اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

جهاز الإستنساخ- قصة قصيرة// مارتن كورش تمرس

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مارتن كورش تمرس

 

عرض صفحة الكاتب

جهاز الإستنساخ- قصة قصيرة

مارتن كورش تمرس

محامي وقاص

 

كان (عبد النور) في خياله قد نسج خيوطاً لشكل فتاة جميلة تمنى أن يلتقيها في المستقبل وهو يحمل لها ثوب العروس وعلى رأسها أكليل الـ(براخ)! كان يبدو كالرسام الذي يجلس على دكة في متنزه عام يبحث بين وجوه المارة عن وجه فتاة ليقوم برسمها. كان سعيداً ببحثه الذي غلبته المحبة.. بحث متواصل في منتديات خيال الحاضر من أجل تحقيق حلم في المستقبل، من قبل شاب مُحب قد سبق بباكورة مخيلته، كل محب من بين أقرانه حتى المحبين من النظرة الأولى. فتاة رسم وجهها وشكلها على لوحة مخيلته، متمنياً أن تكون له حبيبة القلب. شابٌ هاديءٌ، وسيمٌ وطالبٌ جامعيٌ. ليس غريب أن يتمنى شاب فتاة تملأٌ حياته بعد قلبه بالحب الذي هو أساس كل بيتٍ.

صورة لفتاة رسمتها ريشة البحث الجاد بيد شابٍ مُحب، على صفحات مخيلته لتدخل في كتاب الفكر! أخذ يعيش الفكرة! كيف لا وهو الذي حاكها بخيوط مخيلته الخصبة! صورة فتاة أصبح يراها بعين الحلم وهو يتمتع بمشاهدة جميلة ظلت جزءاً ثابتاً في مخيلته لا تبارحها إلى أن صارت حدثاً حادثاً وفعلاً واقعاً!

في صباح يوم مُنعشٍ من أيام فصل الربيع، خرج من داره الكائنة في منطقة (البتاويين) في العاصمة بغداد، وبيده إضبارة. إستقل مركبة لنقل الركاب ذي الإحدى عشرة راكباً، التي نسميها بـ(الفورت) من منطقة الباب الشرقي، مقابل كنيسة الأرمن. ما أن دخلت المركبة شارع السباق القديم “كراج الأمانة”، حتى طلب (عبد النور) من سائقها أن يُركن مركبه على جانب الشارع. نزل منها ليسير على الرصيف الأيمن من الشارع الذي تقع على رصيفه العديد من المكتبات، القرطاسية، مكاتب الطباعة والإستنساخ ومحلات بيع أقراص فنية؛ بينما تقع على الرصيف الأيسر الجامعة التكنلوجية. تقدم ودخل لا على التعيين مكتبةٍ للقرطاسية. إندهش عندما وقعت أنظاره على فتاة تعمل على جهاز الإستنساخ! أنها الفتاة التي رسمتها له ريشة مخيلته! ها هي واقفةٌ أمامه بلحمها ودمها! تستنسخ للزبائن سجلات محاضراتهم، كتبهم، مراسلاتهم وأوراقهم الرسمية... الخ. اذا به يقفُ جانباً داخل المحل ليقول في نفسه: ها قد تحول الخيال إلى حقيقة... أراد أن يخرج إلى خارج المحل ليتأكد من نفسه! هل هو في حلم اليقظة أم في واقع؟! نظرَ من حوله وهو يتفحص وجوه الزبائن. تأكد من أنه واقفٌ على أرض الواقع! إقترب منها ليعطيها سجل المحاضرات الذي أستعاره من زميله لكي يستنسخه لنفسه. إستلمتها منه لتسأله:

            هل هذا سجل محاضرة جامعية.

      أجابها:

            نعم مسودة سجل محاضرة من محاضرات في علم النفس.

 

      بدأت بوضعها صفحة بعد صفحة داخل جهاز الإستنساخ. أخذت الأوراق تخرج واحدة تلو الأخرى، لكن ليس كما كانت مادتها الفكرية! كيف؟ يبدو أن الجهاز قد قلبها من محاضرة في علم النفس إلى رسائل في الحب! لقد أنقلبت وفق نظرية (الحب يقلب الوضع نحو الأفضل). إندهشت الفتاة! أخذت تتصفحها صفحة بعد صفحة! لم تصدق بالذي يحدث معها! سلمتها له يد بيد حتى لامست أطراف أصابعها كف يده اليسرى، لتنتقل شرارة كهربائية من قلبها إلى قلبه عبر خيط رفيعٍ لا يُرى إلا بعيون الحب! أخذ هو الآخر يُقلبها صفحة بعد صفحة ويقرأُ سطورها. قال في نفسه: أكيد لستُ في حلمٍ.. شيءٌ ما قلب عمل هذا الجهاز من ميكانيكي إلى سايكلوجي. كأن قلبه قد أخذ مكان ذلك الجهاز وإستطاع من تحويل متن تلكم الأوراق إلى رسائل في الحب! مكتوبة من شابٍ مُحب إلى فتاة جميلة القد والوجه ومعسولة الكلام.. ها هي أنظاره تلتقي بفتاة حفظ صورتها في مخيلته إلى أن أصبحت حقيقة ماثلة أمامه. يلتقيها في مكان ووقت العمل. هل حاكتْ صنارة الصدفة خيوط هذا اللقاء؟ لما لا. لكن بالنسبة لـ(عبد النور) كانت الفتاة حاضرة في مخيلته، تمناها من كل قلبه، لذلك لم يكن دور الصدفة معه إلا لجمعهما. بينما هو متفكرٌ فيما يحدث أمامه، فجأة إنقطع التيار الكهربائي! توقف ذلك الجهاز عن العمل وبدل أن تقول تلك الفتاة ما تعودت قوله دائما لزبائن المحل: تفضل إستلم أوراقك، لقد أكملتها لك. قالت لـ(عبد النور) وقد غلبها الإرتباك والخجل، بينما لم تزل عينيه في عينيها:

 

            لطفاً. أستلم حبكَ ! عفواً! سجل حبكَ! آه ما الذي يجري معي؟!

              قاطعها هامساً:

            يا فتاة. عرفتِ أختيارك! إنه الحب. أعملي به. لا تدعي هذا الجهاز يشغلكِ عنه.

اذا بها تهربُ منه بنظراتها وهي تنظر حولها خجلة من الزبائن! على رأسهم صاحب المحل. سعيدةٌ بالشاب الذي سرقها قبل قليل من جهازها بجاذبية نظرات حبه. طمأنها هامساً ثانيةً:

            لِمَ الخوف؟ لِمَ الخجل؟ لقد شعرتُ بشيء ما يخالج قلبي من طرفكِ، الدليل على هذا هو أنني رأيت في عينيكِ كل ما جرى في داخلي حتى تيقنت بأني محب حتى الثمالة.

فتح محفظة أوراقهِ، أخذ يبحث بين أوراقها عن واحدة بيضاء، لكنه لم يجدها. علمتْ عن ماذا يبحثُ، فتحت درج مكتبها، أخرجتْ ملفاً للأوراق، سحبتْ منه واحدة بيضاء كصفحة من صفحات قلبه! وأعطتها له. أخذها وكتب:

 إلى الآنسة ...... للطبع لطفاً.

أحبكِ وسأعود غداً لأسير بكِ بعيداً عن هذا الجهاز.. لطفاً إنتظريني.

قرر أن يعود في صباح اليوم التالي كما وعدها في رسالته، بعد أن قضى الليل بطوله ينتقي كل كلمة معسولة في الحب ليقولها لها. أقبل متلهفاً للقائها يحملُ على ظهر لسانه أجمل كلام في الحب، وفي جعبة نفسه الكثير من الآمال الكبيرة التي دارت في مخيلته ليلة البارحة، فرحاً وسعيداً بمن كان يبحث عنها لتكون له حبيبة! تلبس ثوب العروس. لكنه وجدَ ما لم يكن يتمناه حتى لعدوه! وجد سيارة إطفاء الحريق، قد إنتهت للتو من إطفاء الحريق الذي شبتَّ في محل القرطاسية، الذي كان فيه البارحة! كذلك كانت هناك سيارات الإسعاف وهي تنقل ضحايا وجرحى الإنفجار! بينما أوراق وقرطاسية ممزقة وملطخة بالدماء! متناثرة على الرصيف. تقدم وسأل أحد الحاضرين  ليأتيه الجواب:

            سيارة مفخخة إقتحمت محل القرطاسية  قبل ساعة من الآن! ليقع إنفجاراً قوياً أودى بالعديدين! بين ضحايا وجرحى من بينهم جميع العاملين في المحل إضافة إلى الزبائن الذين كان معظمهم من طلبة الجامعة.اذا به يعود ويسأل شخص آخر من بين الذين شاهدوا الحادث:

            ما هو مصير الفتاة التي كانت تعمل على جهاز الإستنساخ؟

            المسكينة من بين الضحايا. لم يجدوا جثمانها! لم تُخلف بعدها سوى الثوب الأبيض الذي كانت ترتديه وهو ملطخٌ بالدماء!

أخذ يبكي كطفلً صغير. وهو يقول في نفسه: ما الذي حلَ؟ هل من الصعب أن تتحقق الأحلام؟ أم أن التي فرحتُ بلقائها البارحة فضلت أن تبقى رهينة مخيلتي لا تريد أن تبرحها؟ هل ما حدث البارحة لم يكن سوى محض خيال حاكته خيوط السراب؟

يد الأرهاب أودت بحياة مَن رسمها في مخيلته! على ما يبدو أن الخيال أحياناً لا يقبل أن ينقلب إلى واقع! لا لشيء سوى لأنه خيال. شابٌ وجد فتاةً تمناها في مخيلته من كل قلبه، لكن سيف الإرهاب كان له بالمرصاد. ها هو ينعيها كما نعتها أوراق الأستنساخ، كأنها أوراق شجرة تساقطت في زمن اللاخريف.

 

المحامي والقاص

مارتن كورش تمرس لولو

 

+++

من مجموعتي القصصية (الباحث عن...) الصادرة عام ٢٠١0

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.