اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

قارب القلوب// مارتن كورش تمرس

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مارتن كورش تمرس

 

 

عرض صفحة الكاتب

قارب القلوب

مارتن كورش تمرس

محامي وقاص

 

كان يا ما كان، كان في حيِّنا طفلان يحملان قلبين نقيين، الأول إسمه (أباي) والثانية إسمها(دامار). كبرا وترعرعا كل في كنف عائلته، فيها عرف كل واحدٍ منهما أن والديه عاشا قصة حبٍ قبل الإقتران. كان يلتقيان صدفة في زقاق الحيِّ، كأن تكون هي راجعة من المدرسة، بينما هو ذاهب إليها أو بالعكس، ما أن تلتقي أنظارهما حتى تراها قد طَأْطَأَتْ رَأْسَهَا فِي اسْتِحْيَاءٍ، بينما هو يستمتع بالنظر إلى خديها وهما يحمران. مرت السنون راكضةً ليعبر كلاهما إلى المرحلة الإعدادية. شعر بشرارة تداعب قلبه متى ما وقعت أنظاره عليها. قرر أن يسأل والدته عن الذي يحدث معه:

-    لماذا يا ماما كلما رأيت (دامار) أشعر بشيء ما يخالج قلبي؟

أجابته بكل حذرٍ في مسألة يعتبرها العديد من أولياء الأمور الشرقيين من المسائل التي لا يجوز الإفصاح عنها أو النقاش فيها:

-    إنه الحب يا بني.

-    هل أنتِ وبابا عرفتما الحب؟

-    لا زلت يا ولدي صغيراً على الخوض في مثل هذه المسائل!

-    بعون الرب لم تبق لي سوى سنة دراسية وأحصل على مقعدٍ جامعي.

-    يا رب إستجب.

-    اليوم أنا موجودٌ كذلك شقيقتي.

-    لا زالت هي صغيرة على ما تطرحه يا بني.

-    أعلم يا أمي أنها لا زالت طفلة. لكن غداً ستكبر قد تسألني عن ما أسلك أياه الآن. أن كنت لا أعرف الجواب، كيف سأقوى على إجابتها مستقبلاً. من الأفضل أن أعرف منكِ أو من والدي عن الذي يحدث معي.

-    أتمنى يا بني أن تعرف كيف تختار مَن تودع قلبها في صدركَ. ثم سوية تؤمنان قلبيكما عند الرب.

-    صَلِّي من أجلي يا ماما.

-    آمين.

سكتت لحظة ثم قالت له:

-    يا بني في أيامنا كان على الفتاة من بيننا أن تخضع لرأي بل لأمر أهلها! حتى في أمر إختيار شريك الحياة! لكن والدك كان إنساناً محباً عرف يقيناً أنني أحبه! قبل أن يختارني حبيبة له.

-    يا ماما أحكي لي قصتكما! أرجوكِ يا ماما.

أخذتْ تسرد له قصة حبها الممتعة التي عاشتها مع والده. كان كله أذانا صاغية لكل كلمة كانت تخرج من بين شفتيها. عرف من حديثها أن الحب حياة لا يمكن الإستغناء عنه لحظة، بل أن القلب لا يمكن له أن يستغني عنه أبداً! أن القلب من غير حب يعني أنه ينبض من غير حياة. كان (أباي) سعيداً بقصة أمه مع والده، كانت كلما تقف لتتذكر، يقول لها: "ماما هيا إحكي.. أنا سعيدٌ بقصة حبكِ مع بابا." تعود وتواصل سرد قصتها في الحب مع والده، سعيدة بكل لحظة عاشتها حبيبة. ما أن أشرفت على نهاية سرد قصتها، قال لها:

-    يا لهذه القصة الرومانسية الممتعة، بل أنها درس في حصة الحب يفضل أن يسمعها كل فتى وفتاة.

-    أتمنى من كل حكومة في دول الشرق عند تشكيلها أن تضع في حسابها تكوين وزارة للمحبة.

-    يا ريت يا ماما.

شبَّ الولد في عالم نقي، تحت إرشاد والديه، بينما أخذ قلبه يسمع نبضات مَن إختارها! بل أصبح قلبه يرقص بنبضاته كلما إلتقت عيون مَن يسكن صدره، بعيون (دامار) الفتاة الجميلة، التي كانت تبدو كأنها وردة وهي تسير أمام أنظاره في زقاق الحيِّ. تيقن من حالته بأنه يعيش الحب بكل معانيه. رأف الزمن بحالته فسنح عن موعدٍ فيه حانت بل إستحقت لحظة اللقاء أن تحتضنهما.. إحتضنهما اللقاء في زقاق الحيِّ، فيه صارا يغرفان من المحبة ليتقويا بها وهما على طريق ربيع الشباب، يسيران بخطواتٍ وئيدة يقودهما قلباهما ببوصلة الحب. شعر كل واحدٍ منهما في ذلك اللقاء، أن قلبه قد كبر معه لتكبر وتتوسع معرفته بكل ما يمتُّ إلى الحب بصلة. تشجع (أباي) وتقدم من (دامار) وهمس في أذنها اليسرى:

-    لو سمحتِ يا أجمل فتاة في حيِّنا، أن نلتقي غداً مساءً في نفس هذا المكان؟

 خجلة دون أن ترفع عينيها العسليتين، أومأت برأسها بعلامة الرضى. أقبل الأمس حاملاً بين يديه اللقاء هديةً لإثنين عرفا الحب ببراءة الأطفال. دعاها في ذلك المساء لكي تدع قلبها يركب مع قلبه على متن أحد القوارب المصنوعة بأيدي قلوب أولياء الأمور. لبى قلبها وقبل بالدعوة ليدخل مع قلبه ويكونان على متن قارب مركونٍ على شاطئ نهر (فِيشُونُ،)"سفر التكوين2: 11" مُخصص لنقل القلوب مع أصحابها! أخذ (أباي) يجذف القَارِبَ بِالمِجْذَافِين، ليدخل بهما إلى النهر، غير خائفين من الغرق فيه، لأن الغرق فيه من أحلى صفاته بل هو دليل الوفاء للحب. أن دخول كل قلب مع قرينه إلى نهر الحب، لا يعني أن القارب سيعوم بهما على سطح مياه النهر، بل تراه يطير بها عائماً بعد أن ينقلب المجذافان إلى أجنحة تطير سابحاً في جو جميل تغطيه سماء المحبة.

حلم جميل عاش فيه (أباي) بقلبه مع (دامار) بقلبها، فيها سنحت الفرصة لكي يلتقي فيها قلبان جمعهما النقاء على قاربٍ واحدٍ.

أصبحا يعيشان أيامهما في حب بكل صدق وإخلاص، هما اللذان عرفاه منذ أن إلتقت أنظارهما في محضره في الحي الذي يسكنان فيه. أن الحب لن يتأخر عن كل قلبين قررا أن يكونا في صدرٍ واحدٍ! إن حضور الحب يعني أن تغييراً نحو حياة أفضل لا بد أن يحصل. لذلك يوم حضر الحب إلى قلبيهما، أعلن عن شيء جديد. هو شأن الشباب في كل زمان، البحث دوماً عن كل جديد لا يخلو من النقاء، بوجوده تدق أجراس السعادة على أنغام نبضات القلوب المُحبة. إطمأن (أباي) لأن الأمور أصبحت تجري كما قالت له أمه. لقد ترك قلبه يختار أن يعيش قصة حبٍ مع فتاة يوم شاهدها رقص قلبه لقلبها.

شيء واحد فات هذين المحبين! هو أن علاقة الحب غير مرغوب بها لدى عديدين في بلدهما. صارت قصة حب (أباي) و (دامار) على لسان كل كارهٍ للحب. أصبحت أنظار كارهي الحب لا تطيقهما! صار هؤلاء كثرة، إتفقوا على إعلان (بيان ممنوع الحب!) به يسمح لهم بستخدام الأساليب الشريرة لإختراق عالم الحب الذي تشيده القلوب النقية، غايتهم إصابتها بسهام الكراهية من أجل تغيير أهدافها، من مُحبةٍ لأقرانها، إلى كارهة لها. لاقى بيان الأشرار أنصاراً ومؤيدين كثيرين في المدينة.

توسعت رقعة رافضي حالة الحب، حتى إستطاعوا من رفع لائحة بإعلان (بيان ممنوع الحب!) إلى برلمان البلاد من أجل التصويت عليه. تمت المصادقة بأغلبية شريرة من أعضاء البرلمان. أصدرت السلطة التشريعية (قانون ممنوع الحب)! في نظر الأشرار، يكون مبدأ اللآحب هو البديل الأفضل الذي يجب أن يحلَّ في القلوب المواطنين. لكن كثرة هؤلاء المضادين لقضية الحب، لم تقوض من عزيمة وإرادة (أباي) و (دامار) اللذان قبل أن يجعل الحب منهما واحداً! لذلك لم يقف (أباي) مع حبيبته مكتوفي الأيدي أمام الذين يحاربون الحب. أخذ كل واحد منهما يكتب عبارات مشجعة عن الحب ويلصقها على لوحات وجدران الكلية التي كل واحد منهما فيها. أصبح العديد من الطلاب يُبدون عن أرائهم في قضية الحب بدون خوفٍ، بل طالب بعضهم رئاسة الجامعة بتخصيص حصة لموضوع الـ(حب) تُدرس في مختلف المراحل الدراسية، في مختلف كليات ومعاهد الجامعة. أبدا العديد من طلاب الجامعة تعاطفاً مع (أباي) و (دامار) وهم يتمنون عالماً يعمه الحب النقي خيراً من عالم تتصارعه الكراهية والضغينة. شعر الحبيبان بقوة روحية تدبُ في قلبيهما! لذلك تشجع كلاهما أن يبقى كل واحد منها مع قلبه على العهد غير خائفين، وهما يعملان سوية مع بقية أنصار قضية الحب بالمحبة بكل نقاء وإخلاص.

كذلك صار الكارهون يعملون ضد كل محبٍ بعد إصدار (قانون ممنوع الحب!) تمشياً مع تعليمات القانون! صار من السهل أن يُكتشف سرُّ القلوب المحبة، من خلال علامات السعادة الظاهرة في وجوه المحبين. قام العاملون به وفق صلاحية ضمنية ممنوحة لهم من السلطة، بتسجيل أسماء كل محبٍ ضمن قائمة المخالفين! من أجل رفعها إلى الجهات الحكومية، كان إسما (أباي) و (دامار) في رأس القائمة.

في إحدى الليالي المملوة سماؤها بالنجوم المتلألئة حيث إكتمل وجه البدر فصار قمراً، دخل مرتزقة النظام الحاكم إلى الحي الذي يسكن في أحد زقاقاته (أباي) و (دامار) وألقوا القبض عليهما. إقتادوهما إلى مقرهم، فيه تم تدوين إفادتهما دون أن يُسألا ولو سؤالاً واحداً بالشكل الصحيح! لقد كان القائم بالتحقيق يوجه أسئلته لهما وقبل أن يجيب أحدهما، كان يرد عليها بنفسه ويأمر كاتبه بتدوين ما يمليه عليه دون أن يستمع إلى أجوبتهما، لذلك فضلا الصمت على الكلام بالنسبة لبقية الأسئلة. تم بعدها ترحيلهما مع الأوراق التحقيقية وبرفقة مجموعة من جلاوزة النظام إلى محكمة خاصة تم تشكيها حسب (قانون ممنوع الحب!). فتح الحاكم محضر التحقيق لتدوين إفادتهما، أعلن على الحاضرين ما يلي:

-    دعوى ممنوع الحب منعاً باتاً. المرقمة….... بتأريخ.......

بدأ بإلقاء أسئلته أولاً على (أباي)، قائلاً:

-    إسمكَ الكامل؟

أجابه:

-    أباي أشور العراقي.

-    عمرك؟

-    ربيع بلادي.

-    مهنتك؟

-    طالب في كلية الطب.

ثم تحول بأسئلته إلى (دامار):

-    إسمكِ الكامل؟

-    دامار وطن العراقية!

-    لَقَبكِ؟

-    (قَلْبًا كَامِلًا..)"سفر أخبار الأيام الأول29: 19".

-    عمركِ؟

-    سنوات الحب في بلاد ما بين النهرين.

-    مهنتكِ؟

-    طالبة في كلية الآداب/ قسم اللغات السامية.

بدل أن يقوم الحاكم بالإستماع إلى محام الدفاع والشهود، من ثم تأجيل الدعوى للدراسة والتداول من أجل صياغة القرار! إلا أنه أصدره غير عادل في جلسةٍ واحدةٍ!

إستناداً إلى (قانون ممنوع الحب) وبإسم كل الكارهين والمبغضين أصدرنا لائحة قرار الحكم:

من غير تدقيقٍ أو مداولة وعدم الإستماع إلى المتهمين وعدم إنتداب محام للدفاع عنهما مع رفض كل أدلة الإثبات من بينها الشهود، تأكد لمحكمتنا بأن المتهمين الماثلين أمام محكمتنا، يعيشان قصة نقية لا وجود لها في بلادنا! مما يسببان عرقلة سياسة الحكومة وتأثيراً كبيراً على مفاهيم وأفكار أبنائنا جيل عصر اللاحب. إضافة إلى أن قصتهما لا تتلائم مع الكراهية والحقد وصناعة الحروب التي أصبحت معظم دول العالم تأخذ بها كنهج في تسيير زمام السلطة. في بلدنا لا نعمل بالحب بل نصنع الحرب! لا نأخذ بالعاطفة والتفاهم بل بالظلم. نحن حكومة مستبدة نأمر ولا نصغي. قبل عدة أيام تم العمل في بلادنا بنظام الشبكة العنكبوتية/ الأنترنت. يتوضح لمحكمتنا بأن المتهمين الماثلان أمام محكمتنا، هما من أنصار "قضية الحب" التي قد تتسبب في ضرب معظم برامج حاسباتنا بفيروس ما، هذا إن دل على شيء إنما يدل على مدى فداحة الأضرار التي يسببها المتهمان للحكومة. أيها المتهمان، رأفة بشبابكما، قررت محكمتنا إصدار القرار الآتي بحقكما:

نوصي المتهم (أباي) والمتهمة (دامار) الماثلين أمام محكمتنا، بوجوب التنازل كلياً عن "قضية الحب". علماً أن المحكمة قادرة على إنزال أشد العقوبات بحق كل مَن يدفعه قلبه إلى الوقوع في الحب. أيها المتهمان إن أعضاء المحكمة ينتظرون منكما الردَّ على ما جاء أعلاه، الآن.

نظر واحدهما إلى الآخر ثم تحولا دون إتفاق بنظرهما الثاقب إلى الحاكم وإلى كل أعضاء المحكمة ليعلنا سوية وبصوتٍ واحدٍ ردهما على قرار المحمكة الجائر بحقهما:

-    إننا نطبق وصية حب من المحبة فائقة الحدود التي مصدرها العلية!

كأن الحاكم ومَن معه لم يسمع، فكرر ثانية سؤاله:

-    أعلن عليكما تنفيذ القرار.

أجاباه بصوت عال واحد:

-    مستحيل.

عندها أصدر الحاكم الظالم القرار النهائي وبصوت غاضب:

إستناداً إلى "قانون ممنوع الحب" المرقم.... والنافذ من تأريخ صدوره في الجريدة الرسمية. بإسم كل البغضاء في بلدنا، قررنا إعدام المتهمين الماثلين أمام محكمتنا، رمياً بالرصاص، مع توصية خاصة إلى مرتزقتنا، الذين يحملون قلوباً قاسيةً، بتوجيه فوهات بنادقهم مباشرة بإتجاه قلب كل واحدٍ منهما، لكي ما يتم تثقيب وتفتيت قلبيهما وتمزيقهما إرباً إرباً، حتى يخرج الحب منهما نهائياً ويطرح على أرصفة شوارع مدينتنا ويداس تحت الأقدام.

أخرجوهما من قاعة المحكمة وألسنة الحاضرين تنعتهما بأفضع الشتائم، بل منهم من أطال يده وأخذ منهما مأخذاً من الضرب، منهم من فتح فاه العفن وبصق في وجهيهما ومنهم من رفض وجودهما وإعتبر حضورهما إلى المحكمة مضيعة لوقتها حتى صرخ في وجهيهما قائلاً: 

-    أي حب هذا الذي تدافعان عنه بحياتكما؟! هل تعيشان في عالم غير عالمنا؟ أم تقيمان في بلدٍ غير بلدنا؟ ألا تشاهدان المسلسلات المدبلجة التي أبدلت العلاقات الجنسية المحرمة بعلاقات الحب التي تنادون بها؟ أم لا تشاهدان أغاني الكليبات التي تتغنى كلماتها بالخلاعة وقد بخلت المطربة على جسدها العاري بالكسوة؟ عن أية قضية حبٍ تدافعون في عالمٍ سيده الشيطان؟ فلتستحقوا الموت المحتم.

إذا بـ(أباي) المحب من كل القلب، يصرخ بأعلى صوته حتى طغى على مسامع كل الموجودين من بينهم الكارهين فسكتوا ليسمعوا قوله:

-    يا أخوتنا في المحبة، لماذا تقلبون موازين السلوك والأخلاق؟ لماذا تُغمضون عيونكم عن الحق؟ لماذا تغلقون قلوبكم بمفاتيح الحقد حتى لا ترون الحب بعيون قلوبكم؟ عودوا إلى رشدكم. الحياة بلا حبٍ كشعب من غير سلام.. كدولة من غير دستور.. كأرض من غير تربة خصبة.. أستصرخ ضمائركم أن تقفوا وقفة محب صادق تؤازروننا بها. يا أعزائي الحاضرين في قاعة المحكمة، كونوا أنصاراً للحب وأبنائه وأطرافه، كفوا عن معاداتكم للمحبين؟ أدعوكم دعوة صادقة أن تكفوا عن مسايرة الكثرة الشريرة التي تقود العالم اليوم، هذه الكثرة التي تصنع الحروب وتخدم الكراهية والحقد وسيدها الشيطان. إن بينكم قلة ترفض في داخلها رأي الكثرة الطاغية. هيا أيتها القلة وتقوي بالمحبة وأطلقي العنان لرأيك الصحيح وأعلمي الأكثرية به ولا تخافي لأن كل مُحبٍ هو قويٌ بالمحبة. نعم نحن أقوياء بالمحبة. لا تهتموا إن كنا قلة.

إنقسم الحضور بين مؤيد ورافض وكادت تفلت زمام الأمور من بين يدي الحاكم، فصرخ بأعلى صوته:

-    يا حراس أدعوا قوات التدخل المختصة، بإلقاء القبض على كل متهمٍ بالحب!!! هيا أذهبوا بهما إلى ساحة الأعدامات.

تم ربطهما إلى خشبتين عموديتين متقاربتين. فيما بدا للعيان مجموعة الرماة وهم يحضرون بنادقهم للرمي، صرخ (أباي) قائلاً:

-    لي طلبة أخيرة أطلبها.

تقدم أحد الرماة منهما وقال:

-    هيا أستعجل فلا وقت فائض لدينا.. هيا أختصر.. على ما يبدو أن آخرين مثلكما ظهروا! علينا أن نلحقهم بكما عاجلاً.

-    أطلب طلبة حق لي.

-    ما هي؟

-    أن يُرْبَطَ جسدي أمام جسد حبيبة القلب على خشبة واحدة.

-    لماذا؟

-    إنها أُمنية كل مُحب من كل القلب وبإخلاص.

ضحك ذلك المرتزق ساخراً ثم وافق دون الرجوع إلى من هو أعلى منه درجة أو رتبة. أصبح جسد (أباي) كالدرع الواقي لجسد (دامار) الفتاة التي أحبته ووقفت معه في قضية الحب دون خوف. أصبح من الحق أن يكون المحب درعاً عن مَن لم تتراجع قيد أنملة عن هدف سامي من أهداف الحياة الكريمة التي تمنتها لحبيبها متأملة أن تتوج حياتها بأكليل الـ(برَّاخ) حتى تكون مع مَنْ أحبه قلبها تحت سقفٍ واحد. قد ظنَّت جماعة الكارهين أنها حققت مآربها في إعدام الحبيبين لأن هدفها لم يتحقق على الأرض! نسوا أن الحب لن يموت بإعدام مَن حمله في قلبه! بل كل مَن يقع ضحية قضية الحبِ! ينال مصيراً طيباً في السماء مع الصديقين والأبرار.

تم ربط جسده أمام جسدها، حتى شعر لحضتها بأنه لن يموت بطلقات أولئك الأشرار! وأن مات وماتت معه حبيبته التي جعل لها من جسده درعاً، واثقاً أن السماء لن تنسى أبنائها المحبين. بدون سابق إنذار، إنفتحت النيران عليهما من جميع الجهات! لم يحسَّ بها ولا بدوي أصواتها! بل حتى حبيبته لم يأخذها الخوف بعيداً عنه في تلك اللحظة بل زاد تعلقها بي ويديها تطوقان عنقه من الخلف وقد ألقت برأسها على كتفه بينما خصلات شعرها تتطاير فوق رأسيهما كأنها مظلة نجاة، والدماء تسيل من جسديهما على الأرض مكونة لوحة على شكل قلب كبير! عندها صرخ (أباي) بأعلى صوته، قبل أن تتركه نسمة الروح إلى العلية، بهنيهات:

-    القلب فينا حيُ. المحبة دائمة الوجود. الحب لن يموت. السماء تحتضن أرواحنا.

 

المحامي والقاص

مارتن كورش تمرس

ملاحظة: هذه القصة مقتطفة من مجموعتي القصصية (القلوب عندما تسافر) الصادرة بطبعتين، الأولى عام 2003 والثانية عام 2011

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.