والمجتمع الأوربي لم يصل الى هذه الحالة من التطور المدني وتقبل الرأي الاخر لولا فضل الثورات والانتفاضات التي حدثت في أوربا وفي مقدمتها الثورة الفرنسية العظمى في عام 1789.

 

لا أدري كيف يرى اعتقالي وتعذيبي ومن ثم سجني وانا بعمر دون 17 سنة تهور أو تصرف صبياني وليس تصرفا وطنيا ينم عن وعي متقدم ونضج سياسي؟ مع العلم أن اعتقالي وصدور حكم 6 اشهر بحقي عام 1962 كان بسبب عثور أجهزة الأمن على عريضة كنت أجمع فيها تواقيع للمطالبة بإيقاف الحرب في كردستان العراق والحل السلمي للقضية الكردية، مع بيان للحزب الشيوعي يحذر الحكومة من النشاطات التآمرية لقوى الردة!؟ وأتساءل هل المطالبة بالحل السلمي وحوزتي على بيان حزبي تصرف صبياني ومتهور!؟ هل المفروض ترك شبابنا الجنود يموتون في حرب مدمرة لا ترحم ولا تفضي الى نهاية تنال قبول كل الأطراف!؟ ألم يثبت التاريخ الحديث صحة مواقف الحزب من القضية الكردية الذي سجنت بسببه!؟ لو لم تكن هذه الضغوطات الجماهيرية (الصبيانية المتهورة حسب قياس الاستاذ مصطفى) لاستمرت الحرب مع الاكراد لعدة عقود ولحصدت عشرات أضعاف الضحايا من كلا الجانبيين إضافة للخسائر الاقتصادية المدمرة! إن الوقوف جانبا وترك الدكتاتورية تفعل فعلها بالشعب موقف ينقصه الشعور بالمسؤولية الوطنية، وهذا الموقف العدمي هو من جرّ على شعبنا الويلات! 

 

وفي المرة الثانية سجنت لخمس سنوات بسبب التظاهر ضد انقلاب حزب البعث الدموي في 8 شباط 1963. وكان انقلابا دمويا جاء بقطار أمريكي (باعتراف رموز قياداته -علي صالح السعدي-)، وكان من أخطر بياناته الدموية بيان رقم 13 الذي يدعو فيه بوضوح لإبادة الشيوعيين!؟ وفي هذه المرة ايضا أجده ينتقد موقفي ولم ينتقد الانقلاب وما جره على شعبنا من ويلات ومآسي، فهو ينتقد الضحية ويصف موقفه الوطني بالصبيانية مرة وبالتهور مرة أخرى، ويلتزم الصمت عن أي إدانة للانقلابيين الدمويين وزجهم بالالاف في السجون أو قتلهم تحت التعذيب البربري!؟ فالتعاطف مع المعاناة دون إدانة النظام الدموي موقف ناقص ربما تنقصه الجرأة أو الجهل بالتاريخ الدموي لتلك الحقبة.

 

وفي الانتخابات الطلابية ربيع 1967 كنت أحد أعضاء اللجنة الاتحادية في كلية الزراعة. وكان علينا المنافسة في الانتخابات الطلابية التي أجرتها الحكومة العارفية، ومن الطبيعي أنشط بين الطلبة للدعاية. ولكن تفاجأت باعتداءات الطلبة البلطجية من البعثيين ولعدة أيام لثنيي عن الترشيح في الانتخابات والانسحاب منها. وقد تمادى البعثيون في اعتداءاتهم ولم تتخذ ادارة الكلية وعميدها د. حسين العاني أي إجراء رغم ما قدمناه من مذكرات ومطالبات بوضع حد لممارسات البلطجة ومحاسبة الطلبة المسببين لهذا الشغب والاعتداء، بل أن العميد كان متواطئا معهم واستمرت الاستفزازات والاعتداءات قبل الانتخابات وبعدها، وكنت غير قادر على النوم في القسم الداخلي او السير في الكلية بمفردي أو مواصلة دراستي بسبب استفزازاتهم واعتداءاتهم المتواصلة! فاضطررت أن أطلب من رفاقي الحماية وهذا ما حدث، حينها تحرك عميد الكلية وطلب من أجهزة الأمن اعتقالي.

 

الاستاذ مصطفى لم يوضح لي وللقراء كيف يمكن التأثير من أجل التغيير في العراق نحو الأفضل. فهو حسب قناعاته يعتبر تقديم عرائض الاحتجاج والبيانات السياسية والمساهمة الناشطة في منظمات مدنية ومهنية أو المساهمة في الحق الانتخابي، والتظاهر والاحتجاج على الانقلابات الدموية، والانتماء للاحزاب .... كلها تصرفات صبيانية ومتهورة!

 

هناك صورا من التاريخ البشري تبرهن للأستاذ مصطفى كم من الثورات والانتفاضات سجلت تاريخ شعوبها بحروف من دم من أجل الحقيقة والحقوق المدنية والتطور الاجتماعي ومن أجل حياة أفضل! فهذه جنوب افريقيا لم تحقق انتصارها على نظام الأبارتيد (نظام التمييز العنصري) لولا كفاح شعبها المرير وما قدمته من ضحايا على مر العقود. وصمود نيلسون ماندلا لمدة تقارب ثلاثة عقود في السجن ولم يتهمه أحد أن تصرفه صبياني ومتهور بل العكس أعتبر رمزا عالميا في مكافحة العنصرية!. وعيد العمال العالمي -الأول من آيار- اعتبر عيدا عالميا للطبقة العاملة بعد سنوات من جريمة النظام الرأسمالي (في امريكا) بحق العمال، وهذا لم يتم لولا الضحايا والكفاح المتواصل للطبقة العاملة الأمريكية، ولم يتهم العمال بالصبيانية والتهور بالرغم مما قدموه من شهداء في تظاهراتهم وإضراباتهم. والثورة الفرنسية (عام 1789) وما رافقها من ضحايا وسفك دماء لكنها كانت ضرورة تاريخية غيرت مسار التاريخ في أوربا وتم الاعتراف بها واعتبرت منارا للتغيير في أوربا تجنبا للمزيد من سفك الدماء فاستفادت شعوب وحكومات اوربية من التجربة من أجل التغيير الديمقراطي. باختصار كل التغييرات في العالم تمت بتأثير مباشر وغير مباشر بسبب الحركات النضالية الجماهيرية السلمية منها والعنفية. فوصف أساليب النضال ضد الأنظمة الاستبدادية والمتخلفة بالتصرفات الصبيانية والمتهورة هي دعوة الى الاستكانة للذل والتخلف والتبعية والاستسلام للفساد والعبودية وهذا بالضبط ما كانت تطرحه الأجهزة الأمنية للأنظمة الاستبدادية لكي تحافظ على مصالحها وتبعد عنها خطر التغيير. وهذا موقف سلبي يؤثر سلبا على الحس والمسؤولية الوطنية. ولنأخذ عراق اليوم مثلا: حكومات متتالية يسودها الفساد المالي والإداري ، انعدام الخدمات، انعدام الأمن، بطالة، فقر، أمراض، تدهور في الزراعة والصناعة، خيانات وطنية ومليشيات وعشائر منفلتة .... مقابل هذا احتجاجات وتظاهرات وإضرابات وبيانات إدانة جماهيرية (رغم ضيقها) .... يرد عليها باعتقالات، وخطف وترهيب ومحاولات تسقيط واغتيال للناشطين ... وبالرغم من ضعف الاحتجاجات فبعضها أجبر الحكومة على الاستجابة أو هكذا تظاهرت للالتفاف على مطالب الجماهير ... فهل يجوز لنا أن نصف الناشطين من المتظاهرين الذين تعرضوا للاغتيال بالكواتم او الخطف من (مجهولين!) أو التسقيط والترهيب بأن تصرفاتهم صبيانية ومتهورة!؟ وإذا وصفناهم بالتهور والصبيانية فكيف سيتم التغيير نحو عراق أفضل، هل سيتم ذلك بالاستكانة والخنوع؟   

 

ويذكر الاستاذ مصطفى العمري: (... لم يستطع ان يتأثر بوالده بشكل جدي واقعي إنما كان تأثيراً شكليا ...). لا أدري إذا اطلع الاستاذ مصطفى على مذكرات والدي (ذكريات التنوير والمكابدة) فالعنوان يعطي صورة عما كابده والدي وكم عانى رغم اعتزاله العمل الحزبي منذ عام 1947. ولكن اعتزاله لا يعني أبدا اعتزال الفكر الوطني والقبول بحياة الخنوع وعدم المساهمة في الحياة الاجتماعية بما يحمله من فكر تحرري ... ومع كل هذا لم يعش والدي حياته الواقعية البسيطة كما كان يرجو، فلاحقته الاعتقالات، والتعذيب، والفصل الوظيفي، والسجون والإبعاد في كل العهود -الملكية والجمهورية- وحتى بعد وفاته عام 1996 ...!؟ وكل ذلك حدث باختلاق أكاذيب مفتعلة (من قبل الأجهزة الأمنية) لمحاربة والدي طيب الله ثراه .... فالأنظمة الاستبدادية لا يمكن الركون إليها والاطمئنان لها، فهي تخيرك بين أن تكون مستكينا ذليلا تابعا مسلوب الوعي، أو مطبلا للنظام ومنافقا، أو معارضا فتلاحقك بسجونها وأساليب قهرها! فأيهما تريدني أن أكون كي لا أصبح صبيانيا أو متهوراً؟ فالتاريخ يخبرنا أنه لا يمكن ان تتحرر وتتطور شعوبنا بدون تضحيات ومعاناة وألم وقد قال أحد الحكماء (إذا لم تحترق أنت وان لم احترق أنا  فمن سيضيء الطريق؟).

 

يذكر الأستاذ مصطفى العمري في مقالته: (...المأساة الكبيرة التي جرها المؤلف على نفسه و على أهله , ابعدته عن وطنه , و اعتقد انه ينتمي للغربة أكثر مما ينتمي للوطن  الذي سجن و عذب من أجله ). عندما عذبت وسجنت أول مرة عام 1962، ثم عذبت وسجنت عام 1963، ثم عام 67 كنت طول هذه الفترة في العراق وسبب معاناتي هي حبي وإخلاصي لوطني وشعبي فتحملت السجون والتعذيب والفصل كل ذلك من أجل عراق حر ديمقراطي تسود فيه العدالة الاجتماعية ولم أنادي بغير هذا الشعار أو أتبنى مطالب شخصية ضيقة، فهل هذه غربة عن الوطن؟ الغربة عن الوطن هو ما يعتقده الاستاذ مصطفى حيث يرى بكل هذا النضال والعذابات التي لاقيتها -وهو يتعاطف معها كثيرا- بأنها تصرفات صبيانية ومتهورة.  إذن ماذا نسمي موقف الذين تنتهك كرامتهم وتسلب حقوقهم وتمتهن إنسانيتهم ويقابلون كل ذلك بخنوع وصمت أو ومتفرجين؟ وأستغرب مجددا أن العزيز الاستاذ مصطفى يعيد ويحمل الضحية المآسي ولا يدين الأنظمة الاستبدادية!.

 

وجه الأستاذ مصطفى العمري عدة اسئلة بفقرته التالية: (... بودي ان اسأله عن كيفية إنضمامه للحزب الشيوعي ؟ هل كانت شعارات الشيوعيين و مثاليتهم العالية حقيقية أم مجرد إستهلاك لغرض كسب العدد الاكبر من الناس ؟ لأنه ذكر اكثر من مرة كيف انه وجد ان أقوال و شعارات الشيوعين تحطمت مع اول موقف حقيقي, كيف تخلى الطلاب عنه في الانتخابات , المحسوبية في البعثات الدراسية , خروجه من المعتقل خالي اليدين , محاولة تشويه سمعته من قبل احد الشيوعين المعتقلين معه).

 

حول انضمامي للحزب تطرقت إليه في بداية مقالي هذا. لا يمكنني أن أتحدث عن مثالية أحد مهما كان، فجميعنا بشر نتعرض للأخطاء، ومواقفنا وتحاليلنا واستنتاجاتنا هي اجتهادات تختبرها الحياة قد نفشل وقد ننجح وعلينا تحمل أخطاؤنا وهفواتنا وتصحيح مواقفنا بناء على تجاربنا. انا في كتابي لم أذكر مطلقا (ان أقوال و شعارات الشيوعين تحطمت مع اول موقف حقيقي) وإنما هذا استنتاج الاستاذ مصطفى العمري، وكيف لي أن أقول ذلك وأنا شاهد عيان على انتصار الشيوعيين مع القوى الوطنية الأخرى في ثورة 14 تموز 1958 المجيدة وتحقيق الكثير من شعاراتهم، وفوزهم في الانتخابات الطلابية عام 1967 بنسبة تجاوزت 75% بالرغم من مضايقتهم وزج قياداتهم في السجون. لقد انتقدت سلوك بعض الشيوعيين من زملائي في السجن وفي نفس الوقت تطرقت للجوانب الجيدة من مواقف الشيوعيين وحياتهم الاجتماعية الرائعة والمنظمة في السجون ومواقف الكثيرين منهم. وللأسف أن الاستاذ مصطفى ركز فقط على ما ذكرته من سلبيات البعض (وكأنه يهمه فقط أن يرى الجزء الفارغ من الكأس، وهو الجزء القليل جدا!) وأهمل الجوانب الايجابية وهي كثيرة لذلك أنصحه بإعادة قراءة الكتاب بتجرد من أي مواقف مسبقة. وعلى العموم الشيوعيون بشر وهم أناس عاديون وينحدرون من فئات وقوميات ومناطق مختلفة وثقافة وتربية متباينة يحملون الايجابيات والسلبيات ولا يجوز مطلقا النظر إليهم كأناس مثاليين.

 

أما تخلي الطلبة عني في الانتخابات، فهذا ليس دقيقا!؟ ففوزي بفارق الاصوات الذي يصل الى أضعاف أصوات منافسي دليل على التفافهم حولي وقناعتهم بالمشروع الطلابي الذي طرحناه كاتحاد طلابي. ولكي نفهم موقف المناصرين وهم أصدقاء ليس لديهم أي التزام تنظيمي سوى قناعاتهم بمنظمتنا الاتحادية وتعاطفهم معنا، علينا أن نحيط ونستوعب طبيعة النظام العارفي -ايام حكم عبد الرحمن عارف-. لقد كان نظاما معاديا للفكر الديمقراطي والتقدمي وزج بالشيوعيين في السجون ونفذ بهم أحكام إعدام، وواصل سياسة محاربة الشيوعيين برزقهم ووظائفهم، وكم الأفواه .... كل هذه كانت سببا في ابتعاد وحذر بعض الطلبة خوفا من التهم التي توجهها السلطات الامنية لأي ناشط ديمقراطي.

 

يتطرق الصديق العزيز مصطفى العمري في نهاية مقاله الى القول (يعتمد الدعاة دائماً، إسلاميون وعلمانيون , على الشباب ... واستلاب عقولهم ... وجعلهم مشاريع موت وقتل ...الخ). وهذا الطرح لاقى استحسانا وقبولا من بعض المعلقين على مقالته في الفيس بوك وهو رأي عدمي يطرحه كثيرون وشائع للهروب من تحمل اي مسؤولية وطنية. وأصحاب هذا الرأي لم يطرحوا ما هو البديل للشباب من أجل حياة أفضل؟ أنا لست مسؤولا عن الاسلاميين وعن دوافع شبابهم وأعمالهم الانتحارية، ما يهمني هو دور الحزب الشيوعي وموقفه من الشباب. وهو موقف مازلت مقتنعا به وأراه صائبا. فالشباب كما يذكر الاستاذ مصطفى هم (العمد الحقيقي لبناء الأوطان) لذلك تتوجه نحوهم الحركة الشيوعية. لأن الشباب هم اكثر قدرة على التفاعل بالقضايا الوطنية وان الحاضر والمستقبل سيمس مصيرهم بالدرجة الرئيسية كما انهم اكثر انفتاحا وتقبلا للتغيير وللأفكار الجديدة، وأنهم قادرون على التحرك والنشاط الذي تقتضيه قضيتهم. ومن هذه المنطلقات يأتي توجه الحزب نحو الشباب. كما أن قائمة شهداء الحزب منذ بداية الاربعينات من القرن الماضي ولغاية اليوم تثبت أن الحزب قدم من قياداته أكثر مما قدم من الشباب. ففي 14/15 شباط عام 1949 صعد قادة الحزب الأوائل (يوسف سلمان -فهد-، وزكي محمد بسيم -حازم- وحسين محمد الشبيبي -صارم-) منصة الاعدام رافضين المهادنة والتراجع عن مبادئهم محافظين على أسرار الحزب. وفي احداث انقلاب 8 شباط 1963 استشهد تحت التعذيب البربري في مقرات التعذيب البعثية (قصر النهاية، محكمة الشعب، الملعب الأولمبي، المكتبات وغيرها من مقرات) العشرات من قيادات الحزب في مقدمتهم سكرتير الحزب الشهيد الخالد سلام عادل، ومحمد حسين ابو العيس، وجورج تلو، وحمزة سلمان، وحسن عوينه، وطالب عبد الجبار، وصبيح سباهي، وجمال الحيدري، وعبد الجبار وهبي، ومحمد صالح العبلي، وغيرهم لا تحضرني أسماؤهم وجميعهم من الصف الأول في قيادة الحزب. وكان استشهادهم بطوليا كما وصفه كثيرون من قيادات حزب البعث بعد صحوة ضمير واحترام لبطولات الشيوعيين وصمودهم (راجع ما كتبه علي كريم، طالب شبيب وحازم جواد والفكيكي وغيرهم). لقد كان استشهاد قيادات الحزب تحت التعذيب هي من أعطت للشباب الشيوعي القناعة أكثر بمبادئ الحزب ومنحتهم القوة والعزم على مواصلة النضال. وما حدث من انهيار البعض وتخاذله وهم قلة لن يشوه الدور البطولي لقياداته الخالدة.

 

لذلك أرى أن قول الصديق العزيز مصطفى العمري باستلاب عقول الشباب وجعلهم مشاريع موت وقتل لا تنطبق على الحزب الشيوعي ويفندها الواقع، آملا ان يقرأ جيدا تاريخ الشيوعيين. ويجب التمييز بين الانتحاريين الذين يصرون على ان يكونوا مشروع موت ليقتلوا الأبرياء وبين الشيوعيين الذين يحبون الحياة ويتحملون متاعبها في نضالهم من أجل حياة أفضل ولم يختاروا الموت وإنما كان القتل يتصيدهم بهدف ترهيب الجماهير وعزلهم!

 

حول الأخطاء! فقد تطرقت لبعض الاخطاء ومنها أخطائي الشخصية وأخطاء الاخرين من خلال سردي لذكرياتي وقد يكون من المفيد إعادة دراسة التجربة بطريقة أكثر نقدية ومجردة من العواطف خاصة انني الان خارج صفوف الحزب الشيوعي.

 

أخيرا أرجو أن أكون قد نجحت في توضيح كثير من التساؤلات التي طرحها الصديق العزيز مصطفى العمري في مقالته وهي اراء وتساؤلات ومفاهيم ليست غريبة يطرحها كثيرون ووجدت من الضروري الكتابة عنها بهذه الاستفاضة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- نص مقالة الاستاذ مصطفى العمري على صفحة الحوار المتمدن:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=542716

 

2- المقصود الحكم الجمهوري الأول أيام الشهيد عبد الكريم قاسم (14/7/1958-7/2/1963)، والحكم الجمهوري الثاني الذي جاء بانقلاب 8 شباط 1963 (8/2/1963-17/11/1963)، والحكم الجمهوري الثالث الذي جاء بانقلاب 18 تشرين الثاني 1963 الذي قاده عبد السلام عارف ضد حكم حزب البعث (18/11/1963-17/7/1968).

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.